كتب رضوان مرتضى في صحيفة “الأخبار”:
الدولة اللبنانية، بكافة أجهزتها الأمنية والقضائية، أمام امتحانٍ حقيقي السبت المقبل. طلاب البكالوريا ينتظرون نتائج الامتحانات الرسمية، فيما يترقّب بقية اللبنانيين «رعب الابتهاج» الذي يعرّض حياة الأبرياء للخطر، بعدما أخفقت الفتاوى الدينية والدعوات السياسية، وحتى التهديد بالتوقيف، في ردع «هواة» إطلاق الرصاص في الهواء ابتهاجاً.
الأسوأ من ذلك أنّ الدولة اللبنانية، بكل أجهزتها الأمنية والقضائية، تقف عاجزة أمام قمع هذه الظاهرة. وعندما تتخذ قراراً بتوقيف مطلقي النار، تتواطأ على نفسها وعلى المواطنين، لترك المخلّين بالأمن وتوفير مظلة حماية لهم.
الفضيحة فجّرها وزير الداخلية نهاد المشنوق في برنامج «للنشر»، أول من أمس، إذ كشف أن تدخلات سياسية أدت إلى إطلاق ٧٠ من أصل ٩٠ أوقفتهم القوى الأمنية بجرم إطلاق رصاص الابتهاج. وأوضح أنّ بعض الموقوفين لم يصلوا حتى إلى المحكمة العسكرية، بل اكتفوا بتقديم إفاداتهم في المخفر وأطلق القضاة المعنيون سراحهم. لكن ذلك كله لم يكن سوى رأس جبل الجليد. فقد توافرت معلومات لـ«الأخبار» عن أن «قنبلة» المشنوق لم تحل دون تفاقم الفضيحة، بعدما انخفض عدد الذين لا يزالون قيد التوقيف إلى سبعة فقط!
فالقضاء، في معظمه، يأتمر بالسياسة، وأداء بعض القضاة في عددٍ ليس قليل من الملفات كان ــــ ولا يزال ــــ موضع شبهة، كما في توقيف رضا المصري الذي لم يلبث القضاء أن تركه ضارباً عرض الحائط بجهود أشهر بذلها فرع المعلومات في تتبّعه، وليس انتهاءً بالفنانة السورية أصالة نصري التي لم يحظَ مكتب مكافحة المخدرات بـ«شرف» استضافتها في غرفة «خمس نجوم» الى جانب «أمير الكبتاغون» السعودي. وما بين هذين الملفين قضايا وملفات يصعب حصرها.
ورغم أن وزير العدل سليم جريصاتي سارع إلى التلطّي خلف «عدم كفاية الدليل» الذي أُطلِق بموجبه الموقوفون، إلا أن من حق اللبنانيين السؤال عن مدى جدية التحقيقات القضائية، إذ قالت مصادر لـ«الأخبار» إنّ «القضاة اشترطوا وجود صورة أو فيديو يُثبت أنّ الموقوف أطلق النار». فهل يُعقل أن يُسخّف ملف تحوّل إلى قضية تطال أمن اللبنانيين بالصميم؟ ولماذا لم يتوسّع القضاة في التحقيق؟ ولماذا ضربوا بإفادات المخبرين عرض الحائط؟ وفي حال لم يتعزّز اقتناعهم بشأن تورط المشتبه فيهم، فلماذا لم يفسحوا المجال للتحقيق؟ وهل بات جرم تعاطي سيجارة حشيشة أكثر خطراً من مجرم يقتل الناس عشوائياً؟ وهل يُعقل أن توقف القوى الأمنية ٩١ من أصل ٢٠٣ مشتبه فيهم حدّدتهم بالاسم والعنوان، فلا تكاد تمر ساعات على توقيفهم حتى لا يبقى منهم سوى سبعة فقط؟ ألم يكن في الإمكان توقيف هؤلاء، بحسب القانون، أربعة أيام على ذمة التحقيق؟ وماذا عن هيبة الدولة التي يتشدّق المسؤولون بها؟ وماذا عن مشاعر أهالي الضحايا والمصابين الذين سقطوا برصاص هؤلاء؟
بعد كلام المشنوق، سأل النائب سامي الجميّل، عبر «تويتر»، وزير الداخلية عن صحّة ما قاله عن تدخّلات سياسيين لدى القضاة لترك مطلقي النار، فردّ المشنوق: «نعم صحيح. بتدخلات من سياسيين لدى القضاء». عندها ردّ الجميّل قائلاً: «من حقنا أن نعرف من هم هؤلاء السياسيين. ولن نتّكل على وزير العدل لأنه طرف». وتوجه إلى مجلس القضاء الأعلى بالقول: «أنتم مسؤولون عن استقلالية القضاء وأن تمنعوا هذا التدخل، ويجب أن تسألوا عن المعلومات التي يملكها وزير الداخلية».
وكان لافتاً أن وزير العدل سارع إلى الرد عبر شاشة «الجديد»، علماً بأنه يتمنّع عن الرد على اتصالات «الأخبار» للاستفسار عن عدد من الملفات، وعمّا يتردد عن عمل المحامين في مكتبه القانوني، إذ أكد جريصاتي «أنني، أنا وزير العدل، أجزم بأنّ أحداً من السياسيين لم يتدخّل لترك مشتبه فيه». وأضاف: «نعم أنا طرف ونص لتحسين الأداء القضائي». وإذا كان وزير الوصاية على صروح العدالة على ثقة بأن أحداً من السياسيين لم يتدخل، وأن مطلقي النار لا يزالون موقوفين، فهل من إجابة عن سبب اتصال رئيس الجمهورية ميشال عون به وبمفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر طالباً التشدد في ملفات مطلقي النار، بعدما تلقّى اتصالاً من وزير الداخلية يبلغه فيه أن معظم الموقوفين تركوا أحراراً؟
كانت المديرية العامة لقوى الامن الداخلي قد خطت خطوة استثنائية يوم أعلنت أسماء المشتبه فيهم بإطلاق رصاص الابتهاج، مقرّرة التشهير بهم لمكافحة هذه الظاهرة. لكن أداء القضاء جاء مخيّباً رغم كل المساعي لتحويل جرم إطلاق النار من جنحة إلى جناية. وفي ظل الأخذ والرد وتقاذف المسؤولية، تبقى الدولة أمام امتحان نتائج البكالوريا السبت المقبل.
يذكر أن المؤسسة اللبنانية للإرسال «Lbci» نشرت جداول تُظهر أن من بين «91 اسماً ضمن جداول الموقوفين لدى القوى الأمنية بتهمة إطلاق النار ابتهاجاً: تُرِك 62 لقاء سند إقامة، وأوقف خمسة منهم لـ48 ساعة، وأحيل 7 فقط الى المحكمة العسكرية»، علماً بأنّ القانون ينصّ على أنّ «كل من أقدم على إطلاق النار في الأماكن الآهلة أو في حشد من الناس، من سلاح مرخّص أو غير مرخّص، يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين».