كتبت هيام القصيفي في صحيفة “الأخبار”:
من الطبيعي ألا تمر فكرة الحوار بين لبنان وسوريا حول قضية النازحين السوريين مروراً طيباً في الأوساط السياسية، وهي التي تعيش أصلاً اختلافات جوهرية لم تمحها حكومة الشراكة والوحدة الوطنية. فالجلوس إلى طاولة مجلس الوزراء أو طاولات الحوار المتعددة، لا يعني أن المواقف من سوريا، ومن الرئيس السوري بشار الأسد والعلاقة معه ومن وجود حزب الله في سوريا، أصبحت واحدة، لا بل إن هذه القضية تكاد تكون الوحيدة التي لا تزال تفرز القوى السياسية بين 8 و14 آذار. وإذا كانت سياسة النعامة سمة حكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري، إذ يدفن الجميع رؤوسهم في الرمال، فيتظاهرون بأنهم لا يرون ولا يسمعون، جاءت عملية عرسال والتفجيرات الانتحارية التي استهدفت الجيش اللبناني، لتؤكد عبثية الاستمرار في السياسة المعتمدة حتى الآن في مقاربة ملف النازحين السوريين، ما سيضطر الحكومة الى وضعه بجدية على طاولة البحث.
قد يكون ضرورياً إعادة التذكير بأمرين: أولاً، أن التيار الوطني الحر ومن ثم الجيش اللبناني كانا أول من طرح ضرورة مقاربة ملف النازحين بجدية حين كان عدد النازحين لا يتجاوز بعد العشرات أو المئات في أقصى حد، عند بداية عمليات النزوح. لكن كل المناشدات حينها بقيت من دون جواب، ما خلا اتهام التيار الوطني بالعنصرية لدعوته الى عدم السماح بتمدد النازحين السوريين وحصر وجودهم في مناطق حدودية وإقامة مخيمات لهم فيها. لكن السلطة السياسية حينها وضغط قوى 14 آذار وهيئات المجتمع المدني التي تتعاطف مع قضية النازحين تحت شعار التضامن الإنساني، أديا الى هذا التمدد الكثيف على كامل مساحة لبنان. وهنا لا يمكن الكلام فقط عن سياسة المؤسسات الرسمية أو الدولية الإنسانية التي سهلت الكثير من متطلبات النازحين.
لأن هناك بلدات بكاملها سهلت إقامتهم وتأجير منازل لهم وإيواءهم بحجج مختلفة، غالباً ما كان طابعها تجارياً وعمالياً، وكذلك سهلت بلديات بالجملة أمورهم وغضت النظر عن كثافة وجودهم في بلداتهم، قبل أن تبدأ الشكاوى من أضرار هذا الوجود.
اليوم، لا يمكن أن تتحول قضية النازحين إلى موسمية، لا تفتح إلا تحت الضغط إما بسبب مؤتمر دولي للمطالبة بتأمين أموال لدعم لبنان، كما حصل في مؤتمر بروكسيل في نيسان الفائت، أو بسبب تفجيرات انتحارية أدت الى إصابات بليغة لعدد من الجنود اللبنانيين. لأن ما يحصل يتعدى الجانب الإنساني الذي تتذرع به المنظمات الإنسانية الدولية وأخواتها في لبنان. هناك جانب يتعلق بالناحية الأمنية، وبالوجود السوري في حد ذاته في لبنان ومستقبله. ولأن هذه العوامل أصبحت ضاغطة، بدأت القوى السياسية تحاول التعامل معها، كل من زاويتها، على قاعدة الاختلاف حول العلاقة مع النظام السوري، في انتظار تبيان موقف رئاسة الجمهورية منه.
يحدد المدافعون عن ضرورة التنسيق مع النظام السوري في شأن عودة النازحين حصراً، أن لبنان لم يقطع علاقته مع سوريا، والسفارة السورية لا تزال تعمل في لبنان، وأن الأجهزة الأمنية اللبنانية تنسق مع الأجهزة السورية في قضايا محددة. وأن سيطرة الجيش السوري على جزء كبير من الحدود السورية ــ اللبنانية ساهمت في ضبط المعابر التي كان يتسلل منها المسلحون الى لبنان. وحجة مؤيدي التنسيق أن لبنان سبق له أن نسق مع سوريا منذ عام 2005 في ملفات عدة، وما يجري في سوريا من حروب داخلية لا علاقة للبنان الرسمي بها. فما دام النظام السوري قائماً، يجب التنسيق معه لأن الأولوية هي تخفيف الأعباء عن لبنان، من خلال حل أزمة النازحين وليس التدخل في ما يجري في سوريا.
أما الرافضون كلياً لأي علاقة مع سوريا، فينطلقون من واقع أساسي هو العداء الكامل لنظام الأسد، ورفض أي اتصال معه: القوات اللبنانية نتيجة العداء المزمن للنظام السوري والذي كلف القوات اللبنانية الكثير زمن الحرب والسلم معاً، والمستقبل الذي تأرجحت علاقته مع النظام السوري بعد عام 2005 من العداء الكامل، الى تطبيع العلاقة زمن الـ«سين ـــ سين» وزيارة الحريري الى دمشق، ومن ثم القطيعة الكاملة بعد الحرب السورية، وصولاً الى دعم فكرة استقبال النازحين السوريين بالكامل.
وعشية جلسة مجلس الوزراء، التي يفترض أن تبحث هذا الموضوع من خارج جدول الأعمال، يبرز التمايز بين موقفي الطرفين، وإن كان سقفه رفض التحاور مع سوريا. فالمستقبل يريد إبعاد كأس اتخاذ لبنان قرار إعادة النازحين عن الحكومة وإلقاء الملف على عاتق الأمم المتحدة. إلا أن القوات اللبنانية بحسب مصدر مسؤول فيها تريد حصر الملف بيد الحكومة اللبنانية وحدها. ويقول المصدر لـ«الأخبار» إن رئيس الحزب الدكتور سمير جعجع في صدد تحضير تصور متكامل سيقدمه وزراء القوات الى الحكومة لمعالجة قضية النازحين وإعادتهم الى بلادهم. تنطلق مقاربة جعجع من «أن القوات سترفض بالمطلق أي اقتراح لحوار لبناني مع سوريا، فهذا خط أحمر، لأن لبنان يجب ألا يعطي شرعية لنظام الأسد الفاقد شرعيته، من خلال التواصل معه». وتؤكد القوات بحسب مصدرها أن «قرار عودة النازحين يجب أن تأخذه الحكومة اللبنانية حصراً فتتحمل مسؤولية معالجة هذه القضية السيادية بأدوات لبنانية، ومن ثم تتعاون مع الأمم المتحدة لتطبيق قرارها، إما بتأمين عودة النازحين الى المناطق الآمنة الموجودة حالياً وإما بإقامة مناطق آمنة في سوريا تعيدهم إليها، في انتظار تأمين عودتهم الى بلداتهم داخل سوريا». ترفض القوات إذاً إلقاء القضية على عاتق الأمم المتحدة، كما ترفض أي حوار مباشر مع سوريا وإحياء المجلس الأعلى اللبناني السوري للقيام بهذه المهمة «لأن المجلس انتهى عام 2005 كونه يمثل حقبة الوصاية السورية». أما عن احتمال تفجير هذا الخلاف داخل مجلس الوزراء، فيشير المصدر الى أن «القوات أبلغت جميع المعنيين موقفها وأن المواضيع الخلافية يجب أن توضع جانباً، وهذا الملف خلافي بامتياز».