كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”:
يقلل الرئيس امين الجميل من ذريعة بعض افرقاء الداخل، القائلين بأن الحوار مع الدولة السورية في ملف عودة النازحين يعوّم نظامها. ذريعة كهذه يراها غير مجدية: «مَن يصدّق ان شرعية النظام السوري تتوقف على موقف لبناني من هنا او هناك؟»
في رأي الرئيس امين الجميل ان هدف اعادة النازحين السوريين الى بلادهم يتقدّم بكثير الجدل الدائر في الداخل حيال شرعية نظام الرئيس بشار الاسد: «لا احد يسألنا عن شرعيته، ولا تسألوا لبنان عنها، بل الدول العظمى واولها الاميركيون والروس ثم الدول الاخرى وصولا الى الدول الاقليمية الكبرى المعنية بالحرب الدائرة هناك. هؤلاء يثبتونها او ينزعونها».
يقوده ذلك الى دعم الرأي المنادي بالحوار مع دمشق لإعادة النازحين الى بلادهم، مع تحبيذه إدارته بشراكة الامم المتحدة.
يشجع الجميّل ــ وهو يحرص على القول انه موقف شخصي لا يعبّر عن سياسة حزب الكتائب ــ على التذكير بأكثر من سابقة خبرها لبنان في ملفات الارهاب، اهمها المفاوضات التي اجراها المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم في السنوات الاخيرة من الحرب السورية بازاء مخطوفي اعزاز وراهبات معلولا واطلاق عسكريين خطفتهم «جبهة النصرة». معظم هذه الوساطات ــ يقول ــ اوصلت الى الهدف المتوخى، الا انها حتمت ليس الحوار مع النظام السوري فقط، وانما ايضا مع معارضيه الذي تسببوا في خطف اللبنانيين في اعزاز وفي خطف الراهبات والجنود، وكان الحوار ضروريا معهم كما مع دول اقليمية اضطلعت بالوساطة كتركيا وقطر.
يقول ايضا: «سوريا اليوم ليست كلها بين ايدي النظام، بل تقاسمه اياها التنظيمات المعارضة الاخرى. لأجل ذلك ينبغي التحدث مع كل مَن هو معني او صاحب دور».
يضيف الجميّل: «يقتضي ان ننظر الى عودة النازحين على انها الاولوية الملحة وقدس الاقداس لأسباب شتى، منها اوضاعهم الانسانية غير الطبيعية التي يمرون فيها، ومنها تفادي تكرار تجربة خبرها اللبنانيون عقودا طويلة مع النزوح الفلسطيني الذي ادى في نهاية الستينات الى تدمير لبنان، مع ان حال النزوح السوري أخطر بكثير من الحال السابقة نظراً إلى الانتماءات المختلفة للنازحين مذهبياً وعقائدياً وتنظيمياً، وهو مصدر الخطر الرئيسي على البلاد، كما على النسيج الاجتماعي والوضعين الاقتصادي والامني. ما يزيد في الامر خطورة هو الدعم اللامحدود الذي توفره الامم المتحدة والمنظمات غير الحكومية بمدهم بكل انواع المتطلبات المالية والسياسية والمعنوية دونما الاخذ في الحسبان مصلحة لبنان واستقراره بشقيه الاقتصادي والامني. من هذا المنطلق ينبغي ان نقوم بكل ما في وسعنا لتحقيق عودة النازحين، والحؤول دون بقاء الوضع الحالي على ما هو عليه والذي ينبئ بمضاعفة الاخطار. في سبيل ذلك علينا ان لا نقف امام حساسيات وعُقد».
