Site icon IMLebanon

عن تجربة الرئيس الحزبي وغير الحزبي

 

كتب ناصر زيدان في صحيفة “الأنباء” الكويتية:

منذ الاستقلال في العام 1943 تعاقب على موقع رئاسة الجمهورية في لبنان 11 رئيسا، إضافة الى انتخاب رئيسين اغتيلا قبل تسلمهما سدة المسؤولية، وهما بشير الجميل ورينيه معوض.

وكانت صلاحيات الرئاسة وفقا للدستور اللبناني، على شيء قبل اتفاق الطائف في العام 1989، وأصبحت على شيء آخر بعد التعديلات التي أجريت على الدستور بموجب الاتفاق المذكور الذي انهى الحرب الاهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاما.

قبل اتفاق الطائف تولى الموقع الاول في الدولة سبعة رؤساء، اختلف نهج كل منهم عن الآخر، ولكن تبين ان الرئيس الذي كان يقود حزب – او حركة سياسية – منهم، انتهى عهده الى اضطرابات. فبشارة الخوري (1943- 1952) واجه ثورة بيضاء فاستقال، وكميل شمعون (1952- 1958) واجه انتفاضة مسلحة فلم يتمكن من التجديد وغادر الموقع، وعهد امين الجميل (1982 – 1988) انتهى الى حرب طاحنة.

بعد اتفاق الطائف، تولى موقع الرئاسة حتى الآن 4 رؤساء، كان لكل منهم تجربة خاصة، ولكن اثنين منهم (الياس الهراوي 1989- 1998) و(اميل لحود 1988- 2007) توليا الحكم إبان وجود القوات العسكرية السورية في لبنان، وكانا خاضعين لثأثيراتها الى حد كبير، ولكنهما لم يكونا حزبيين. اما الرئيس ميشال سليمان (2008 – 2014) فلم يكن حزبيا ايضا، ومارس الحيادية بين القوى السياسية المتصارعة، ولم يكن لديه تيار سياسي يستثمر موقعه، او يواكبه في حركيته السياسية.

الآن تم انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية بالتوافق في نهاية شهر اكتوبر 2016، وهو رئيس حزب (التيار الوطني الحر) ورئيس كتلة نيابية كبيرة (تكتل التغيير والاصلاح).

 

وقد اعلن فور تسلمه مقاليد الحكم، انه رئيس لكل اللبنانيين، ومسؤول عن رعاية مصالحهم جميعا، واقسم يمين الإخلاص للأمة وحفظ الدستور امام البرلمان، وفقا لما تنص عليه المادة 50 من الدستور، ووصفه مناصروه: انه «بي الكل».

لم يصدر عن الرئيس عون حتى الآن ما يوحي بأنه يتصرف بنمطية حزبية، رغم التداعيات التي حصلت قبل إقرار القانون الجديد للانتخابات النيابية في منتصف يونيو الماضي. والخطاب السياسي العلني الذي يعتمده يحمل توازنا مقبولا، وجميع القوى السياسية تتفهم ظروفه، ولديها القرار بمساعدته للحفاظ على الدولة، وعلى التماسك الوطني في ظل الأجواء المخيفة التي تحيط بلبنان من كل حدب وصوب.

وهذه القوى سهلت له تشكيل الحكومة بسرعة قياسية، ولم تختر لهذه الحكومة وزراء مشاكسين، ولم تعرقل في اغلبية الملفات التي طرحها الرئيس، رغم ملاحظاتها الكبيرة، ومنها خصوصا: موضوع النفط والكهرباء والاتصالات.

بعض ملامح الاستثمار الحزبي لموقع الرئاسة برز في المرحلة الأخيرة، ومن هذا الاستثمار شيء يشبه ممارسات سليم الخوري (او السلطان سليم كما كان يطلق عليه) وهو شقيق الرئيس الراحل بشارة الخوري، الذي سيطر على الإدارة اللبنانية في عهد شقيقه، وكان السبب الأساسي للانتفاضة التي واجهت الرئيس الخوري.

وفي بعض الممارسات التي طافت على السطح في المدة الاخيرة ايضا، ما يشبه التحشيد الميليشياوي الذي يضر الرئاسة، ويضعها في الموقع التحزبي الضيق، وقد يجر عليها تداعيات تشبه ما حصل في الماضي، اذا ما تفاقمت الأمور اكثر.