Site icon IMLebanon

تقارير الطبيب الشرعي في وفاة الموقوفين الأربعة في عرسال

كتبت ربي منذر في صحيفة “الجمهورية”:

«قضّ المضاجع» إسمٌ كان جديراً وحده بإرعاب الإرهابيين، هم الذين فتّشوا عن الموت فوجدوه في عقر مخيّماتهم، خاطفاً بعضهم ومهدِّداً البعض الآخر. «قضّ المضاجع» حربٌ فتحها الجيش على مصراعيها في وجه الإرهابيين وبدلاً من أن يُستقبَل أبطالُه بالزغاريد بعدما خاطروا بحياتهم وأصيب عددٌ منهم إصاباتٍ ستلازمهم مدى العمر، كانت الصاعقة في الحرب الإعلامية التي وُجّهت ضدهم، ليزيدها افتراءً اتهامُهم بقتل 4 من الموقوفين عمداً، متناسين أنّ هناك 5 إرهابيين فجّروا أنفسهم خلال المداهمة ولو قدّر لهم إستكمال إجرامهم لكانوا أوقعوا مجازرَ في حق اللبنانيين. وفي هذا الإطار تكشف «الجمهورية» تقارير الطبيب الشرعي لتضع الحقيقة أمام الرأي العام.أثارت عملية «قضّ المضاجع» الأخيرة التي نفّذها الجيش في مخيَّمَي قارية والنور عند تخوم بلدة عرسال، تساؤلاتٍ كثيرة خصوصاً مع اللغط الذي حصل بعد وفاة 4 موقوفين.

وفي هذا الإطار، تكشف المعلومات العسكرية لـ«الجمهورية» أنه مع بدء تنفيذ العملية العسكرية وحرصاً على سلامة المدنيين الموجودين داخل المخيم وفي ظلّ المعلومات التي كانت متوافرة عن وجود إنتحاريين، عمدت الوحدات التي نفّذت العملية بالتزامن مع بدء العمل العسكري الى عزل المخيّم من خلال سحب النساء والأطفال من داخله، حرصاً على عدم وقوع إصابات بين المدنيين.

هكذا فجّر نفسه…

المفاوضات كانت طويلةً مع أحد الإنتحاريين الخمسة قبل تفجير نفسه بجوار عائلته، وبين إقناعه بتسليم نفسه أو إطلاق سراح عائلته، اختار تنفيذَ المحرّم، وما أن اقترب أحد العسكريين لأخذ الطفلة، حتى فجّر والدُها نفسه فتشظّت الأخيرة وقُتلت فيما أُصيب العسكري في عينيه… فالتعليماتُ كانت واضحة لدى العسكريين «لا يجب أن يسقط أبرياء»، ومع هكذا عنوان كان لا بد من أن تكون الكلفة غالية عليهم في المقابل، وهو ما حصل فعلاً فأُصيب 19 عسكرياً.

فرز الموقوفين

بعد انتهاء العملية وبلوغ عدد الموقوفين نحو 350، نُقلوا الى أحد الأماكن وتمّ تجميعُهم قبل فرزهم. ومثلما هو متعارَف عليه، عمدت وحدة طبّية من الجيش الى الكشف المباشر على الموقوفين لمعرفة أوضاعهم الصحّية بهدف تأمين الخدمات الطبّية لهم، وفوراً اتصل الجيش بالصليب الأحمر طالباً التدخل من خلال تأمين الفرش وتجهيز الأماكن لوضع الموقوفين فيها الى حين اكتمال عملية فرزهم، ولذلك وُزعوا على أكثر من منطقة وأكثر من مركز بعدما أمّن الصليب الأحمر كل المستلزمات والأدوية للمصابين بحالات مزمنة.

أما التحقيقات المستمرة بعد فرز الموقوفين فأسفرت حتى الساعة عن إخلاء سبيل 15 منهم تبيّن أن لا شبهات حولهم وأنّ أوراقهم قانونية، فيما أُحيل 85 منهم الى المديرية العامة للأمن العام لتجوّلهم على الأراضي اللبنانية بصورة غير قانونية، علماً أن لا شبهات عليهم كذلك، ليبقى نحو 200 موقوف الى حين استكمال الإجراءات.

الكشف الطبي يحسم

وبيّن الكشف الطبي أنّ 13 من الموقوفين مصابون بمشاكل صحّية خطيرة، وحرصاً من الجيش على الشفافية في التعامل، نُقلوا الى مستشفيات مدنية وليس عسكرية إحداها في زحلة بينهم 3 من الذين توفّوا اليوم الثاني بعد العملية، وخرج منها 6، فيما لا يزال 3 آخرون فيها، وحالة نُقلت الى مستشفى رفيق الحريري في بيروت وتوفي صاحبها يوم الثلثاء.

