Site icon IMLebanon

قراءة جديدة لـ”إتفاق معراب”

 

كتب جوني منير في صحيفة “الجمهورية”: كلام كثير وصراع قاسٍ وضرب تحت الزنار، تضجّ بها الكواليس السياسية، وتنعكس في العلن من خلال تبادل الرسائل المشفّرة خصوصاً بين القوى السياسية المسيحية.

ما إن أُعلن عن القانون الانتخابي الجديد حتى باشرت القوى السياسية خصوصاً المسيحية منها رسم سياستها المبنيّة على مصالحها الذاتية فقط بعدما منحها القانون الجديد هامشاً واسعاً من خلال اعتماد التصويت النسبي، وبالتالي تضاؤل حاجتها الى القوى الأخرى لتأمين حصتها النيابية وأبرز الامثلة في هذا المجال ما حُكي كثيراً حول الثنائية المسيحية «التيار والقوات» بعد مصالحة معراب. وجاءت تجربة الانتخابات البلدية والعنوان الذي خيضت وفقه المعارك، أولى نتائج التحالف العوني – القواتي ولو أنّ المحصّلة لم تكن بمستوى الآمال التي عُقدت.

ويمكن القول إنّ ولادة القانون الانتخابي الجديد تسمح بإجهاض قسم من اتفاق معراب والمتعلّق بالتحالف الأعمى على كل المستويات. وما بقي منه ربما هو عدم العودة الى التقاتل والتشنّج والتصادم، أما الباقي فهو سيخضع لمعايير المصلحة السياسية البحتة.

وقد تكون جلسة الكهرباء باكورة التفسير الجديد لاتفاق معراب. ورغم الفترة الفاصلة بين طرح ملف البواخر منذ مدة والجلسة الكهربائية التي أدّت الى إحالته الى إدارة المناقصات والتي تخلّلتها هدنة الاتفاق على قانون انتخابي جديد، فإنّ معارضة «القوات» زادت وبدت أكثر شراسة.

وخلال زيارة الرئيس سعد الحريري الى معراب والتي عُرفت بزيارة السحور، حاول رئيس الحكومة التوسّط موحياً للدكتور سمير جعجع بأنّ الملف ليس عنده ولكن «زيحوا» قليلاً، لكنّ جعجع الذي أظهر انزعاجَه، أبدى تصميمه على الاندفاع في موقفه حتى النهاية.

على خطٍّ موازٍ نقل الوسطاء الى جعجع من الوزير جبران باسيل بأنّ ما تريده «القوات» قد حصل وتمّت إحالة الملف الى دائرة المناقصات، و«خلصنا».

لكنّ الجواب كان بأنّ ما حصل غيرُ كاف. فالإحالة حصلت على أساس أن تبت دائرة المناقصات بالعروض المالية فيما المطلوب دراسة الملف بشكل كامل، ما يعني أنّ «القوات» ذاهبة في اتّجاه خيار من اثنين: اما أن تبتّ إدارة المناقصات بمضمون الملف وبنوده كاملة، أو أن يستعيد مجلس الوزراء الملف ليتحمّل مسؤولياته ويُعاد تأسيس الملف من البداية.

بعدها انفجرت مشكلة مستشفى البوار الحكومي، وهو ما فسّرته معراب بأنه ردٌّ على ملف الكهرباء. معركة مستشفى البوار جاءت تحت عنوان «الوزير غسان حاصباني يغطي إدارة المستشفى الفاسدة» وجاء الجواب على أساس: «أحيلوا الملف الى هيئة التفتيش ونحن نلتزم قراراتها».

هذه المعارك الحاصلة ما كانت لتحصل لولا وجود خلفيات سياسية فعلية. وهو ما سيؤدي الى معارك إضافية ولا سيما في ملف التعيينات في وظائف الدولة، والذي جرى التحضير له في الكواليس. وهذه التعيينات المهمة على أبواب الانتخابات، يريد جعجع خوضَ معركة في كل ملف.

وحاول بعض الوسطاء استنساخَ التجربة الشيعية حيث سلّم «حزب الله» لحركة «امل» بملفات الدولة في مقابل التسليم لـ»حزب الله» بالسياسة العامة والعناوين العريضة، وكان الجواب أنّ المقاربة لا تصلح هنا.

وفي إشارة اضافية للحسابات السياسية المتضارِبة، تردّد جعجع كثيراً قبل الصعود الى قصر بعبدا والمشارَكة في طاولة الحوار. ربما كان يحسب أنّ الهدف الفعلي من الطاولة غامض في ظلّ عدم وجود جدول اعمال واضح وأنّ الهدف قد يكون لانتزاع انتصارٍ سياسيّ بعد كل ما أحاط ولادة قانون انتخابات جديد. لذلك أحجم جعجع بدايةً عن المشاركة قبل أن يعدل عن قراره لإجهاض أيّ انتصار سياسي يسعى اليه باسيل.