الا انه يعوّل على دور ما للامم المتحدة «نظرا الى موقعها القانوني وامتلاكها الداتا الكاملة وقدراتها اللوجيستية على حشد الطاقات والامكانات للمساعدة في الوصول الى هذا الهدف. واذا صحّ ان الجمرة لا تحرق الا في موضعها، الا ان الامم المتحدة كما المجتمع الدولي لا يقاربان مشكلة النزوح السوري على انه في سلم الاولويات، وقد لا يدخل في حساباتهما، فكيف عندما تعرّض هذه المشكلة الكيان اللبناني للخطر في الوقت الحاضر وكذلك في المستقبل. امام لبنان طرق عدة للتوصل الى حل: إما تعاونه مع المجتمع الدولي ومصارحته بغية حضه على اهتمام اكبر، وإما ان تعمد الحكومة اللبنانية الى وضع خطة انقاذية ودراسة ميدانية يلتقي من حولها الافرقاء جميعا في معزل عن اي اعتبار عاطفي او سياسي ضيق، وإما الانفتاح على الاشقاء والاصدقاء بغية تبني الخطة اللبنانية. مع ذلك لا مفر من التعاطي مع سوريا لبلوغ هذا الهدف، لأن من غير المنطقي الاعتقاد بامكان اعادة هؤلاء الى بلادهم دونما التنسيق مع حكومتهم من نواحي مختلفة، سياسية وامنية ولوجستية».
على ان الجميّل يلفت الى «ضرورة مقاربة ملف النزوح بحذر لتجنب جعل سوريا تستغل اي مبادرة لبنانية حيالها بغية توظيفها لمصلحتها، من دون ان نصل الى الهدف المطلوب. في ما نحتاج اليه في الحوار مع سوريا حزام امان متين، فلا نقدم على خطوة تفضي الى نتائج سياسية، ولا نترك النظام السوري يستثمر ما نرمي اليه ويُدخلنا في نفق مفاوضات لا مخرج منها، فنضيع في المتاهات. هدفنا في الاصل ان نصل الى انهاء ملف النزوح على ارضنا وفي مجتمعنا. تجربتنا نحن اللبنانيين في التفاوض مع سوريا، كما تجربتي الشخصية معها إبان ولايتي الرئاسية، مليئة بالشواهد والامثلة. انا ادعو الى الاقدام على مبادرة لبنانية، من الافضل اقترانها بتعاون وثيق مع الامم المتحدة الراعية شؤون النازحين. ما نريده منها ان تكون معنية، لا بل فريقا اساسيا في معالجة المشكلة».
مع ذلك يلاحظ ان مهمة اعادة مليوني نازح سوري الى بلادهم «ليست سهلة وإن لم يرجعوا جميعا دفعة واحدة. نحن نعاني من مشكلة نزوح وفد إلينا من كل الانحاء السورية التي لا تخضع كلها للنظام الحالي ولا لحكومته».
يتوقف الرئيس السابق للجمهورية امام انقسام مجلس الوزراء بين مؤيد للتواصل مع دمشق ومعارض له، ويقول ان الطريقة التي يتبعها المسؤولون ومجلس الوزراء في هذا الفريق او ذاك واستنادهم الى مواقف مسبقة «لن تقتصر على الإضرار بالمصلحة الوطنية والعامة، بل سيقودنا نهج كهذا الى يوم نصحو على النازحين السوريين وقد تأقلموا مع الحياة على الاراضي اللبنانية، وحوّلوا مخيماتهم الى مقار سكنية ثابتة مبنية، وانخرطوا في دورة الحياة اليومية للبنانيين، ما يحيل النزوح الى اقامة دائمة مع كل ما يترتب على ذلك من نتائج مدمرة للنسيج الوطني اللبناني اولاً، وللنسيج الاجتماعي ثانياً، وللتركيبة الاجتماعية الحساسة اساسا ثالثاً. كلما طال الوقت وتأخرنا في الوصول الى حلول، تصبح هذه اصعب واقسى بتداعياتها علينا، وتتطلب عندئذ تنازلات كبيرة وخطيرة».
بيد انه يتفادى الخوض في تفاصيل الحوار مع سوريا، ويشدد على ان «اي تواصل يقتضي حمايته بحزام امان يقيه من الانعكاسات الخطيرة»، ويدعو الى العمل على «اطلاق مبادرة اعادة النازحين تحرج الداخل والخارج في آن. قد تتذرع الامم المتحدة بالاوضاع السائدة في سوريا، وهي تبدو في اعتقادي غير مستعجلة على العودة تلك. لكن ذلك لا يعفينا من عدم التحرك لإعادتهم الى مناطق باتت آمنة دونما انتظار ضوء اخضر من هنا او هناك. نعيدهم اليها تدريجا، الا ان ذلك لن يحصل من دون تنسيق مع الدولة السورية والامم المتحدة في آن».