Site icon IMLebanon

قدسية رسالة المسيحيين (بقلم بسّام أبو زيد)

 

كتب بسّام أبو زيد:

على مساحة لبنان تنتشر المؤسسات التربوية المسيحية المدرسية والجامعية، ويستفيد منها عموم الشعب اللبناني من مسيحيين ومسلمين في تلقي العلم والمعرفة، ولاسيما في الجامعات حيث الاختصاصات متعددة وتزداد.

تشكل هذه المؤسسات المسيحية علامة فارقة في هذا الوطن المتعدد الطوائف، فهي لها الدور الأول في تثقيف وتعليم أبنائه، وفي الإضاءة على الحضارة الغربية وعلى وصل لبنان واللبنانيين بهذه الحضارة.

هذه المؤسسات التربوية والجهات التي تدعمها وتقف وراءها مدعوة اليوم وأكثر من أي وقت مضى إلى أن تلعب دورها وأكثر بفعالية أكبر على الصعيد الوطني بحيث تكون أداة أساسية في الحفاظ على الوجود المسيحي وتقويته، وأن تكون وسيلة للمساعدة في مواجهة التطرف وإبعاد الشريحة الإسلامية عنه.

في الحفاظ على الوجود المسيحي، لا بد للمؤسسات التربوية المسيحية والإدارات الكنسية والرهبانية التي تتبع لها أن تأخذ بعين الاعتبار في شكل جدي، الحالة الاقتصادية والمعيشية التي وصل إليها اللبنانيون ومن ضمنهم الشريحة المسيحية، فتضع بالتكافل والتضامن خططا سنوية من أجل تقديم تعليم مجاني لمجموعة كبيرة من الطلاب المسيحيين في المدارس والجامعات. ولاسيما أولئك الذين لا يملكون القدرات المالية ومن بينهم العديد من النوابغ والمبدعين.

إن عملية كهذه تشجع المسيحيين على الإقبال على التعلم وربما على الإنجاب أكثر في حال كانت هذه الخطط تنص على تعليم الولد الثالث مجانا في المدارس والجامعات، كما أنها تشعر المسيحيين أنهم بالفعل ليسوا متروكين في مهب عاصفة هذا الشرق، إذ إن الكلام عن دعوتهم للصمود في بلدانهم أصبح يحتاج إلى خطوات عملية فعالة وليس لشعارات ترفع من هنا وهناك.

قد يقول البعض إن المؤسسات التربوية المسيحية لا تملك القدرة المالية لتنفيذ هكذا مخطط، إلا أن واقع الحال يشير إلى توافر القدرات لدى الكثير منها ولدى الكنائس والرهبانيات التي تتبع لها، والدليل على ذلك استمرارها بالعمل وتوسعها وتطورها، وليس معيبا إن تعاونت هذه المؤسسات في ما بينها والكنائس والرهبانيات طالما أن الهدف واحد وهو الحفاظ على الوجود المسيحي. ولا يمكن أن ننسى في هذا الإطار أيضا ما يمكن للمتمولين المسيحيين اللبنانيين في لبنان والخارج أن يقدموه من مساعدات لهذه المؤسسات، لاسيما إذا لاحظوا أن بالفعل ثمة خططا مدروسة ومنسقة لمساعدة والحفاظ على المجتمع المسيحي.

بما أن هذه المؤسسات التربوية المسيحية تحتضن عددا لا بأس به من الطلاب المسلمين، فلا بد من العمل في شكل تصاعدي فيها على التأثير في هؤلاء الطلاب أو على مجموعات منهم تعيش في بيئات ومناطق يغلب عليها طابع التطرف والتزمت والولاء لغير الوطن من خلال عقائد دينية أو مذهبية.

إن هذه المؤسسات يقع على عاتقها أن تنمي لدى هؤلاء الشعور الوطني المتمثل أولا بأهمية الانتماء إلى الوطن والدولة ككيان وحيد يحفظ أمنهم ووجودهم، وان كل الكيانات الأخرى هدفها استخدامهم في مشاريع سيدفعون حياتهم ومستقبلهم ثمنها ولن تحقق لهم حياة الرفاهية والتقدم. كما أن هذه المؤسسات التربوية المسيحية يجب أن تلعب دورا أساسيا في عملية ترسيخ ثقافة قبول الطرف الآخر والاحترام المتبادل للأديان وتعاليمها الحقيقة، والتشديد في هذا الإطار على أهمية الاعتدال كوسيلة وحيدة لإبعاد التطرف المدمر للأوطان والثقافات، ولا يمكن لهذه العملية أن تحصل إلا من خلال برامج في هذه المؤسسات تظهر الصورة الجميلة للإعتدال والصورة البشعة للتطرف، مع إلزامية أن ينقل الطالب المسلم الصورة الجميلة إلى مجتمعه بدء من عائلته الصغيرة وصولا إلى كل المجتمع المحيط به.

رسالة المسيحيين في هذا البلد ليست محصورة بحزب من هنا وتيار من هناك، إنها رسالة تاريخية مستمرة وعلى مستوى الشرق أيضا، ولا يمكن لهذه الرسالة أن تموت أو أن تتراجع لأنها ليست ملكا لأحد، بل هي نتاج تضحيات بالدم والشهداء وواجبنا يقضي بأن نحفظ قدسية استشهادهم في سبيل هذا الوطن.