كتبت البروفسور غريتا صعب في صحيفة “الجمهورية”:
يبدو وحسبما يتردّد إقليمياً أنّ العقوبات على الدول والأفراد والأحزاب تتوالى الواحدة تلوَ الأخرى، وإذا كانت العقوبات على قطر إنذاراً بما هو أشدّ كلفة، فإنّ العقوبات على لبنان وبالتحديد على «حزب الله» يجب أخذها في الاعتبار سيما وأنها تهدّد الاقتصادَ اللبناني.فيما يتردّد أنّ العقوبات الاميركية على «حزب الله» قد تطال افراداً أكثرَ ومؤسساتٍ تتعاطى بشكل أو بآخر مع الحزب، تعلم الولايات المتحدة علمَ اليقين أنّ العقوبات وكيفما جاءت لن تؤثر في الدول، وخير برهان على ذلك إيران؛ خمسة وعشرون سنة من المقاطعة لم تستطع أن تغيّر مجرى الامور وسياسات طهران لا إقليمياً أو دولياً وقد تكون خلقت على العكس اقتصاداً مقاوِماً استطاع ولفترة طويلة مواجهة هذه العقوبات.
اليوم نرى أنّ ترامب لديه أجندة عمل في ما يختص بتقليص دور إيران والاحزاب التابعة لها في المنطقة. لذلك أعاد الى الواجهة قانون مكافحة تمويل «حزب الله» دولياً. وعلى غرار التدابير المتّخذة ضد إيران قبل الاتفاق النووي يعطي هذا القانون وزارة الخزانة الأميركية صلاحية منع مثل هذه المؤسسات من الدخول الى النظام المالي الأميركي، ونشرت لائحة لمجموعة من الهيئات في العالم والخاضعة مسبقاً للتجميد المحلي لأصولها بسبب علاقتها بـ«حزب الله».
قانون مكافحة تمويل «حزب الله» HIFPA بشكله الذي ورد العام ٢٠١٦ دقيق في تفاصيله في ما يختصّ مكافحة التمويل ويشمل جميع الشركات والمؤسسات التي يراها الرئيس الاميركي، وإدارته تتعاطى بشكل أو بآخر مع حزب الله أو تسهّل عمليات تخصّ الحزب أو تتعاطى مع اشخاص واردة اسماؤهم في الـ (SDN list) ووفقاً لما تراه الـ Office of Foreign Assets OFA Control
إذا ما جاءت هذه العملية كمحاولة للضغط على لبنان فالواقع أنها عملية جدّ دقيقة، لا سيما وأنّ الاقتصاد اللبناني يواجه تحدّياتٍ كبيرة مع تداعيات الحرب السورية على لبنان والتي أضعفت التجارة فيه، وأبطأت البناء وأخافت السياح المحتمَلين وهذا كان سبباً وجيهاً في تراجع النموّ منذ العالم ٢٠١١ وسجّل هذا التراجع ارقاماً قياسيًة في العام ٢٠١٥ حيث ووفقاً لـ «البنك الدولي» تباطأ نموّ الناتج المحلّي الإجمالي الفعلي الى ١،٥ بالمئة- والواقع اكثر تشاؤماً لا سيما وأنّ هكذا عقوبات تؤثر وبشكل كبير على علاقة لبنان مع العالم الخارجي لا سيما وحسب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة «أنه من المهم أن يبقى لبنان وقطاعه المصرفي على علاقة مع الاسواق المالية العالمية لا سيما وأننا ما نزال نعاني من عجز في ميزان المدفوعات «وقد نتأثر سلباً بهكذا عقوبات ويبقى الباب مفتوحاً امام جملة احتمالات لا سيما خفض سعر صرف العملة والجوّ السياسي المتقلّب.
