استغربت جهات معنية «محاولة التشويش على الإنجاز الذي تحقق في العملية العسكرية التي نفّذها الجيش في مخيمات النزوح في منطقة عرسال، والتعمية عليه عبر تعمّد إثارة مسائل إنسانية تضع الجيش في موقع الاتهام، وتعذيب الموقوفين الذين قُبض عليهم خلال العملية، ونشر أرقام كبيرة عن وفيات حصلت نتيجة التعذيب».
وقالت مصادر أمنية رفيعة لصحيفة «الجمهورية»: «انّ بيان قيادة الجيش ـ مديرية التوجيه أوضحَ الصورة بكاملها، وأشار الى حصول 4 وفيات هم: مصطفى عبد الكريم عبسة، خالد حسين المليص، أنس حسين الحسيكي وعثمان مرعي المليص».
وأكدت «انّ عدد الوفيات 4 وليس اكثر، وسبب الوفاة هو نتيجة أزمة قلبية، وهو ما يؤكده الاطباء الذين كشفوا على الجثث الـ4 اضافة الى الكشف على سائر الموقوفين الذين تبيّن انّ من بينهم 7 يعانون مشكلات صحية وأحيلوا الى مستشفيات مدنية، فيما سُلّمت جثث الـ4 الى ذويها».
وأكدت المصادر «انّ كذبة تعذيب هؤلاء يدحضها اولاً وضعهم الصحي، وثانياً انّ هؤلاء لم يكونوا قد خضعوا للتحقيق بعد». وقالت إنّ عملية الجيش «لم يكن هدفها فتح معركة مع النازحين بل توقيف مطلوبين بناء على معلومات دقيقة تفيد عن تحضير لتنفيذ عمليات إرهابية في مناطق عدة».
ولفتت الى انّ الوحدات العسكرية «فوجئت خلال تنفيذ العملية بحجم ردّة فعل الإرهابيين ونوعيتها، وذلك من خلال تفجير مجموعة من الانتحاريين أنفسهم بين عائلاتهم، ما أدى الى مقتل فتاة كان يتولى احد العسكريين حمايتها خلال التفجير، وأصيب هذا العسكري في عينيه، مع التأكيد أنه خلال تلك العملية لم يتعرض أي مدني في تلك المخيمات للأذى من الجيش، علماً انّ 19 جريحاً سقطوا في صفوفه».
وأكدت المصادر انّ الجيش «يتعاطى مع ملف تلك المخيمات بحكمة استثنائية ومن دون أي خطوات متسرّعة، ولو كان في نيّته أذية المدنيين لكان انتهى من موضوع الجرود منذ زمن بعيد، فما يؤخّر ذلك حتى الآن هم المدنيون. وما يجب ان يكون معلوماً لدى الجميع، وخصوصاً تلك الاصوات المتباكية، هو انّ تلك المخيمات تشكّل بيتاً آمناً للإرهابيين، فمن بين الـ330 موقوفاً بيّنت التحقيقات التي بدأت معهم وجود 38 من الرؤوس الكبيرة والخطيرة في «داعش» و«النصرة» وبعضهم له مراكز قيادية عالية في هذين التنظيمين الارهابيين، ما يعني انّ الخطر جاثم هناك، وهذا دليل اضافي على انّ عملية الجيش كانت اكثر من ضرورية».
وتوجّهت المصادر الى الجميع بالقول: «لا يجوز التصويب على الجيش في موضوع الوفيات الـ4، وهي وفيات طبيعية نتيجة ظروف صحية لا علاقة للجيش بها، وتَناسي الانجاز الذي تمّ.
فعندما دخل الجيش فوجىء بعدد الانتحاريين وبحجم العبوات الناسفة المزروعة قديماً وحديثاً في المنطقة، ولو لم يكتشفها، وكانوا على وَشك تفجيرها، لحصلت مجزرة فظيعة.
