ردَّ رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع على كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الأخير من دون أن يسميّه قائلاً:”سمعنا كثيراً في الأيام الأخيرة كلاماً عن تسييب حدود لبنان وفتحها أمام مجموعات مسلّحة مّما هبّ ودبّ، بحجة الدفاع عن لبنان. أولاً: لا نريد من أحد الدفاع عنّا أو عن لبنان، فهذه مهمّة حصرية، وحصرية جداً، وحصرية جداً جداً للدولة اللبنانية وحدها فقط لا غير. وما قام ويقوم به الجيش اللبناني اليوم وكل يوم مع باقي الأجهزة الأمنية خير دليل على ذلك. ثانياً: ليس من حق أحد على الإطلاق اتخاذ قرارات استراتيجية خصوصاً في ما يتعلّق بسياسة لبنان الدفاعية أو الخارجية إلاّ الحكومة اللبنانية حصراً. ثالثاً: ما زالت ماثلة أمام أعيننا تجربة المجموعات الفسلطينية المسلّحة التي أدخلت في السبعينات أيضاً بحجة مواجهة إسرائيل، فكانت النتيجة مواجهة للشعب اللبناني وحرباً داخل لبنان لم يشهد لها مثيلاً. رابعاً وأخيراً: لقد أثبت التاريخ وعلى مدى 1500 عام أنّ اللبنانيين استحقّوا لبنان لأنّهم دافعوا عنه بأنفسهم كل الوقت، وليس لأنّهم استقدموا مجموعات من الغرباء من الخارج للدفاع عنه. لبنان للبنانيين وهم بأرواحهم يفدونه كلّما دعت الحاجة. هكذا كان، وهكذا سيبقى الى أبد الآبدين آمين.”
كلام جعجع جاء خلال تسليم بطاقات الانتساب الحزبية الى حوالي 2500 منتسب جديد من المناطق والمصالح كافة في المقر العام للحزب في معراب حيث استهل كلمته بتوجيه التحيات الى المناطق قائلاً: “إنّ باقة معراب اليوم باقة مميّزة بألوانها وعطورها. فتحية بقوة حرارة هذا اليوم لكم جميعاً! تحية الى زحلة والبقاع الأوسط، البقاع الغربي وراشيا، البقاع الشمالي ومنطقة دير الأحمر، البقاع الشرقي ونجمته الساطعة القاع، تحية الى جزين، وصيدا- الزهراني، الى حاصبيا- مرجعيون والنبطية وبنت جبيل، تحية الى بيروت والشوف وعاليه وبعبدا والمتن الشمالي وكسروان وجبيل، تحية للبترون والكورة وزغرتا وبشري، تحية للضنية والمنية وطرابلس وعكار، تحية لمصلحة الطلاب، ومصلحة النقابات، ومصلحة رجال الأعمال. تحية لمصلحة المهندسين ومصلحة القطاع العام. تحية لمصلحة المعلمين، لمصلحة الصيادلة ومصلحة المهن القانونية.”
واعتبر “ان البطاقة التي تتسلمونها اليوم ليست بطاقة انتسابٍ الى الحزب فحسب، وإنما بطاقة انتساب وإيمان والتزام بكل خياراته التاريخية وآخرها المصالحة، لقد لاحقت لعنة الانقسام والتشرذم مجتمعنا وطاردته لعقودٍ وعقود، وفي غمرة مخاطر كبيرة على الوجود والمصير، فكان لا بد من أن يأخذ أحد ما المبادرة في التصدي لهذه اللعنة، ويعمل على اجتثاثها من جذورها، ولو بأثمان باهظة باهظة، وهكذا كان. فهبّت رياح التغيير في حزيران من العام 2015 وأثمرت في 18 كانون الثاني 2016 في معراب لتطوي صفحة اقتتالٍ داخلي كان في بعض الأوقات عنفياً، وتحوّلت لعنة الاقتتال الى نعمة المصالحة. صحيحٌ أنّ مصالحة معراب كانت محصورة بين قوتين أساسيتين إلاّ أنّ مفاعيلها الإيجابية امتدّت كالشعاع في أرجاء الوطن فطالت كلّ الأطراف السياسية الباقية ممّا أدّى الى انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية وبعدها الى الوصول الى قانون انتخاب جديد. لذلك، وعلى ضوء كلّ ما تقدّم، فليسمّى احتفالنا اليوم : احتفال مصالحة معراب.”
وأضاف:”من اي ساحة نضال جئتم، ولأي منطقة أو مصلحةٍ في المقاومة اللبنانية انتسبتم، ها انكم الى محطتكم الأساسية في معراب قد وصلتم. فاهلاً وسهلاً بكل فردٍ منكم. جئتم حتى تتسلّموا بطاقة انتسابكم تنظيمياً الى القوات، امّا بطاقة انتسابكم وجدانياً وعاطفياً واخلاقياً وقيمياً فتسلّمها وتسليمها هو حِكرٌ على التاريخ والمستقبل، هنيئاً لمن يعرف كيف يجمع المجد من طرفيه. هنيئاً لمن ينتسب بقلبه وعاطفته ووجدانه … وبطاقته للقوات.”
