كتب ناجي سمير البستاني في صحيفة “الديار”:
بحسب المادة 41 من الدُستور اللبناني، «إذا خلا مقعد في المجلس (النوّاب) يجب الشروع في إنتخاب الخلف في خلال شهرين. ولا تتجاوز نيابة العُضو الجديد أجل نيابة العُضو القديم الذي يحل محلّه. أمّا إذا خلا المقعد في المجلس قبل إنتهاء عهد نيابته بأقلّ من ستة أشهر فلا يُعمد إلى إنتخاب خلف». وبالتالي إنّ عدم تنظيم إنتخابات فرعيّة لكل من المقعد النيابي في كسروان الذي شغر بإنتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهوريّة، والمقعد النيابي الأرثوذكسي في طرابلس والذي شغر بإستقالة النائب روبير فاضل، والمقعد العلوي في طرابلس والذي شغر بوفاة النائب بدر ونّوس، يُشكّل مُخالفة صريحة للدُستور، خاصة بعد إقرار مجلس النوّاب الحالي تمديد ولايته حتى أيّار المقبل. من هنا، بدأ حجم المُطالبة بإجراء الإنتخابات الفرعية للمقاعد الثلاثة يتصاعد، وذهب البعض إلى درجة تحديد النصف الأوّل من أيلول المُقبل موعدًا لهذه الإنتخابات. وفي ظلّ ميل أغلبيّة الدُستوريّين إلى تأييد التصويت الأكثري في هذه الإنتخابات الفرعيّة باعتبار أن لا معنى لإجراء الإنتخابات وفق قانون النسبيّة، حيث أنّ التنافس سيكون على مقعد واحد في كسروان، وعلى مقعدين عائدين إلى مذهبين مُختلفين في طرابلس، يبدو أنّ الإتجاه الغالب هو لإجراء الإنتخابات وفق القانون الأكثري، علمًا أنّ القانون الجديد يفرض إجراء الإقتراع وفق النسبيّة إذا كان الشغور يطال أكثر من مقعدين في أيّ دائرة، وهذا ما لم يحصل. ولا تزال مسألة حجم الدوائر الإنتخابيّة محلّ أخذ وردّ، لجهة إعتماد تقسيمات القانون الجديد أم تقسيمات «قانون الستّين المعدّل»، حيث أنّ قضاء كسروان مفصول عن قضاء جبيل في القانون القديم ومدمج به في القانون الجديد، وطرابلس تُشكّل مع المنية والضنية دائرة إنتخابيّة واحدة في القانون الجديد، وهو ما لم يكن قائمًا في القانون السابق.
في كل الأحوال وبعيدًا عن التباين بشأن إجراء الإنتخابات الفرعيّة من عدمه، ووفق أي قانون وأي تقسيمات، لا بُد من الإشارة إلى أنّه في حال إجراء الإنتخابات الفرعيّة في أيلول، فإنّ المسـألة لن تـكون نزهة لأي جهة، نتيجة عزم الكثير من الأطراف على الدخول في المعركة، إظهارًا لحيثيّاتها الشعبيّة، وذلك كعرض قوّة مُسبق تمهيديًا للإنتخابات النيابيّة الشـامـلة في أيّار 2018. وفي هـذا السياق، لفـتت مصادر سياسيّة مُطلعة إلى أنّ أكثر من جهة سيـاسيّة ومن شخصيّة رفيعة بدأت تحضيراتها لهذه المعـركـة التي وإن كانت لن تُشكّل عـامـلاً حاسمًا لنتـائج دورة أيّار 2018، بسبب الفوارق في عدد المُرشّحين وفي طبـيعة التصويت وربّما في طبيعة التحالفات، إلا أنّ الأكيد أنّ إنكشاف أوراق أي فريق سياسي بشكل كامل قبل موعد الإنتخابات الشاملة بنحو ثمانية أشهر سيـترك آثارًا إيجابية أو سلبيّة كـبيرة، بحـسب النتـائج المُحـقّقة.