واكتشف غرفة من «الباطون المسلح» كان يستخدمها الارهابيون لصنع العبوات الناسفة، كلّ ذلك يؤكّد الخطورة التي تمثّلها تلك المنطقة، وتخيّلوا لو انّ هذه العملية العسكرية لم تحصل، وانّ تحضيرات الارهابيين كانت جاهزة للتنفيذ ونجح الارهابيون والانتحاريون في التسلل الى الداخل اللبناني، فماذا ستكون النتيجة في هذه الحال؟ يجب النظر الى هنا وليس الى أيّ مكان آخر».
وأعربت مصادر عسكرية لصحيفة «المستقبل» عن تأسفها لبعض «حملات التشويه» التي يتعرض لها إنجاز الجيش في مخيمات عرسال للنازحين، مذكرةً بأنّ «أي من المدنيين لم يسقط خلال العملية التي لولا نجاحها لكان الأمن الوطني برمته بخطر بعد ما تكشف من مخطط انتحاري كان الإرهابيون يتحضرون لتنفيذه في عدد من المناطق اللبنانية».
وكشفت أنّ هذه العملية كان من المقرر تنفيذها في وقت سابق إثر «معلومات استخباراتية حول وجود عبوات وأحزمة ناسفة وغرف لصناعتها» في هذه المخيمات، غير أنّ الجيش آثر تأخير التنفيذ حرصاً منه على اختيار توقيت ملائم وظروف مؤاتية محكمة للإطباق على الإرهابيين من دون المساس بأي من المدنيين، لافتةً الانتباه في هذا السياق إلى أنّ أحد العسكريين فقد بصره خلال العملية جراء محاولته حماية فتاة سورية نازحة.
وعما أثير حول وفاة أربعة موقوفين، أشارت المصادر العسكرية إلى أنهم توفوا قبل التحقيق معهم نتيجة سكتة قلبية بخلاف ما أشيع عن تعرضهم للتعذيب علماً أن شخصين توفيا للسبب عينه فور توقيفهم، لافتةً إلى أنّ التأخير بالإعلان عن وفاة الموقوفين الأربعة مردّه إلى انتظار المؤسسة العسكرية صدور تقرير الطب الشرعي لتبيان أسباب الوفاة، تمهيداً لرفع تقريرها بذلك إلى القضاء المختص المسؤول عن الإعلان عن الأمر.
من جهتها، اعلنت مصادر عسكرية رفيعة المستوى في الجيش اللبناني، لصحيفة «الديار» ان العمليات النوعية التي ينفذها الجيش تكتسب عموما أهمية خاصة، كونها تتم في معظم الاحيان بصورة استباقية، الامر الذي يجنب المواطنين خسائر وشيكة في الارواح والممتلكات، وربما يجنب المؤسسة العسكرية ايضا المخاطر.
وتضيف المصادر: اما بالنسبة الى العملية التي نفذها الجيش مؤخرا في بعض مخيمات عرسال فان اهميتها ناجمة عن توقيف العديد من الارهابيين، وضبط خمسة انتحاريين أقدموا على تفجير أنفسهم في وجه قوى الجيش التي تعرضت ايضا لتفجير عبوات ناسفة ورمي قنابل يدوية، ووفق المعلومات المؤكدة لدى الجيش فان هؤلاء الارهابيين كانوا بصدد الاعداد لعمليات انتحارية داخل المدن والقرى اللبنانية.
وعن دلالات تغلغل بعض الارهابيين بين النازحين السوريين في المخيمات، توضح المصادر العسكرية ان هناك بين النازحين انفسهم اشخاصاً على تواصل مع المجموعات الارهابية او يحملون الفكر التكفيري، كما ان هناك بعض الارهابيين التابعين لتلك المجموعات يعمدون الى التسلل بين الحين والآخر الى داخل المخيمات للقاء أقاربهم او بغية تجنيد عناصر لصالحهم، او بهدف التحضير لتنفيذ عمليات ارهابية، والدليل على ذلك هو توقيف اعداد من هؤلاء وضبط كميات كبيرة من الاسلحة والذخائر والمتفجرات خلال عمليات الدهم.