ولفت الى أنه “قبل ان تولد القوات كإطارٍ تنظيمي، حمل ابطالٌ من مجتمعنا ارواحهم على اكفّهم دفاعاً عن الكرامة والوجود والمصير وقد تملّكتهم روحٌ من الحرية والثورة والبطولة والعنفوان. هذه الروح هي التي تجسدّت لاحقاً في إطارٍ تنظيمي اسمه القوات ،وعندما كانت القوات تخوض معارك الصمود والبقاء والمقاومة كان اعداؤها الكثُر يفوقونها عتاداً وعدّةً وعديداً، ومع ذلك تمكنّت الروح من ان تُعوض النقص في العتاد والعديد، فصمدت القوات وبقيت واستمرّت. وعندما صدر قرار حل القوات في العام 1994 ، انتفى إطارها التنظيمي ، لكنّ روحها بقيت وقاومت واستمرت وانتصرت، وهكذا دائماً ستبقى وتقاوم وتستمر … حتّى تنتصر! القوات ليست جسداً تنظيمياً تنتسبون اليه اليوم فحسب، ولا هي مقاعد نيابية ووزارية وإنما روحٌ تفعل في الأحداث، توجّه المسار وتفعل به، وتصنع التاريخ.”
وتابع:”الى هذه الروح بالتحديد تنتسبون، والى قافلة الأبطال الذين سبقونا تنضمّون. تتسلمون بطاقة انتسابكم اليوم لتشكّلوا قيماً مُضافة للحزب ولتتحولوا الى مناضلين. فنحن لا نريد محازبين بالمفهوم الحزبوي الضيق، بل نريد مناضلين من اجل قضايا الحق والحرية والانسان ، مناضلون يزدادون إيماناً والتصاقاً بالقوات في ايام شدّتها، ولا يُنهكونها في أيّام عزّها. لا نريد صائدي مناصب وفرص، بل عمّالاً في حقل القضية. نريد محازبين يرتقون بفكرهم واخلاقهم الى عظمة تضحيات شهدائنا. لا تدعوا البطاقة في محفظتكم فحسب، وإنما فلتكن في قلوبكم اولاً. فهذه البطاقة ليست حبراً مطبوعاً على ورق ، وإنما تضّج فيها روح كل شهيد، ويجري فيها دم كل بطل، وتُسمع فيها نبضات عروق كل مناضل. لا تدعوا البطاقة تنام في محفظتكم فحسب، وإنما احفظوها في وجدانكم لأنّها مجلّدات من اسماء ابطالٍ معروفين ومجهولين حُفرت الأرزة التي تُكلل هذه البطاقة على صدورهم بين جلدهم والعظم، منذ مئات السنين. من هذه الروحية بالذات تتسلّمون بطاقاتكم، فالمسؤولية كبيرة على عاتقكم لأنكم لا تتسلّمون مجرّد بطاقة انتسابٍ الى مجرّد حزبٍ سياسي، وإنما تتسلمون بطاقة مرور الى عهدٍ جديد وآفاقٍ جديدة، بطاقة مرور الى التاريخ والمستقبل.”
وأكّد جعجع “ان الانتساب للقوات ليس نزهةً. “مش هيّنة تكون قوات”، لأن القوات بحدّ ذاتها مش هيّنة. إنّ القوات هي مسيرةٌ وعرة شاقة قاسية تتجّه نحو قمم الكرامة والسيادة والحرية والعنفوان والالتزام والعطاء: من يتعب او ييأس او يُحبط قبل بلوغ القمة، سيعود ادراجه نحو الأسفل، وعندها قد يرتاح من وعورة هذه الدرب، ولكنه لن يحصل على امتياز ان يكون قوات، تذكروا انكم اليوم تجتازون معمودية اخلاقٍ وقيم وشرفٍ والتزام، وفي انتظاركم كل يوم معموديات وتحديات قادمة، فاستعدوا.”
وأشار الى “انّ القوات اللبنانية خلية نحل تعمل بتصميمٍ ونشاط وارادةٍ لا تلين، تسير باتجاهٍ واضح لتحقيق غايةٍ نبيلة، ان وجودكم في اي مكان حزبي، ومن ادنى القاعدة الى اعلى الهرم، يتكامل مع وجود رفيقٍ آخر يمارس مهامه في مكانٍ آخر، فالتركيبة الهرمية للحزب تُعطي لكل فردٍ بحد ذاته قيمةً مهما كان الموقع الذي يناضل منه. ان فعالية العنصر الأصغر في الحزب تُضاهي فعالية كل عنصر آخر؛ وعمل كل واحدٍ فيه يُتمم ويتكامل مع عمل الآخر؛ ووجود كل فردٍ فيه هو ضروري وحيوي لوجود الفرد الآخر. ان شعور كل فردٍ منكم بالمسؤولية التاريخية في اي موقعٍ يشغله وتجاه اي تفصيل يواجهه، يجب ان يُضاهي شعور رئيس الحزب بمسؤولياته الجسام في التصدّي للقضايا الكبرى. مسؤولية واحدة، قضية واحدة، في كل مكان وموقع ومهمّة.”
