كتبت رولا حداد
بالمفهوم العسكري يمكن التأكيد بأن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” سقط نهائياً في العراق، وهو يتهاوى في سوريا. في الأساس ثمة أسئلة لم تلقَ أجوبة شافية حتى اليوم عن كيفية نشوء هذا التنظيم، وكيفية احتلاله للموصل في العراق من دون أي مقاومة، وكيف ترك له الجيش العراق ترسانته العسكرية قبل انسحابه من دون قتال، تماماً كما الأسئلة حول خروج قادته من السجون السورية، وتناغمه مصالحه عسكرياً مع مصالح النظام السوري.
ومع سقوط “داعش” يتأكد للجميع أن المستفيد الأكبر من هذا التنظيم كان النظام السوري الذي تمكن من الصمود والبقاء بفعل تخيير المجتمع الدولي بين سيطرة “داعش” وبين بقاء النظام، في ظل فشل المعارضات السورية من التوحد وتقديم البديل عن نظام الأسد.
دعكم من الأحكام حول ما جرى، والتي ستتكشّف حكماً تفاصيل وخبايا كثيرة حولها مع مرور الوقت ليحكم التاريخ ويقرر من كان “أبا داعش”. المهم اليوم هو السؤال عمّا بعد سقوط “داعش”، وأي صورة في العراق وسوريا، وهل انتهى التطرف والإرهاب “ذو الوجه السني” بانتهاء “داعش”؟
للتذكير فقط فإن أول من واجه “داعش” في العراق كانت العشائر السنية في محافظة الأنبار وغيرها، قبل أن تحصد نتائج كارثية لممارسات جيش نوري المالكي، ما تسبّب بردات فعل سنية كارثية أوجدت تعاطفاً مع أي تطرف سني لمواجهة الممارسات الشيعية المدعومة من إيران. وبالتالي يُخطئ من يظن أنه بسقوط “داعش” كجسم منظم اليوم إنما ينهي حالة التطرف السني، والتي كان من مسبباتها الأساس في العمق الممارسات الشيعية المحسوبة على إيران في العراق، وممارسات النظام السوري ضد الشعب السوري الأعزل مع انطلاق الثورة السورية السلمية في آذار 2011 للمطالبة بالحرية والكرامة.
إن الرهان على القضاء على التطرف السني في موازاة الإبقاء على الممارسات الإيرانية عبر الحرس الثوري والحشد الشعبي والنجباء الفاطميين و”حزب الله” وغيرها من الميليشيات الإيرانية في المنطقة، إنما سيعني حكماً ولادة “داعش” جديد ولو بتسميات مختلفة. فالتطرّف يولّد التطرّف المقابل أيا تكن الظروف، لا بل إن قمع تطرّف في مواجهة تشجيع تطرّف آخر يولّد إرادة بالانتقام تكون نتائجها كارثية بكل معنى الكلمة.
إن استمرار تغلغل النفوذ الإيراني في الدول العربية من خلال أذرع طهران المتمثلة بالميليشيات التابعة للحرس الثوري، يعني حكماً أنه سيكون من المستحيل القضاء على التطرّف السني الذي نشأ في الأعوام الأخيرة كردّ فعل على الممارسات الإيرانية. وبالتالي يُخطئ من يعتقد أن الإجهاز على “داعش” كتنظيم سينهي الحالة الداعشية في البيئة السنية في ظل استمرار نمو “الدواعش” التابعين لإيران في المنطقة العربية، وفي ظل محاولات الإبقاء على بشار الأسد على رأس النظام السوري بعد كل ما ارتكبه بحق شعبه من مجازر وعمليات إبادة جماعية.
إن على المجتمع الدولي مسؤولية أن يبادر إلى معالجة جذرية لمشكلة التطرّف بالتوازي بين البيئتين السنية والشيعة، وإعادة إيران إلى داخل حدودها وإلزامها بوقف منطق “تصدير الثورة”، وإلا فإن المنطقة ستبقى تعيش مراحل انتقالية بين تطرّف وآخر وإرهاب وآخر في انتظار الانفجار الكبير!