حفلت جلسة مجلس الوزراء بمناقشة مواضيع خلافية عدة، أبرزها الانقسام حول الموقف من فتح الاتصالات بين الحكومتين اللبنانية والسورية من أجل التنسيق لإعادة النازحين السوريين الذي طرحه وزراء قوى 8 آذار وعارضه الوزراء المنتمون إلى قوى 14 آذار، ما أعاد الفرز السياسي إلى ما كان عليه قبل خلط الأوراق الذي نجم عن التسوية على انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية. لكن المداخلات بقيت هادئة بين الفريقين اللذين اتفقا على إبقاء الموضوع خلافيًا.
وقالت مصادر وزارية متعددة لصحيفة «الحياة» إن الرئيس عون افتتح الجلسة بمداخلة شاملة لمواضيع الساعة مركزًا على العملية الاستباقية التي نفذها الجيش في بلدة عرسال يوم الجمعة الماضي والدور الفاعل للقوى الأمنية في ضرب الإرهاب والتصدي للمجموعات التي تهدد الاستقرار، مشيراً إلى تطلع الجميع إلى تفعيل دور المؤسسات من أجل إيجاد حلول لمشاكل عدة يعاني منها البلد، في وقت يستنزف نتيجة استضافته عددًا ضخمًا من النازحين السوريين. وتطرق عون إلى ازدياد الجرائم والحوادث الأمنية مستنداً إلى إحصاءات.
وأوضحت المصادر الوزارية أن رئيس الحكومة سعد الحريري استبق طرح مطالبة وزراء 8 آذار بالتواصل مع الحكومة السورية بالقول: «أفضل ألا نتناول الأمر لأنه خلافي وسلمنا سابقاً بأنه كذلك، وحتى إذا أصر البعض على بحثه لن نصل إلى نتيجة مهما طال النقاش».
إلا أن وزير الدولة علي قانصو (الحزب السوري القومي الاجتماعي) كرر مطالبته بالتواصل مع الحكومة السورية باعتبار أن هناك علاقة ديبلوماسية بين البلدين وأن التنسيق الأمني لم ينقطع، فعلينا عبء النازحين وليس أمامنا إلا الحوار مع الحكومة السورية، ولا عودة للنازحين من دونه. ورد وزير الدولة ميشال فرعون آسفاً أن يصدر مثل هذا الكلام عن وزير لبناني بعدما تحمله البلد نتيجة وجود النازحين. واعتبر أن كلام قانصو بمثابة تهديد ورهن للبلد. كما سأل: «هل مطلوب أن نقدم أوراق اعتماد على رغم كل ما عانيناه؟ لنا مصلحة في إعادة النازحين إلى قراهم، لكن الأمر يتطلب مشروعاً كاملاً برعاية الأمم المتحدة المطلوب منها تحديد المناطق الآمنة وعندها لا مانع من التنسيق».
وقال وزير التربية مروان حمادة إن هذا الموضوع غير مطروح، وحتى رئيس الجهورية خلال رعايته اللقاء التشاوري في بعبدا طلب عدم فتح الموضوع لأن ليس وقته الآن. وأكد أن التواصل بين الحكومتين من المواضيع الخلافية وحتى في الحوار القائم بين «حزب الله» و «تيار المستقبل»، وضع هذا الموضوع جانبًا. وهذه الحكومة ما كانت لتشكل لو لم يترك هذا الموضوع جانبًا. وغمز من قناة وزراء «يصرون على طرح مسألة النازحين والتحريض ضدهم لأغراض انتخابية، حتى بتنا نسمع إشاعات أن الحريقين اللذين أتيا على خيم في مخيمين للنازحين في البقاع الأوسط ليسا بريئين ويتلازمان مع التحريض».
وقال وزير الشؤون الاجتماعية بيار أبي عاصي إن التواصل مع الحكومة السورية موضوع خلافي مؤكداً «أننا كـ «قوات لبنانية» وأنا كوزير نعارض هذا التواصل وتحديداً في شأن إعادة النازحين لأنه لا ينفع أو يؤدي الغرض منه، في وقت نحن نرى وجوب عودتهم اليوم قبل الغد». وخاطب قانصوه قائلاً له: «الحكومة العراقية لديها أفضل العلاقات مع الحكومة السورية وفي العراق مئات الآلاف من النازحين السوريين، وهم لم يعودوا حتى الآن على رغم ذلك».
وأضاف أبي عاصي: «القضية ليست بالتواصل. فهل إذا أراد نازحون العودة إلى مناطق تتواجد فيها «جبهة النصرة» و «داعش» نجري اتصالات مع هذين التنظيمين، كحكومة؟ النازح السوري إذا أراد العودة فإن هذا شأن بينه وبين حكومته وهو الذي يتواصل معها، وبالتالي أن نتولى نحن هذه المهمة لا يخدم الهدف وتفاوض طرف ثالث في الموضوع ليس مفيداً لضمان هذه العودة إلا إذا شعر النـازح بالأمان كي يعود».