هذه، ليست المرة الاولى التي تتّخذ فيها أميركا هكذا اجراءات وتحاكم كل مَن يخالف لا سيما المصارف الدولية التي تعاطت مع إيران في مرحلة سابقة ودفعت جزاءات كبيرة وصلت الى حدود الـ ٩ مليارات دولار للبنك الواحد ما يعني أنّ باستطاعة اميركا ليس فقط أن تعاقب المصارف اللبنانية إنما يمكنها عزلها عن النظام المصرفي العالمي وهذا أمر في غاية الخطورة في ظلّ المعطيات والحالة المتأزّمة في المنطقة ومع زعماء متشدّدين مثل بنيامين نتانياهو في اسرائيل وسياسة اميركا المتقلّبة بين يوم وآخر في ظلّ رئاسة ترامب.
أما وضعية المنطقة المالية فهي بخطر ليس فقط في ظل عقوبات اميركية على حزب الله بل ايضاً عقوبات سعودية- خليجية على قطر ما يعني أنّ الأمور قد تتفاقم وهذه الوضعية لن تكون مريحة للبنان في ظل توترات مناطقية على حدودنا وفي منطقة الشرق الاوسط بشكل عام.
أما نحن في لبنان فعلينا متابعة هذه الأمور بشكل دقيق وإن كانت في بعض الاحيان أموراً مستبعدة، وأن تكون الـ HIFPA مسودة وعلينا أخذ الحيطة والحذر وتشغيل الدبلوماسية الذكية في هذه المرحلة بالذات وأن نتعاطى بإيجابية مع الادارة الاميركية خصوصاً أنّ الكونغرس ومجلس الشيوخ يستطيعان وفي أية لحظة تحويل هذه المسودّة الى ورقة عمل يبدأ العمل بها وأن يوافق الديمقراطيون على وضع هذه الورقة موضعَ التنفيذ.
هذا وحسب Richard Nefew وهو محلّل في مؤسسة Brookings، فإنه مع تنفيذ عقوبات أو بالأحرى تشديد الخناق على «حزب الله» من دون أن يؤثّر ذلك على المصارف اللبنانية لا سيما أنّ لبنان ودائماً حسب Nefew تجاوب كلياً مع القانون الذي صدر في العام ٢٠١٥.
أما ما قد يحدث في القريب غير أكيد وقد تبدو الادارة الاميركية الآن غير مستعدة لهكذا مشروع، إنما كما سبق وذكرنا فإنّ الامور في الادارة غير مستقرة والقرارات تُتّخذ كما رأينا بعد بداية ترامب، على وجه السرعة وبشكل عشوائي دون الاخذ في الاعتبار ما سيتأتّى عن هكذا قرارات.
ولكنّ لبنان ملزمٌ دولياً واقتصادياً تطبيق القوانين الصادرة والملزمة سيما اننا في غنى عن مشاريع عزل للمصارف اللبنانية أو إقصائها عن السوق المالية العالمية، وقد لا نتحمّل عبءَ الجزاءات التي قد تفرضها الادارة الاميركية في حال لم تلتزم المصارف.
خبراءُ العقوبات في واشنطن يعتقدون أنّهم الآن أمام فرصة مناسبة لضرب إيران و»حزب الله» وحلفائهما في المنطقة مع هكذا عقوبات لا سيما وأنّ حرب إيران مستبعدة جداً من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل أو حلفائهما في منطقة الشرق الاوسط وقد يعطي ترامب الضوء الاخضر لإسرائيل لضرب الحزب في لبنان- ولكن اليوم ليس عام ٢٠٠٦ والمعركة قد تكون مفصلية وهناك توازن للقوى على الحدود اللبنانية الإسرائيلية ما يعني أنّ الأمر ليس بالسهل مطلقاً وقد تعيد إسرائيل اعتباراتها جذرياً إن لم تتأكد أنّ حربَها مربحة.
في النهاية، هذه هي السياسة الاميركية، عقوبات وعقوبات على روسيا وإيران وكوريا الشمالية وعلى كلّ مَن يخالف. وحساباتها قد تكون محقّة في بعض الظروف انما غير محقة في الكثير منها ما يعني أنّ الادارة الاميركية سوف تستمرّ في تعقيد موارد الحزب المالية في خطوة منها لمحاربته ما يمسّ الاستقرار ويؤدي الى تكاليف عدم امتثال قاسية جداً لدرجة أنّ القليل من المصارف اللبنانية كما المؤسسات المالية الدولية ستكون مستعدة لهكذا مخاطرة.