كتب نقولا ناصيف في “الأخبار”:
يُنتظر أن تصدر في الساعات المقبلة تقارير أربعة أطباء شرعيين بناءً على قرار النيابة العامة التمييزية في وفاة أربعة موقوفين سوريين بعيد اعتقالهم في العملية العسكرية للجيش في عرسال، تزامناً مع تقرير آخر للجيش يفصح عن أن وفاتهم سبقت إخضاعهم للتحقيق.
من شأن تقارير الأطباء الشرعيين الأربعة وضع حد نهائي للجدل الدائر حول أسباب وفاة الموقوفين السوريين الأربعة، في العملية العسكرية الأخيرة للجيش في عرسال في 30 حزيران، بعدما تردد أنهم قضوا في أثناء التعذيب، ما تسبّب بردود فعل متباينة حيال المؤسسة العسكرية، انضمت إليها هيئات دولية تبنّت الشائعات نفسها، وراحت تلحّ على إجراء تحقيق في الوفاة، قبل أن يلتحق السياسيون بالحملة ذاتها في محاولة لإحراج الجيش.
سرعان ما تكشّف جانب آخر، مخفي، توخى استباق أي دور للجيش في العملية العسكرية التي يشاع أن حزب الله والجيش السوري سيخوضانها قريباً لإنهاء وجود التنظيمات الإرهابية في الجرود السورية واللبنانية وتنظيفها نهائياً منها.
لكن تقريراً آخر سيصدر في الأيام القليلة المقبلة عن مديرية القانون الدولي وحقوق الإنسان، المحدثة في الجيش قبل ست سنوات بناءً على تنسيق وتعاون مع البعثة الدولية للصليب الأحمر ومنظمات حقوق الإنسان، ويرأسها العميد مروان عيد، يتناول وقائع ما حصل في توقيف السوريين الـ 356 ووفاة الأربعة أولئك.
وفق مراجع واسعة الاطلاع، ثمة معطيات أساسية مرتبطة بالوقائع الأخيرة:
1 ــ لا تنسيق بين الجيش وحزب الله حيال الحملة العسكرية التي يتردد أن الحزب يعتزم قيادتها مع الجيش السوري، بدءاً من الجرود السورية. ما يؤكده الجيش أن لا تنسيق، والمعلومات المتوافرة لديه حيالها مستقاة من وسائل الإعلام.
بيد أن ذلك يقتضي أن لا يُفسَّر على أن الجيش سيقف متفرّجاً. ما سيكون معنياً به هو أن أي تحرّك للإرهابيين في الجرود الشرقية داخل الأراضي اللبنانية أو وافدة من الجرود السورية، سيقابله بالمواجهة في أي وقت يحصل “بأمر أو من دون أمر”. المنطقة المحيطة بعرسال، المتعارف على تسميتها منطقة جاهزية الجيش وتضم 111 مخيماً للنازحين، ليس من السهل اختراقها، وقدرات الجيش من حولها متينة ومتماسكة في الدفاع عن مراكزه، قبل المعركة هذه وبعدها. لا يحول ذلك دون القول إن الحملة العسكرية لن تكون بالضرورة نزهة. ليست مستحيلة بمقدار ما هي صعبة.
2 ــ لا علاقة البتّة بين العملية العسكرية الجاري الكلام عليها ووفاة أربعة موقوفين سوريين لأسباب طبيعية. إلا أن محاولة الربط بينهما لا تقتصر على إثارة علامات استفهام حيال العملية العسكرية التي نفذها الجيش في عرسال في 30 حزيران، بل محاولة استثمار سياسي للجدل الدائر حيال التفاوض ــ أو عدمه ــ مع الحكومة السورية بغية إعادة النازحين السوريين الى بلادهم. جدل تحوّل في مجلس الوزراء الى خلاف، فانقسام بين مؤيد ومعارض راح يتوسّع في الشارع. إلا أن الجيش غير معني بكل ما يدور من حول ذلك، وهو تالياً ليس المكان الملائم لاستثمار عمل أمني في خلافات سياسية.
3 ــ كما في كل مرة، ما إن تصل إليه معلومات عن وجود إرهابيين في مخيمات النازحين فيتحرّك لدهمها، فعل ذلك مع مخيمات عدة: عملية واحدة عام 2015 و3 عمليات عام 2016. ذلك ما حدث أيضاً مع مخيمي القارية والنور ــ وهما أكبر المخيمات الـ 111 في منطقة جاهزية الجيش ــ حينما تبلغ تحضيرات لهجمات إرهابية محتملة ستُصدّر منهما. مع التأكيد أن الإرهابيين الذين هاجموا مراكز الجيش في عرسال في 2 آب 2014 وخطفوا عسكريين خرجوا من مخيم القارية، بينما تسبّب مخيم النور في اليوم التالي، 3 آب، في الاشتباك مجدّداً مع الجيش واستشهاد العقيدين نور الدين الجمل وداني حرب بعدما خرج منه الإرهابيون.