خلال الجلسة، طرح باسيل بندَ الاتفاق على مجلس الشيوخ. تدخّل الرئيس نبيه بري فوراً وطلب سحبه من المحضر. حاول باسيل التمسّك بطلبه من خلال الاستمرار في طرحه، فقاطعه برّي مصرّاً على سحبه من المحضر، وهو ما حسمه رئيس الجمهورية بوضع هذا الملف جانباً.

وجاء دور البند المتعلق بإلغاء الطائفية السياسية، وهنا برزت معارضة جعجع لطرحه. فترك باسيل كرسيه وانتقل الى جانب جعجع وهمَس في أذنه قائلاً: لدينا مصلحة للسير في هذا البند.

لكنّ جعجع استمرّ في رفضه معلّلاً موقفه بأنّ هناك اتفاقية كاملة، إما تحصل كلها أو لا تحصل، فمجلس الشيوخ ومجلس النواب خارج القيد الطائفي، وبالتالي إلغاء الطائفية السياسية هو اتفاق كامل ولا تجوز تجزئته، لكنّ باسيل أصرّ من جديد وبقي جعجع على موقفه.

ربّما اشتمّ باسيل تناغماً أو تنسيقاً ولو من بعيد بين برّي وجعجع، وهو ما سبق وظهر في جلسات مجلس الوزراء. المهم أنّ باسيل كان يريد انتصاراً لكنّ برّي جعجع أجهضاه كلّ من موقعه.

تقارب جعجع مع الشيعة عبر بوابة بري له أسبابه الآنية وأهدافه البعيدة. كان واضحاً اعتماد «القوات» سياسة التبريد مع الثنائي الشيعي. وحتى حين تحدث السيد حسن نصرالله عن استقدام عشرات الألوف من المقاتلين الى لبنان وهو كلام جديد وكبير، فإنّ ردّ «القوات» جاء هادئاً وبعد مرور ايام، ولو بقي كلام نصرالله متمحوراً حول الصواريخ والخطاب المعهود، لكان جعجع في خارج دائرة التعليقات.

فهو بدا مسروراً بالتقاطع الحاصل بينه وبين برّي و»حزب الله» في ملف الكهرباء، لكنّ الرسالة الابرز جاءت بعد زيارة الوزير حاصباني الى دارة النائب سليمان فرنجية. هذه الزيارة كان في غنى عنها وزير الصحة لولا وجود إرادة بتوجيه رسالة سياسية الى باسيل.

فالتناغم والتواصل القائمان بين وزير «المردة» يوسف فنيانوس ووزراء «القوات» يستند الى خلفية سياسية واضحة، والأهمّ أنّ خطّ التواصل بين بنشعي ومعراب عاد ليعمل بنشاط من خلال يوسف سعادة وانطوان الشدياق، وعنوان هذه الحركة يقوم على أساس إعادة وصل العلاقة وتطويرها وترك الاحتمالات كلها مفتوحة.

ووفق هذا العنوان، حصلت زيارة حاصباني الى بنشعي، ولتحمل إشارة شمالية مبطّنة لباسيل: «إنتبه وهذا إنذار في الدائرة الانتخابية الأصعب».

وفي الرسالة الشمالية أيضاً يقول جعجع: «لسنا مضطرّين لمقاطعة فرنجية كثمن لمسايرة باسيل خصوصاً أنّ فرنجية حدوده زغرتا، فيما «التيار الوطني الحر» منافس على مستوى الخريطة كاملة»، وهو ما يعني ربما أنّ حسابات «القوات» الرئاسية شيء والنيابية شيء آخر.

فـ«القوات» التي تسعى لكتلة نيابية تتراوح بين 12 نائباً كحدّ أدنى و16 كحدّ أقصى باشرت تواصلها مع العديد من الشخصيات المناطقية للتعاون معها بشرط أن تصبح في كتلة «القوات» النيابية، وأن تلتزم بكامل قرارات «القوات» أيّاً تكن. وفي المقابل عين «القوات» على حصة «التيار» النيابية والتي قد تتراوح بين 18 نائباً كحدّ أدنى و22 نائباً كحدّ أقصى.

أما تيار «المردة» فهو يسعى لتبديد الانطباع بأنّ حدوده هي حدود قضاء زغرتا، مع ترشيحات ستطاول كامل الشمال وأقضية في جبل لبنان المسيحي، مع طموح لتصبح الكتلة النيابية ما بين 5 الى 6 نواب اضافة الى نواب حلفاء وأصدقاء.

أما تيار «المستقبل» والذي يعاني في الأساس من جروح وندوب وتراجع حاد في شعبيته والمتحالف انتخابياً مع «التيار الوطني الحر»، فهو يجهد للمحافظة على علاقة بالحدّ الأدنى او ربما شكلية مع خصوم «للتيار الوطني الحر»، ولكن ليس أبداً علاقة فعلية بالمضمون.