وبالنسبة إلى المقعد الماروني الشاغر في كسروان، أشارت المصادر إلى أنّ «التيّار الوطني الحُرّ» يُريد الإحتفاظ بهذا المقعد، نظرًا إلى رمزيّته الكبيرة، حيث أنّه يعود لرئيس الجمهورية قبل إنتخابه، وبالتالي من الضروري أن تشغله شخصيّة وازنة ومُواليًة سياسيا وفكريا لنهج العماد عون ولسياسة «التيار البُرتقالي». ويبدو أنّ الخيار سيقع على العميد المُتقاعد شامل روكز لخوض هذه المعركة في حال حُصولها، حيث يتمنّى «التيّار الوطني الحُر» – بحسب المصادر نفسها أن تتمّ الإنتخابات بالتزكية بسبب رمزيّة المقعد من جهة، ومحدودية الولاية من جهة ثانية، وهو ما يتقاطع مع رأي البطريركية المارونيّة صاحبة الكلمة المسموعة لدى الكثير من الناخبين في كسروان. وأضافت المصادر عينها أنّ «القوّات اللبنانيّة» لا تُريد من جهتها تحوّل الإنتخابات الفرعيّة في كسروان إلى معركة كسر عضم، خاصة وأنّ تحالفات المعركة الفرعيّة لن تكون على الأرجح هي نفسها تحالفات معركة الإنتخابات في أيار المُقبل. ومن المُرجّح – بحسب المصادر نفسها، أن تتجه «القوات» نحو دعم المُرشّح «العَوني» أيّا يكن، لاعتبارها أنّ موعد المُنافسة الجدّي لم يحن بعد، من دون إستبعاد إحتمال بقائها على الحياد أيضا. لكن في المُقابل أضافت المصادر نفسها، يرفض النائب السابق فريد هيكل الخازن هذا المنطق، ويُطالب بمعركة إنتخابيّة ديمقراطية، وهو بدأ يُعدّ العدّة لها، مُحاولاً إستمالة أكثر من جهة لدعمه، مثل أحزاب «الكتائب» و«الأحرار» و«المردة»، ويلعب على وتر عدم جواز ترشّح شخصيّات من خارج كسروان لتمثيل المنطقّة، بغض النظر عن وزن هذه الشخصيّات وعن إحترام الجمهور لها. وتابعت المصادر نفسها كلامها بالقول إنّ شخصيّات أخرى تستعد أيضًا للعب ورقة الإنتخابات الفرعيّة في كسروان، إن لم يكن للربح فبهدف حصد أكبر رقم مُمكن من المؤيّدين، لاستثمار هذا الأمر في انتخابات أيّار 2018، لجهة حجز أحد المقاعد على إحدى اللوائح الأساسيّة.
وبالنسبة إلى المقعدين الأرثوذكسي والعلوي الشاغرين في طرابلس، أكّدت المصادر السياسيّة المُطلعة أنّ فرص حُصول توافق عليها معدومة تمامًا، بسبب رغبة مُختلف المرجعيّات في المدينة في إثبات حيثيّاتها الإنتخابيّة وإمتداداتها الشعبيّة، لتتمكّن من رفع سقف مطالبها عندما تحين مُفاوضات تشكيل اللوائح الإنتخابية الكاملة والخاصة بدورة انتخابات أيّار 2018. وأضافت أنّ «تيّار المُستقبل» لن يتنازل عن هذين المقعدين من دون معركة، وهو سيضع كل ثقله للإحتفاظ بهما من جهة، ولإثبات إستمرار حُصوله على دعم شرائح واسعة من أبناء طرابلس. وعلى خطّ مواز، يرغب رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي بخوض المعركة – وإن كان لم يُعلن ذلك حتى تاريخه، وهو سيدعم المرشّح الأرثوذكسي الوزير السابق نقولا نحاس، وسيعمل على التوافق مع الطائفة العلويّة على مُرشّح واحد. وبالنسبة إلى المدير السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، فإنّه يرغب بدوره بتكرار المفاجأة التي حقّقها في الإنتخابات البلديّة، من خلال دعم مُرشّحين يتقاطع إختيارهما مع رأي «المُجتمع المدني» ومع نبض الشارع الطرابلسي وفئاته الشعبيّة بالتحديد، من دون استبعاد التحالف مع أيّ شخصيّة طرابلسيّة وازنة.
وختمت المصادر السياسية كلامها بالتأكيد أنّ نسبة تنظيم الإنتخابات الفرعيّة لملئ المقاعد النيابيّة الثلاثة الشاغرة هي أعلى من نسبة عدم تنظيمها، مع أرجحيّة كبيرة للقانون الأكثري على النسبي، لكن في ظلّ ضبابيّة مُستمرّة بشأن التقسيمات الإنتخابيّة. وأضافت أنّ أغلبيّة القوى السياسيّة لا تريد هذه الإنتخابات، لكنّها ستجد نفسها في نهاية المطاف مُلزمة على خوضها بكامل قوّتها، كأمر واقع ضمن صراع النفوذ السياسي، وذلك تحضيرًا لانتخابات أيّار 2018 الشاملة.