وتحدث وزيرا المال علي حسن خليل (أمل) والصناعة حسين الحاج حسن (حزب الله) فاعتبرا أنه «إذا كنا نجمع على الأعباء المالية والاقتصادية المترتبة على أزمة النازحين لماذا لا نتحاور مع الحكومة لإعادتهم طالما هناك علاقات ديبلوماسية وتنسيق أمني. على رغم أن هذا موضوع خلافي فلنعمل على متابعة الأمر». وكذلك الوزير محمد فنيش. أما وزير الخارجية جبران باسيل فاكتفى بتأييد مبدأ التواصل مع الحكومة السورية.
كما أثيرت وفاة النازحين السوريين الأربعة الذي أوقفوا لدى الجيش خلال عملية عرسال، من عدد من الوزراء (من 14 آذار) الذين أكدوا مساندتهم عملية الجيش الاستباقية لكن لا بد من جلاء الحقيقة وظروف وفاتهم فضلاً عن الجهة التي سربت صوراً للموقوفين وهم ممددون على الأرض. ورد وزير الدفاع يعقوب الصراف قائلاً إن العملية تمت بشفافية كاملة وقوة الجيش التي نفذتها تصرفت وفق الأصول ولدينا الثقة الكاملة بها، إلا أن الإفادة من عامل الوقت حتمت السرعة في تنفيذ المداهمة. وأوضح أن المتوفين الأربعة قضوا بالسكتة القلبية.
التحقيق بوفاة سوريين
وتدخل الحريري مشيداً بالإنجاز الأمني وطلب تشكيل لجنة تحقيق لجلاء الحقيقة على ان تعود بتقريرها الى مجلس الوزراء ويعقد وزير الدفاع مؤتمراً صحافياً لعرض الحقائق. وأيده حمادة ووزراء «القوات». كما أثار قانصو أسباب الإفراج عن الفنانة السورية أصالة نصري، بعدما ضبطت في حقيبتها مخدرات وأثبت الفحص المخبري أنها تتعاطاها، وقال: «إذا أخذ أحدهم شمة عن بعيد يتم توقيفه». وأوضح وزير العدل سليم جريصاتي إن هناك تعميماً شفويًا للنيابة العامة بأنه إذا ضبط شخص بالتعاطي للمرة الأولى لا يوقف، ويترك بسند إقامة ويخضع لفحوص لاحقة».
وأثير مجدداً موضوع إخلاء سبيل موقوفين بجرائم منها الاتجار بالمخدرات، في حقهم عشرات مذكرات التوقيف في وقت تقوم القوى الأمنية بتعقبهم لأسابيع من أجل توقيفهم، ومنهم ر. م. الصادرة في حقه 10 مذكرات توقيف، إضافة إلى شخص آخر موقوف (م.م.) الملقب بـ «الغبي» والذي تبين أنه يرشي أفرادًا وضباطًا في قوى الأمن أوقفوا بدورهم. وتقرر أن يعرض جريصاتي على مجلس الوزراء تقريرًا عنهم، وعن ظروف الإفراج عن بعض الذين أوقفوا بجرم إطلاق النار ابتهاجًا عند صدور نتائج الشهادة المتوسطة.
وعارض وزراء اقتراح الحريري وباسيل الاستغناء عن آلية إجراء التعيينات الإدارية في الفئة الأولى، لمصلحة ترك الوزير المختص يقدم اقتراحات بأسماء المرشحين لها.
وقال وزير الإعلام ملحم رياشي بعد الجلسة ان رئيس الجمهورية دعا في مستهلها الى «تفادي الجدال والانصراف الى معالجة الجوهر»، مستحضراً واقعة محاصرة محمد الفاتح القسطنطينية، فيما كان اهلها منشغلين بالجدال حول جنس الملائكة في جدل بيزنطي لا ينتهي ويصرف الجهد عن الجوهر.
ثم تناول عون موضوع التعيينات، فدعا الى «استكمالها ادارياً وقضائياً وديبلوماسيًا»، متمنياً على الوزراء «تقديم المقترحات اللازمة لذلك، كل في ما خص ادارته».
وعن الوضع الأمني في البلاد لفت الى «تزايد الحوادث المخلة بالأمن ومشاركة بعض النازحين السوريين في ارتكابها، وذلك على رغم الإجراءات التي تتخذها القوى الأمنية المعنية». ودعا القضاء الى «لعب دور اساسي في الحد من الفلتان الأمني بالتنسيق مع القوى الأمنية، لأن هيبة الدولة تصان من خلال الإجراءات التأديبية التي تتخذ بحق مرتكبي الجرائم والاعتداءات على السلامة العامة».
وفيما نوه رئيس الجمهورية بعمل الجيش والقوى الأمنية في توقيف المخالفين والمرتكبين، وكذلك تسليم القيادات الفلسطينية الى الأمن العام خالد السيد المتهم بالتخطيط لعمليات ارهابية مع تنظيم «داعش»، حذر «من تحول مخيمات النازحين السوريين بيئة حاضنة للإرهابيين»، مكررًا ما كان ذكره خلال زيارته المقر العام لقوى الأمن الداخلي الأسبوع الماضي عن الأخطار الناتجة من تمدد الإرهابيين.
