رأى الرئيس سعد الحريري ان المزايدات التي تستخدم مأساة النازحين السوريين تهدّد الاستقرار عبر توريط الحكومة اللبنانية لتقديم خدمات سياسية أمنية مجانية لنظام الأسد، متوجهًا الى من يدعوه للتواصل مع النظام السوري، بالقول : “تفضلوا بالضغط عليه لتسهيل إقامة مخيمات تحت إشراف الامم المتحدة في الجانب السوري من الحدود”.
الحريري اعتبر خلال حفل تخريج طلاب جامعة بيروت –العربية، ان مهمة الدولة اللبنانية مواجهة تداعيات النزوح السوري إجتماعياً وإقتصادياً ومكافحة محاولات إستخدامه لنقل الإرهاب الى لبنان، لافتًا الى ان المسؤولية الوطنية والإنسانية والأخلاقية تفرض على الحكومة اللبنانية سلوك خيارات تحمي الصيغة اللبنانية تحت سقف الشرعية الدولية.
واذ شدد على ان الجيش اللبناني وكل القوى الأمنية الشرعية مسؤوليتهم توفير السلامة والأمان لكل المقيمين في لبنان وملاحقة التنظيمات الإرهابية، اكد من جهة آخرى ان مهمته الأولى إيجاد فرص عمل لشباب لبنان، لافتًا الى ان كل جهود الحكومة موجّهة لتأمين شروط نجاحكم عبر إنترنت أسرع وأرخص وحاضنات لإبتكاراتكم.
واضاف:” وضعنا خطة متكاملة لتحريك عجلة النموّ والنهوض الاقتصادي المبني على الاستقرار والذي نعمل للحفاظ عليه وتدعيمه”.
نص الكلمة التي القاها الحريري
من دواعي فخري وسروري ان أكون معكم اليوم في هذا النهار المميّز لحضور حفل تخرّج الدّفعة الـ 54 من خرّيجي وخرّيجات جامعة بيروت العربية.
جامعتكم، لها مكانة خاصة عندي، وعند عائلتي، لأنها المكان الذي درس فيه الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
جامعة بيروت العربية، كانت الدرجة الأولى على سلّم حياة رفيق الحريري العملية المهنية السياسية الوطنية والعربية.
هذا الدور، الأكاديمي والعملي والوطني والعربي، مضى عليه اكثر من نصف قرن، وهو مستمرّ بإذن الله، بجهود الإدارة والأساتذة والطلاب وعائلات الطلاب، وانتم الخريجون الذين يفوق عددكم ال 1600 خريجا تتخرجون اليوم من حرم الجامعة ببيروت، هنا في الدبيّة.
انتم مؤتمنون على نجاح الجامعة وعلى صورتها وسمعتها، كما انكم مؤتمنون على صورة لبنان وسمعة التعليم الجامعي فيه.
نجاحكم مؤتمن على نجاح جامعتكم وبلدكم. مهاراتكم، إبداعكم، إنتاجيتكم، قراراتكم المهنيّة والسياسية الوطنيّة، كلّها أمانات تتسلّمونها اليوم مع شهاداتكم.
انتماؤكم للعروبة، للاعتدال، للحداثة، للانفتاح الفكري والثقافي والأكاديمي، كلّها قيم تحملونها اليوم، كما تحملون اسم هذه الجامعة العريقة، وهذه المدينة العظيمة، وهذه الحضارة الشامخة: جامعة… بيروت… العربية!
هذه الشهادة وهذه القيم كلها أدوات صارت ملككم، ماذا ستفعلون بها: القرار أصبح في ايديكم انتم، بيد كل واحد وواحدة منكن.
اليوم، تنضمّون للقوى المنتجة في عالم متحول، وتصبحون شركاء كاملين في الدورة الاقتصاديّة، في اقتصاد جديد، اقتصاد المعرفة، والتقنيات الحديثة والتواصل. من ناحيتي، وكما تعرفون أعتبر أن مهمّتي الأولى هي إيجاد فرص العمل أمامكم، أمام كل الشباب والصبايا في كل لبنان.
في مجال الاقتصاد الجديد، كل جهدنا كحكومة موجّه لتأمين شروط نجاحكم: إنترنت أسرع وأرخص، وحاضنات ماديّة وعمليّة وتمويليّة لأفكاركم وابتكاراتكم ومبادراتكم.
وفي المجال الاقتصادي عامة، وضعنا خطة متكاملة لتحريك عجلة النموّ، وللنهوض الاقتصادي، الذي يوفر وحده فرص العمل لكل اللبنانيين وبشكل خاص الشباب، لكن كل هذه الجهود شرطها الأوّل وهو الاستقرار، ونحن نقوم بكل شيء للحفاظ على عليه وتدعيمه، بغض النظر عن المزايدات الرخيصة، التي ترخص أكثر وأكثر كلما تشرّفت بلقاء مثل لقائي اليوم معكم، وهذا يذكرني بأن خدمتكم وتحقيق آمالكم وطموحاتكم هو المعنى النبيل لأي عمل سياسي…
على كل حال، هكذا نفهم السياسة نحن في مدرستنا، مدرسة الرئيس الشهيد رفيق الحريري! واليوم مع الأسف، عن قصد أو غير قصد هناك مزايدات من نوع جديد، تستخدم مأساة إخواننا النازحين السورين، لتحقيق نقاط سياسية رخيصة، من دون التنبّه إلى أنّها تهدد الاستقرار، عبر محاولة توريط الحكومة اللبنانية بالاتصال بالنظام المسؤول أساسا عن مأساة النازحين، لا بل عن مأساة كل السوريين!
