كتب جورج شاهين في صحيفة “الجمهورية”:
المستغرَب أن يترافق أيُّ لقاء سياسي أو زيارة يقوم بها أحد الوزراء لمرجعيّة سياسية تخالف مرجعيّته وحديث وتنبّؤ عن التحالفات الإنتخابية النيابية المقبلة. فليس في الأفق ما يوحي أنّ الحديث عنها جدّي ما خلا المعروف منها منذ تفتيت التحالفات التي بُنيت على قاعدة مجموعتي 8 و14 آذار. فلماذا الإستعجال في الحديث عنها؟ وهل من الحكمة بناؤها من اليوم؟!يعتقد خبراء رافقوا ولادة تقسيمات للدوائر الإنتخابية التي اعتمدها قانون الإنتخاب الجديد أنّ قراءة نتائجها تحتاج الى مزيد من الجهد لما حفلت به من معايير مختلفة ابتدعها صانعوه.
ومردّ ذلك الى الفروق التي ميّزت بين الدوائر في مواصفاتها الجيوـ انتخابية والجيوـ سياسية والسوسيو ـ طائفية. ولذلك لن يكون طبيعياً ولا منطقياً أن تحافظ القوى السياسية على تحالفاتها الحديثة والقديمة التي أنهت الشغور الرئاسي في 31 تشرين الأول الماضي أولاً، ثم رافقت تشكيل حكومة «استعادة الثقة» منتصف كانون الأول الماضي والملفات الخلافية التي فرّقت بين الحلفاء وحلفاء الحلفاء في بعضها وجمعت بين الخصوم في بعض آخر.
وينصح الخبراءُ بالتريّث في الحديث عن التحالفات التي ستتحكّم بالإنتخابات النيابية المقبلة في انتظار بعض المحطات الدستورية والإدارية والتقنية الأساسية التي تشكل محطاتٍ إجبارية لا بدّ من عبورها قبل التقرير في شكلها ومضمونها في ضوء ما يحدّده القانون من إجراءاتٍ تنفيذية تؤدّي الغرضَ منها.
وقبل الحديث عن الإجراءات التقنية والإدارية التي ستحسم إمكان المضي بما قال به القانون ولا سيما على مستوى البطاقة الممغنطة أم لا، في ظلّ مهلة الشهر التي طلبها وزير الداخلية نهاد المشنوق من رئيس الجمهورية يوم الخميس الماضي للبتّ بها، عدا عن قضايا أخرى مختلفة يجدر التوقّف عندها لمعرفة ما ستقود اليه الدراسات والإحصاءات التي بدأت بها مراكز الدراسات والماكينات الإنتخابية الحزبية وفق المعادلات الجديدة التي فرضها النظام الجديد ومعه التقسيمات الإنتخابية ليبني الأفرقاء مواقفهم على أساسها.
وفي المعلومات المتداوَلة «حديث ودّي» بين بعض الحلفاء يقود الى طريقة توزيع الصوت التفضيلي في الدوائر الإنتخابية الكبرى التي تمّ تقسيمُها وفق معادلات جديدة تجري مقاربتها للمرة الأولى.
وهي معادلات أنهت مفاعيل كثير من الإحصاءات السابقة التي بُنيت تارةً على نتائج انتخابات 2009 وتلك البلدية والإختيارية والفرعية في 2013 و2016 وسط اعتراف الجميع بأنّ القانون الجديد وضعها كلها في سلال المهملات على أكثر من مستوى حسابي وسياسي وتقني قبل كل شيء.
والى ذلك يقول الخبراء إنّ التقدير من الآن بما ستكون عليه نسبة المشاركة الإنتخابية يحتاج الى كثير من البحث والتدقيق. فبعض الإحصاءات الأوّلية التي أُجريت وفق القانون الجديد أظهرت احتمالَ ارتفاع عدد الناخبين بما لا يقل عن 750 الفاً استبشروا خيراً باعتماد النسبية التي تعطي اصواتهم أهمية لم تكن محسوبة يوماً وفق النظام الأكثري مع أنّ اعتمادَ الصوت التفضيلي في القضاء لا الدائرة أنهى كثيراً من مفاعيلها المقدّرة.
وعلى رغم ذلك فإنّ مقاربة هذه الأرقام لا يمكنها تجاهل ما قد يؤدّي اليه نقلُ الناخبين المغتربين من الخارج وكلفته المالية إذا كانت متوافرة كما في السابق أم لا.
وهي أرقام لا يمكن التقليل من اهميتها بعدما قدِّرت في انتخابات العام 2009 بما يقارب 147 الف ناخب جمعوا من مختلف اقاصي الأرض ودول الخليج العربي مع فارق التوقيت بين الإنتخابات السابقة التي جرت في عطلة الصيف، وما هو مقرَّر مبدئياً في 6 أيار المقبل وهو ما يعوق انتقال ثلث الناخبين المغتربين على الأقل الى لبنان لتزامنها والموسم الدراسي وفترات العمل المنتج.
والى كل هذه المعطيات يجدر التوقف عند ما ستفرضه الآلية المعتمدة في القانون الجديد لدى التفريق بين الحاصل الإنتخابي الإجمالي على اساس الدائرة وتقاسم المقاعد بين اللوائح المتنافسة قبل الوصول الى مرحلة احتساب الحاصل الإنتخابي الفرعي وفق الأصوات التفضيلية بما سيرافق كل ذلك من سباق مشروع بين أعضاء اللائحة الواحدة قبل الحديث عن المواجهة مع اللوائح الأخرى.
فكيف إذا ارتبط الأمر بطريقة توزيع المقاعد على لوائح تجمع أكثر من مقعد مذهبي وطائفي في آن وهو ما يزيد من نسبة الغموض في توقع النتائج النهائية بما يمكن أن تحمله من مفاجآت زاد منها السماح بخوض الإنتخابات بلوائح غير مكتملة قد تشكل منفذاً للساعين الى ساحة النجمة اكثر بكثير من اللوائح المكتملة في النظر الى تراجع النزاع الداخلي بين أعضائها عند احتساب الحاصل الإنتخابي في المرحلة الأولى والصوت التفضيلي في الثانية منها.
على كل حال وأمام هذه السيناريوهات المعقّدة ثمّة ما سيفتح الباب واسعاً أمام مزيد من الشكوك بين أبناء اللائحة الواحدة عندما سيكون المال الإنتخابي فاصلاً في الوصول الى الأصوات التفضيلية وسط حديثٍ متنامٍ عن احتمال العودة اليه في بعض الدوائر من خلال مشاركة بعض أصحاب المليارات فيها وهو أمر لا يمكن التكهّن بحجمه من الآن.
وفي ضوء خفايا الإنتخابات المقبلة وما يمكن أن تشهده في ظلّ الصيَغ المعقّدة تزداد أهمية النصح بالتريّث في بناء التحالفات الآن إفساحاً في المجال أمام كثير من المفاجآت التي يسمّيها بعض الخبراء «الغموض البنّاء» وهو ما بدأ يدركه البعض في التفريق بين مَن قاد الى القانون الجديد ومَن إنقاد اليه مرغماَ كان أم راضياً مرضياً وهو ما يزيد من حجم المفاجآت؟!