وأشار عون الى «اهمية اقرار الموازنة ومعالجة مسألة قطع الحساب وتطبيق القوانين الصادرة»، ودعا الى «التشدد في ملاحقة التعديات على الأملاك البحرية وعدم تبرير المخالفات المرتكبة».
وأكد «تمسكه بتطبيق الدستور تطبيقاً كاملاً، لاسيما بالنسبة الى المادة 52 من الدستور التي تولي رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة»، وقال: «لن أوقع أي مرسوم يتعلق باتفاقيات إبرام قروض أو ديون على الدولة إذا لم أكن درسته بتفاصيله ودقائقه».
تحذير من مطلقي الشائعات
ودعا عون القضاء الى «ضرورة تحمل مسؤولياته في الحؤول دون تمكين مطلقي الإشاعات من تحقيق غاياتهم التي ترتد سلبًا على البلاد وكذلك الإسراع في بت الدعاوى العالقة منذ سنوات، لاسيما تلك التي تتناول التشهير والقدح والذم وإطلاق الشائعات الكاذبة».
وتحدث الرئيس الحريري فأشار ألى أن «القوانين التي تحتاج الى مراسيم تنظيمية سوف يتم درسها واتخاذ الإجراءات المناسبة في شأنها»، وقال: «منذ فترة نسمع دعوات الى التواصل مع النظام السوري للبحث في موضوع عودة النازحين. ما يهمني في هذا المجال توضيحه، ان هذه المسألة هي من المواضيع الخلافية، ذلك ان ثمة فرقاء ينادون بحصول التواصل وآخرين يرفضون».
وأضاف: «نحن نريد عودة النازحين السوريين الى بلادهم اليوم قبل الغد، لكن نعتبر ان ذلك من مسؤولية الأمم المتحدة والمنظمات الدولية التابعة لها والتي عليها ان تضع خطة آمنة لعودتهم. لقد اتفقنا منذ تشكيل الحكومة على وضع المسائل السياسية الخلافية جانباً لأننا قد لا نتوصل الى التوافق حولها، ولا حاجة بالتالي لطرح مواضيع تسيء الى التوافق القائم داخل الحكومة».
وعن موضوع التعيينات رأى «ضرورة ملء الشواغر بعد الاتفاق على أحد أمرين، إما المضي باعتماد الآلية المطبقة منذ أعوام، أو أن نعلق العمل بها ونطلب الى الوزراء المعنيين تقديم اقتراحاتهم لدرسها في مجلس الوزراء واتخاذ القرار المناسب في هذا المجال».
الحريري يطلب التحقيق
وأشار الحريري الى حادثة وفاة أربعة موقوفين سوريين في المستشفى، لافتاً الى ان «علامات استفهام اثيرت حول ذلك لا بد من توضيحها من خلال فتح تحقيق يكشف ملابسات ما حصل ويضع حداً للتساؤلات المطروحة».
وأبلغ الحريري مجلس الوزراء انه «سوف يزور الولايات المتحدة الأميركية في 22 تموز الجاري للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ويزور فرنسا في آب المقبل، وموسكو في أيلول المقبل، على ان يتم تشكيل الوفود التي سترافقه تباعاً».
وعن الفلتان الأمني المتكرر اقترح الحريري «وضع خطة امنية تلحظ اجراءات امنية وميدانية واستباقية فعالة قد يكون من بينها نزع السلاح من ايدي مرتكبي حوادث اطلاق النار العشوائي او المخلين بالأمن». كذلك دعا رئيس الحكومة، وزير العدل الى اعادة النظر في بعض عقوبات السجن المطبقة، لاسيما لجهة التشدد بها لمعاقبة مرتكبي الجرائم الجنائية وعدم تطبيق معيار السنة السجنية عليهم، والإبقاء على معيار السنة السجنية بالنسبة الى الجنح والجرائم العادية».
بعد ذلك تحدث عدد من الوزراء في المواضيع التي تناولها رئيسي الجمهورية والحكومة، وتم درس جدول الأعمال الذي أقرت مواضيع عدة فيه، ومنها تعديل النصوص القانونية المتعلقة بقانون نقابة المحررين.
كما اكد مجلس الوزراء تقديره دور الجيش وما قام به من عملية استباقية في ملاحقة الإرهابيين وعدم تمكينهم من استغلال مخيمات النازحين للقيام بأعمال ارهابية تستهدف امن اللبنانيين وتهدد امن النازحين، وإن كل صوت يشكك في صدقية دور الجيش مرفوض. وستجرى التحقيقات لتثبت ان الجيش ملتزم التزاماً كاملاً بواجباته القانونية والإنسانية».
وتحدث وزير التربية والتعليم العالي مروان حمادة قبل الجلسة فقال: «نحن لا نتحدث مع حكومة مجرمة وموضوع النازحين السوريين يتم عبر الأمم المتحدة».