Site icon IMLebanon

هل تُفجِّر “قنبلة” التطبيع مع الأسد التسوية السياسية في بيروت؟

 

 

 

كتب وسام أبو حرفوش في صحيفة “الراي” الكويتية:

مخاوف من لجوء الجماعات الإرهابية المنهارة في العراق وسورية إلى مخيّمات النازحين في لبنانلم يكن عادياً في بيروت تَزامُن سرَيان اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب سورية، بقوّةِ التفاهم الأميركي – الروسي على ترسيمِ مناطق النفوذ وخرائطها في بلاد الشام، مع الضجيج الذي أحدثتْه عشر غاراتٍ لطيرانِ نظام الرئيس بشار الأسد على جرودِ بلدةِ عرسال اللبنانية المتاخمة للحدود الشرقية مع سورية.

فصمْتُ المدافع جنوب سورية و«لعْلعة» الانفجارات شرق لبنان، يرتبطان بعملية تطويعٍ جيوبوليتيكية للخرائط في المنطقة وبين لاعبيها في لحظةِ مقايضاتٍ كبرى تنخرط فيها روسيا وأميركا وإيران وتركيا واسرائيل، عنوانها المرحليّ الآن مناطق خفْض التوتر الأربع، أما مستقبلها فمفتوحٌ على فصولٍ أكثر إيلاماً في صراعٍ يحشد العالم بأسْره فوق مسرحٍ لاهبٍ اسمه الشرق الأوسط.

وبدا لبنان، الذي تفادى طويلاً عصْف البركان السوري عندما أدار ظهره لتحوُّل «حزب الله» جيشاً عابِراً للحدود ويُقاتِل في أصقاع سورية وسواها، واحتوى مفاعيل وجود «جيشٍ» من مليون نازح سوري وأكثر على أراضيه، وكأنه اقتيد الآن الى «الدوّامة» السورية بتوقيتٍ حددّتْه الأجندة الاستراتيجية لـ «حزب الله» كلاعبٍ إقليمي يَعرف ماذا يريد ومتى وكيف.

فربطاً بمجريات الميدان السوري وترتيباته، أَطْلق «حزب الله» معركةً مزدوجة عنوانها «تحرير» جرود عرسال، وهي المنطقة الوحيدة التي ما زالت «عصيّة» على الحزبِ المُمْسِك بالحدود السورية – اللبنانية الشمالية والشرقية، وفتْح حوارٍ مع نظام الأسد لتمكين لبنان من إعادة النازحين السوريين الى بلادهم، وهي المعركة التي بدأتْ تَتَسبّب بـ «معارك جانبية».

وتوحي الوقائع في جرود عرسال وحوْلها بأن المعركة التي يتولّاها «حزب الله» والجيش السوري في المقلب السوري، والجيش اللبناني في مناطق تَمَرْكزه، بدأتْ عملياً بالترويج الإعلامي لها وبغاراتِ الطيران والقصف التمهيدي، وسط اعتقادٍ انها لن تكون سهلة او خاطِفة نتيجة الطبيعة الوعرة للجرود واضطرار مسلّحي «داعش» و«النصرة» للقتال حتى «آخر نفَس» بعدما باتوا محاصَرين.

وبالسقوط المفترَض لجرد عرسال، يكون «حزب الله» نجح في انتزاع «الشوكة» الأخيرة في طريق ربْط لبنان بـ «سورية المفيدة» التي تم التفاهم على جعْلها تحت إدارةٍ إيرانية – روسية في إطار تَقاسُم مناطق النفوذ في سورية، وتالياً يكون للحزب ما أراد عبر الإمْساك بالحدود وجعْلها مفتوحةً على وهج وجوده على المقلبيْن.

وثمة مَن يعتقد ان معركة النازحين وإعادتهم الى سورية ليست معزولة عن معركة جرود عرسال وتالياً عن ربْط لبنان بـ«سورية المفيدة». فـ «حزب الله» الذي دفَع بقوةٍ الى جعْل ملف النازحين أولويةً من بوابة الضغط في اتجاه حوارٍ مع نظام الأسد، يتحرّك من منطلقاتٍ عدّة:

* ان النازحين السوريين الذين يناهز عددهم نحو مليون ونصف المليون شخص، غالبيّتهم من المعارضين للنظام السوري تبعاً لانتماءاتهم المذهبية والجغرافية، وهم يشكّلون تالياً خزّاناً بشرياً لمصلحة خصوم «حزب الله» في لبنان، أي «تيار المستقبل» بزعامة رئيس الحكومة سعد الحريري.

* الخشية من أن تجد الجماعات الإرهابية التي تعاني الانهيار في العراق وسورية، أي «داعش» وسواه، ملاذاً في مخيّمات النازحين المترامية في لبنان، وجعْلها بيئة حاضنة لتلك الجماعات وأجنْداتها الأمنية، وهو الأمر الذي يتحسّب له «حزب الله».

وإذا كان «حزب الله» كسواه، يدرك أن النظام في سورية لن يعيد إلى أحضانه مئات الآلاف من النازحين المناهِضين له، فتصبح الدعوة إلى فتْح حوارٍ معه لمناقشة سبل عودة النازحين الهدف منها معاودة تطبيع العلاقة بين بيروت ودمشق، وهو الأمر الذي يرفضه رئيس الحكومة سعد الحريري بـ «التكافل والتضامن» مع أطراف أخرى في الحكومة.

واللافت في هذا السياق ان إيحاءاتِ فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون («التيار الوطني الحر») بالحاجةِ الى التنسيق مع حكومة دمشق لإعادة النازحين (انسجاماً مع مطلب «حزب الله») من شأنها وضْع التسوية السياسية في لبنان برمّتها على المحكّ، وهو ما ألمح إليه قريبون من الحريري عندما تحدّثوا عن أن التسوية التي أتتْ بعون رئيساً استندتْ الى تفاهُمٍ على أن الموقف من النظام في سورية مسألة خلافية لا يمكن القفز من فوقها.

ويسود الاعتقاد في بيروت ان الحريري لن يتهاون حيال محاولاتِ دفْع حكومته الى تطبيع العلاقة مع نظام الأسد أو أي ممارساتٍ يُراد منها إحراجه، كملابساتِ مقتل أربعة موقوفين سوريين لدى الجيش اللبناني، تحدثتْ رواياتٌ عدة عن أنهم قَضوا تحت التعذيب.

فبعدما كان طالب خلال جلسة مجلس الوزراء الأسبوع الماضي بإجراء تحقيقٍ لجلاء ملابسات وفاة السورييين الأربعة، دعا الحريري قائد الجيش العماد جوزف عون للاجتماع به اليوم في السرايا الحكومية، للاطلاع منه، على أغلب الظنّ، على مجريات التحقيق في هذه المسألة البالغة الحساسية.

فبالرغم من الرواية الرسمية التي كانت نقلتْها «الراي» عن مسؤولٍ أمني رفيع تحدّثتْ عن «ظروف طبيعية لوفاة الأربعة»، فإن شكوكاً متزايدة تحوط هذه القضية التي من المرجّح ان تشهد المزيد من الأخذ والردّ في بيروت.