وشدد جعجع على “ان القوات تدخل للمرة الأولى الى الحكومة بفاعلية. هدفنا من دخولها اليوم هو ترجمة أكبر قدر ممكن من قناعاتنا السياسية، وفي طليعتها في الوقت الحاضر محاربة منظومة فسادٍ استشرت في لبنان منذ أزمان، وباتت تهدد وجود الدولة برمّتها، ان كل من يراهن على انزلاق القوات شيئاً فشيئاً الى مستنقع شبكة المصالح والفساد يأساً من الواقع المُزري، او إخفاقاً في مكافحة هذا الواقع، او مسايرةً لهذا الطرف، او تستراً عن ذاك، ان كل من يراهن على ذلك هو مخطىء… وخاطىء أيضاً! فقائدنا اسمه البشير اثار الذعر في قلوب الفاسدين في عشرين يوماً ويوم، ووزراؤنا ونوابنا يُضرب بهم المثل في الكفاءة ونظافة الكف ومكافحة الفساد، وهم قدوة ونخبة وصمام امان لمجتمعنا. إنّ صلابة القوات في حربها ضد الفساد اليوم تضاهي صلابتها في كل المواجهات السياسية الوطنية السابقة. ان السلطة لن تعقد لنا لساناً، وانما ستفتح لنا أعيناً ومجالات لمحاربة الفساد القاتل، ولا ينسى أحد أنّ القوات ولدت من رحم الثورة والتمرّد وقول الحقيقة مهما كانت صعبة ومكلفة، إنّ كلّ معركة حقٍ ننخرط فيها، وكل مواجهةٍ شريفة نخوض غمارها، تشحن في فضاء هذا الوطن طاقةً ايجابية تلتحم بطاقات الكثيرين من أصحاب النوايا الحسنة، ولو غير الظاهرة، فنشكّل معاً قوةً كبيرة قادرة على مواجهة كل المشاكل.”
وأردف:”هذه هي القوات، خميرةٌ مؤتمنة على مصير ومستقبل شعبٍ بأكمله وُجد على هذه الأرض واستمر في اقسى الظروف منذ مئات السنين وسيستمرّ. من هذا المنطلق، لن نقبل بأن يُدفع شعبنا الى اليأس والإحباط. لن نقبل بتعميم مناخات السلبية والعدمية والرفضية العمياء كل يوم وعلى كل شيء. سنشكّل دائماً الشمعة التي تكسر حدّة الظلمة. سنشكّل دائماً فسحة الأمل التي تجعل المواطن يتمسّك بأرضه، وسنجاهد بعملنا اليومي الدؤوب لتوسيع فسحة الأمل هذه وتحويلها الى الواقع المرتجى والحلم المنشود.”
وختم جعجع:”صحيح انكم تنتمون الى مناطق ومصالح مختلفة، لكن هويتكم واحدة وحيدة مُحددّة: قوات لبنانية.صحيحٌ انكم تأتون من مشارب جغرافية وطائفية متعددة، لكن القوات تبقى منبعكم الواحد الذي تتشرّبون منه الإيمان بالقضية والوفاء للشهداء. صحيحٌ انكم ابناء عائلاتٍ تنتشر على امتداد رقعة لبنان، لكن جذور عائلة القوات التي تنتمون اليوم اليها ضاربة عميقاً في التاريخ والجغرافيا. صحيحٌ انكم اليوم اصبحتم محازبين، لكنكم كنتم وتبقون دائماً وقبل كلّ شيء مناضلين .صحيحٌ ان البطاقة لا تصنع مقاوماً، لكن المقاومة مع بطاقة تصنع حزباً منظّماً، لبنان بأمسّ الحاجة اليه للحفاظ عليه كما للتطور والتقدم. صحيحٌ ان حزب القوات الذي تنتسبون اليه اليوم عمره من عمر البنفسج فوق الصخور، لكن القضية التي تعتنقونها عمرها من عمر هذه الصخور، ان بطاقة الانتساب للقوات هي بطاقة ائتمان على حلم البشير والأباء والأجداد، فلا تفرّطوا بالأمانة. ان بطاقة الانتساب هي مفخرةٌ لكم، والتحدّي الأكبر الذي تواجهون هو في أن تجعلوها مفخرةً للأجيال القادمة وللبنان.”