هذه الضغوط تشكل أولا، خروجا مرفوضا على قواعد النأي بالنّفس التي توافقنا عليها ولا وظيفة لها إلا تقديم خدمات سياسية وأمنية مجّانيّة لنظام الأسد. ثانيا، حكومة النظام في سوريا هي طرف أساسي في تهجير مئات آلاف المواطنين السوريين إلى الأراضي اللبنانية. فكيف يمكن لهذا الأمر أن يؤهلها للبحث بإعادتهم وحمايتهم؟ إلا إذا كان المقصود بتنظيم عودة النازحين هو تنظيم تسليمهم لمعسكرات اعتقال النظام. ثالثا، الذين يحملون دعوة التواصل مع النظام، هم حلفاء له، ويقاتلون معه داخل الأراضي السوريّة، وبعضهم يتبجح بأنهم عكسوا المعادلة غير المأسوف عليها في لبنان وأصبحوا جزءا من الوصاية على النظام في سوريا. حسنا فليضغطوا على النظام لتسهيل إقامة مناطق آمنة على الجانب السوري من الحدود، ومخيّمات بإشراف الأمم المتّحدة تستوعب النازحين العائدين من لبنان، بدل عن الدعوة الى توريط الحكومة اللبنانية باتصالات نتيجتها فتح باب جديد لابتزاز لبنان من دون أي معالجة حقيقية لتداعيات النزوح؟ أو انهم يتقنون فقط المزايدة على بلدكم، وحكومة بلدكم وأهل بلدكم؟ رابعا: نحن كدولة لبنانية، مهمتنا الأساسية هي مواجهة تداعيات النزوح على أهلنا وبلدنا اجتماعيا واقتصاديا، ومكافحة أي محاولة لاستخدامه وسيلة لنقل الإرهاب الى لبنان. هذه المهمة تفترض حماية قواعد الاستقرار السياسي، والابتعاد عن أي أفكار تثير البلبلة وتنقل المسائل الخلافية المعروفة الى طاولة مجلس الوزراء. خامسا، نحن نحمّل المجتمع الدولي مسؤولياته بالمساهمة بمواجهة أعباء النزوح على لبنان، وليست لدينا أي مصلحة بأن نوجه للمجتمع الدولي رسالة سلبية مفادها ان لبنان قد تخلّى عن المسار الذي اختاره بالتنسيق مع الأمم المتحدة والهيئات الدولية، واستبدله بمسار مجهول النتائج مع حكومة سورية مجهولة، اي الحكومة نفسها التي يحملها المجتمع الدولي مسؤولية مباشرة عن أزمة النزوح.
المسؤولية الوطنية والإنسانية والأخلاقية تفرض على الحكومة اللبنانية سلوك خيارات مضمونة، تحمي الصيغة التي توافق عليها اللبنانيون تحت سقف الشرعية الدولية، وليس تحت سقف الحروب والأنظمة والانهيارات.
بالمختصر، نحن لن ندفع بالنازحين الى مصير مجهول، ولكن في الوقت ذاته، لن نتهاون مع أي محاولة لجعل أماكن النزوح بيئة حاضنة للإرهاب والتطرّف. والحقيقة انه في هذا المجال، الأشقّاء النازحون هم شركاء معنا بمكافحة الإرهاب وكشف أوكار التنظيمات التي تستهدفهم وتستهدف لبنان.
والجيش اللبناني، وكل القوى الأمنية الشرعية تعمل بهذه الروحيّة، ومسؤوليتها توفير السلامة والأمان لكل المقيمين في لبنان، وملاحقة أي شخص، من أي جنسية، ينتمي الى التنظيمات الإرهابية ويشارك باستهداف أمن لبنان واللبنانيين.
أجمل لحظة في حياتي كانت حين تخرجت من الجامعة وكان الوالد رحمه الله بين جموع الناس يشاركني هذه الفرحة. واليوم نصيحتي لكم أن أياما صعبة قد تواجهكم، ولكن بعدها ستأتي أيام جميلة. والوالد رحمه الله كان دائما يقول لي، انظر إلى كل أزمة لا بد أن تنجلي يوما وتخرج منها نواح مضيئة وإيجابيا، وأنا اليوم أقول لكم الكلام نفسه وأدعوكم إلى التفاؤل والأمل دائما.
عشتم، عاشت جامعة بيروت العربية وعاش لبنان.