وفي حين تلفت المصادر العسكرية الانتباه الى ان الارهابيين الموجودين داخل المخيمات يشكلون قلة من النازحين، تنبه في الوقت ذاته الى ان خطرهم كبير جدا، سواء على النازحين انفسهم او على المواطنين اللبنانيين.
وعما إذا كانت المخيمات السورية أصبحت تشكل عبئا امنيا، تشير المصادر العسكرية الى ان مخيمات النازحين السوريين القريبة من الحدود تشكل عبئا اضافيا على الجيش اللبناني، كونها قريبة من مراكز التنظيمات الارهابية، ما يسمح بين الحين والآخر بتسلل بعض الارهابيين اليها، او استخدامها لأغراض أمنية، ومن هنا يعمد الجيش باستمرار الى تكثيف اجراءاته الامنية حول هذه المخيمات.
وهل حان الأوان لايجاد حل جذري لازمة النزوح الى لبنان؟
تؤكد المصادر العسكرية ان هذا الامر مطلوب في كل وقت، لكن القرار فيه يعود الى السلطة اللبنانية كما الى الامم المتحدة والسلطة السورية، لاجراء التنسيق والترتيبات اللازمة التي تكفل للنازحين حق العودة والاستقرار في مناطق آمنة داخل سوريا، معربة عن اعتقادها بان معالجة هذه المسألة ليست صعبة، إذا توافرت الارادة المشتركة لدى الاطراف المعنية.
وكيف يرد الجيش على بعض الاصوات اللبنانية والسورية التي اتهمته بالاساءة الى كرامة النازحين وانتهاك حقوقهم الانسانية عبر العملية العسكرية الاخيرة؟
تشدد المصادر العسكرية على ان هذه الاتهامات ليست في محلها على الاطلاق، والجيش لا يريد ان يشكك في جميع هذه الاصوات لان بعضها لا يدرك الواقع والحقيقة، مشيرة الى ان قيادة الجيش تشدد دائما على وجوب تقيد العسكريين بالقانون الدولي والانساني، وشرعة حقوق الانسان في كل العمليات العسكرية، ولا يجب ان ننسى الظروف والاخطار التي أحاطت بالعملية الاخيرة، خصوصا لجهة استهداف مجموعة من الانتحاريين قوى الجيش المداهمة وتفجير العبوات ورمي القنابل اليدوية في اتجاهها، ما ادى الى جرح عدد كبير من العسكريين، وهذا الواقع جعل القوى العسكرية تأخذ في الحسبان وجود انتحاريين او ارهابيين آخرين، ما دفعها الى تشديد الاجراءات الاحترازية.
وهل يخشى الجيش من ردود فعل ارهابية بعد انهيار معاقل لـ «داعش» في العراق وسوريا؟
تلفت المصادر العسكرية الانتباه الى ان خطر الارهاب قائم في كل الظروف والاوقات، والجيش يأخذ بالاعتبار انعكاس الهزائم التي منيت بها التنظيمات الارهابية في سوريا والعراق، وقد اتخذ المزيد من الاجراءات والتدابير الوقائية على الحدود لمنع تسلل الارهابيين الى داخل الاراضي اللبنانية.
وما هو احتمال الحسم العسكري في جرود عرسال اذا اخفقت محاولات اقناع المجموعات المسلحة بالانسحاب من تلك المنطقة؟
تجيب المصادر: كل الاحتمالات تبقى واردة، وقرارنا حاسم في دحر الارهابيين بصورة نهائية، اما توقيت تنفيذ هذا القرار فيعود الى توافر الظروف المناسبة التي تضمن نجاحه بالكامل.
وعما إذا كان الجيش قد بات قادرا من الناحية العملانية على الحسم إذا صدر القرار السياسي في هذا الشأن، تؤكد المصادر العسكرية ان الجيش لديه القدرة القتالية الكاملة على تنفيذ هذه العملية، مع الاشارة الى ان الواقع الحالي للحدود اللبنانية- السورية، يفترض وجود عوامل داخلية وخارجية تساعد في اتمام تلك العملية.