وتؤكد التقارير الطبّية الصادرة عن الطبيب الشرعي أن لا آثارَ عنف على أجساد الـ4 الذين توفّوا، وتشير الى أنّ أنس حسين الحسيكي توفي نتيجة ذبحة قلبية، فيما توفي خالد حسين المليص نتيجة جلطة دماغية حادة أدّت الى نزيف في أذنه اليسرى، أما مصطفى عبدالكريم عيسى فتوفي نتيجة جرحة قلبية وكان هناك سوادٌ في وجهه، وعثمان مرعي مليص توفي في بيروت بعدما أُدخل الى المستشفى نتيجة توقف في القلب ولم تنفع الإسعافات الأوَّلية في إنقاذه.

أسباب إضافية للوفاة

وما يثير الإستغراب في موضوع التشكيك بأسباب وفاة الموقوفين الأربعة، هو أنهم توفّوا في المستشفيات وليس في المراكز العسكرية، كما أنّ عدداً كبيراً من المصابين نُقل الى المستشفيات نتيجة ضربة شمس حيث إنّ الحرارة المرتفعة يوم العملية وصلت الى الـ42 درجة، وبالتالي أثرت على العسكريين تماماً كما أثرت على الموقوفين.

مراعاةٌ للمعايير الدولية

أما بعد صدور تقارير الطبيب الشرعي بناءً لإشارة النيابة العامة، سلّم الجيش الجثثَ لذويها، وفي هذا الإطار تؤكد المصادر العسكرية لـ«الجمهورية» أنّ الجيش يراعي المعايير الدولية والإنسانية في تعامله مع الموقوفين ضمن الإمكانات المتاحة له، وبالتالي فإنه لا يتوانى لحظةً عن حماية الأبرياء السوريين، تماماً كما يحرص على سلامة المدنيين اللبنانيين، وقد تجلّى ذلك في الإصابات التي وقعت في صفوف العسكريين، وهو ما كان يحصل في عمليات سابقة، وفي تحقيقاته يراعي المعايير الدولية أيضاً خصوصاً وأنّ أساليب التحقيق تغيّرت وبالتحديد مع هذه الجماعات، حيث إنّ الضرب والتعذيب لا ينفعان مع أصحاب العقائد في الإعترافات.

تحقيقاتٌ شفافة

الجيش قام بتحقيقات شفافة بناءً على توجيهات صارمة من قائد الجيش العماد جوزف عون، وفي حال حصلت أيّ تجاوزات أو مخالفات، فإنها بالتأكيد غير صادرة عن تعليمات عسكرية، أما بحق المرتكبين فإنّ الإجراءات اللازمة تُتخذ دائماً وهو ما حصل بحق بعض المخالفين في هذه العملية، لكنّ للمؤسسة خصوصياتٍ معيّنة في هذا الإطار، وبالتالي فإنّ هذه الأمور لا تُنشر في الإعلام بل يتمّ التعامل معها حسب القوانين المرعيّة الإجراء.

أما التحقيقات التي تُجرى، فتتمّ على درجة عالية من السرعة وعدم التسرّع حمايةً للموقوفين، ويتمّ تأمين الظروف المناسبة لهم تحت إشراف القضاء المختص ومراعاة الإجراءات القانونية، وبالتالي فإنّ مَن تثبت براءته يُخلى سبيله، فيما يُحال المرتكبون الى القضاء المختص.

حربٌ موجّهة إعلامياً…

بدوره يؤكد مصدر معني لـ«الجمهورية» أنّ ما يجرى في الإعلام وعلى وسائل التواصل الإجتماعي هو خطة ممنهجة يفتعلها البعض لتغيير اتجاهات الرأي العام ضد الجيش والعمليات الاستباقية التي يجريها لحماية اللبنانيين واللاجئين بعدما تحوّلت المخيّمات التي يسكنونها الى بيئة حاضنة للإرهاب في بعض الأماكن، وهو ما تأكد خلال العملية الأخيرة، كما أنّ هناك تجييشاً طائفياً يساهم فيه البعض عن قصد أو غير قصد، في الوقت الذي يمكن للجميع مراجعة القيادة والحصول على إجابات شافية بخصوص أيّ ملف، إذ إنّ الجيش شفاف في تحقيقاته، وإنه كما يثني على الإنجازات فإنه يحاسب على الأخطاء.

وتؤكد المصادر أنّ الجيش أنشأ حديثاً مديريةً للتعاون الإنساني والقانون الدولي للإهتمام بالمعايير الدولية من القانون الإنساني لتفادي الوقوع في أخطاء كانت تحدث في الماضي، وتسيء لسمعة الجيش. وبالتالي فإنّ المديرية تقوم بعملها بالكامل وهي على تعاونٍ وثيق مع منظمات تابعة للأمم المتحدة وللمجتمع المدني المعني بحقوق الإنسان.