ينظر مجلس الوزراء في جلسته في السراي غدا، في “الآلية” التي كان اتفق على اعتمادها عام 2010، أيام حكومة الرئيس سعد الحريري الاولى، لإنجاز التعيينات في المواقع الادارية، وفقها. وكان الهدف من اقرارها آنذاك، وضع حد للتدخّلات السياسية التي تعوق إتمامها وتُبقي مناصب الفئة الاولى شاغرة أو تُدار بـ”الوكالة”.
البند 20 من جدول أعمال جلسة الغد يلحظ “إعادة النظر في آلية التعيينات” وقد تم إدراجه بعد ان شدد الحريري في الجلسة الماضية على وجوب بتّ هذه المسألة وتحديد توجّه نهائي ازاءها بين خيارَين: تكريسها أو تعليقها، في ظل الخلاف السياسي بين فريق وزاري يتمسّك بها يضم القوات اللبنانية وحزب الله كونها ضرورية لضمان شفافية التعيينات وإبعاد منطق “التراضي” والصفقات السياسية عنها، مقابل تفضيل التيار الوطني الحر والمستقبل، وضعها جانبا كون العودة الى الآلية، تؤخّر إنجاز التعيينات فيما المطلوب الانتهاء منها بسرعة لاطلاق عجلة العمل المؤسساتي والاداري بما يلاقي طموحات العهد النهضوية.
مصادر سياسية مراقبة تشرح للوكالة “المركزية” أن الآلية أبصرت النور بدفع من الرئيس السابق ميشال سليمان والحريري عام 2010 بعد أن أيقنا حجم التعقيدات التي تعترض إنجاز التعيينات، وقد عملت على وضعها لجنة رأسها وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية آنذاك جان أوغاسابيان، ونصّت على أن يتولى الوزير المختص ووزارة التنمية الادارية ومجلس الخدمة المدنية النظر في ملفات وسجلّات من يرغبون في بلوغ أي منصب إداري فتحال الاسماء الافضل في رأي هذه الاجهزة الى مجلس الوزراء، لاختيار واحد منها. وكان الهدف من هذه الآلية، وضع كفاءة المرشح وسيرته الذاتية والمهنية معيارا أوّل لتوليه المنصب، بما يضع حدّا في المقابل لضرورة ان يكون المرشح تابعا لفريق سياسي معين أو مستزلما لأي “زعيم” ليتبوّأ المركز.
المصادر تقول ان “هذه الآلية التي حاول الرئيس سليمان تحويلها قانونا ملزِما من دون أن يفلح، نالت موافقة القوى السياسية كلّها آنذاك، الا ان لم يتم اللجوء اليها مرّة في مجلس الوزراء وبقيت للأسف حبرا على ورق”.
واليوم، ومع اصرار العهد على إنجاز سلة تعيينات في المواقع الادارية والقضائية والدبلوماسية الشاغرة، عادت الآلية الى الواجهة، ويرتقب ان يبت مجلس الوزراء في مصيرها غدا…
وهنا، تنبّه المصادر من ان الاستغناء عنها سيعيد المحسوبيات السياسية الى رأس معايير التوظيف، وسيعزز قاعدة “مرئلي تمرّئلك” في الادارات العامة، فيعيّن طرف سياسي-مذهبي مَن يناسبه في موقع محدد برضى القوى الأخرى، مقابل ان يقبل هذا الطرف بالاسم الذي تقترحه هذه القوى في مركز آخر. وترى المصادر ان هذا الاداء غير سليم ولا يبني أوطانا، اذ يعزز منطق الاستزلام لدى الموظفين بدل ان يكون “ربّ عملهم” الاول والاخير هو الدولة اللبنانية، لا فريقا محددا فيها.
واذ تلفت الى ان بعض القوى قد يكون رافضا للآلية لأنها تحدّ من نفوذه وتقلّص من تأثيره في مواقع وإدارات يتطلّع الى ان تكون أداة طيّعة في يده في المرحلة المقبلة وعلى عتبة الانتخابات النيابية خصوصا، تشدد المصادر على ضرورة ان تبقى الكفاية والنزاهة والخبرة المعيار الاول والاخير للتعيين، وذلك يتطلّب إبقاء مجلس الخدمة المدنية (والادارات المعنية الاخرى) مرجعيةً للبت في هذه المسألة، فتختار الشخص المناسب في المكان المناسب. أما تجاوزه وإبعاده عن التعيينات، فسيفتح الباب واسعا امام موظفين ولاؤهم الاول لمن عيّنوهم وليس للوطن، ما يقوّض مسيرة بناء الدولة التي يريدها العهد.