طوّق الجيش المخيمين: أخرج المقيمين فيهما، عمد الى فرز النساء والأطفال والعجز عن الشباب، فتش المخيمين في الداخل بعد إفراغهما تماماً من المقيمين فيهما. كان يعثر في حالات مماثلة على قنابل أو صناديق ذخائر أو أسلحة فردية. لكن ما حدث في مخيم القارية مختلف. بعد تفتيش الخيمتين الأوليين، ظهر الانتحاري الأول في الخيمة الثالثة وفجّر نفسه، ثم توالت الهجمات. في مخيم القارية، ثلاثة انتحاريين فجّروا أنفسهم في ثلاث خيم متتالية، إضافة الى العثور على أربع عبوات ناسفة معدة للتفجير، ففجّرت بسبب تعذّر تفكيكها. أما الانتحاري الرابع، ففجّر نفسه في مخيم النور، ما أسفر عن إصابة 24 عسكرياً بجروح؛ بينهم ثلاثة فقدوا بصرهم.
في الاستنتاج الآتي: أربعة انتحاريين وأربع عبوات، ما يعني ثمانية تفجيرات محتملة كانت ستقع في أي مكان في لبنان، ستؤدي الى قتلى وجرحى بالمئات، لو لم ينفذ الجيش عمليته الوقائية. من الانتحاريين الأربعة، أمكن التعرّف الى هوية ثلاثة، نقلوا الى مستشفى مدني. فيما لم يتبقّ من الرابع سوى أشلاء، وسرعان ما صدر قرار بتسليم الجثث الثلاث الى عائلاتها.
4 ــ في حصيلة عملية 30 حزيران، أُوقف 356 سورياً اقتيدوا الى أحد مباني القاعدة الجوية في رياق للتحقيق معهم. أجرى طبيب كشفاً صحياً عليهم، فتبين أن بينهم 15 مريضاً توزعوا على المستشفيين الحكوميين في زحلة وبيروت، بعدما رفض قائد الجيش العماد جوزف عون إدخالهم الى المستشفى العسكري.
في غداة الأول من تموز مات أحدهم، ولم يكن التحقيق قد بدأ مع الموقوفين الـ 356. لم يكن لدى الجيش عدد كاف من المحققين مع هذا الكمّ من الموقوفين، منهم مَن كان بلا أوراق ثبوتية، وبينهم مَن كانوا في ملابس رثة أو نصف ملابس، فاستعين بالبعثة الدولية للصليب الأحمر لتزويدهم بثياب. بعد ظهر اليوم نفسه، الأول من تموز، توفي ثانٍ ثم ثالث، ولم يكن التحقيق قد بدأ معهما حتى أو مع سواهما. بعد ذلك، بسبب اكتظاظهم في مبنى واحد، وُزّع من الموقوفين 165 على ثمانية أماكن؛ من بينها فرعا مديرية المخابرات في الجنوب والشمال وسواهما. توفي الرابع في قسم الطوارئ في المستشفى الحكومي في بيروت، فيما الثلاثة الأولون توفّوا في المستشفى الحكومي في زحلة. صار الى الكشف الطبي على الأربعة المتوفّين بإشراف القضاء، وأتت تقارير الأطباء الشرعيين الأربعة أن أياً منهم لم يتعرض لأي تعذيب.
5 ــ صادف الحظ السيئ أن تسليم جثث الانتحاريين الثلاثة الى عائلاتهم تزامن مع صدور بيان عن الجيش تناول وفاة أربعة موقوفين. اختلط الأمر، ما فتح الباب أمام جدل واسع ربط بين هاتين المجموعتين كي يقال إن المتوفين طبيعياً هم الانتحاريون الثلاثة الذين تهشمت أجسادهم وتشوّهت من جراء التفجير الانتحاري، مع تسريب فيديو بتعرّض موقوفين للضرب على أيدي عسكريين، اكتشف لاحقاً الفاعلون، وهم بالفعل عسكريون عوقبوا، فرُبط أيضاً بين ضرب موقوفين ووفاة الأربعة كي يقال إن هؤلاء هم أولئك. قامت الضجة ولم تقعد مع تحرّك هيئات دولية والمجتمع المدني، ما أوجب اجتماع قائد الجيش بالسفراء الأجانب، ومدير المخابرات العميد أنطوان منصور بالملحقين العسكريين لشرح حقيقة الأمر.