IMLebanon

حكاية “الثلاجة الملعونة”!

 

تقرير هافنغتون بوست: غير موجود في الوجود”.. هذا هو وضعك إذا صرت أحد نزلاء الثلاجة الملعونة…

وللثلاجة في مصر بحسب روايات أبطال هذا التقرير تعريف بعيد كل البعد عمَّا اعتدته في حياتك اليومية أياً كان عمرك أو جنسيتك أو ثقافتك، لا يقترب منه إلا في فكرة “التخزين”، ولكنه هنا يشمل نوعاً آخر من التخزين بخلاف الأطعمة، إنه تخزين البشر، الأحياء منهم لا الأموات!!

أحياء تهمتهم أنهم حصلوا على أحكام بالبراءة في قضايا يصفونها بأنها “سياسية”، فقررت السلطات أن تخزنهم كـ”متهمين تحت الطلب”، في أي حادثة تجدُّ، بحسب رسائل مسربة من بعض الأقسام، وصلت هاف بوست عربي.

عندما تلقيت هذه الوريقات المهترئة وتصفحت كلماتها دامية اللون والمعنى، اختلطت الحدود الفاصلة بين فانتازيا الأدب وروايته المصرية والعالمية عن قصص مشابهة في فترات صراع وانقلابات، وبين فانتازيا الواقع الذي ترويه السطور، عن 309 إنسان داخل تلك “الثلاجة” المشؤومة.

 

ثلاجة بني سويف

كانوا في طريقهم من السجون إلى أقسام الشرطة بمحافظة بني سويف (وسط)، التي من المفترض أن يتم إطلاق سراحهم منها كونهم يقطنون في مناطق تابعة لها إدارياً، ولكن ضلَّ بهم الطريق إلى “الثلاجة”.

أما “الثلاجة” فهي بحسب ما جاء برسائلهم المسربة بصعوبة بالغة: “غرفة داخل قسم الشرطة، ولكنها بعيدة عن أماكن الاحتجاز الرسمية، وذلك لأنها غير قانونية، وتكون سيئة التهوية وضيقة المساحة، ومكدسة بأعداد تفوق حجمها، وتكون تحت إشراف الأمن الوطني (أحد الأجهزة الأمنية المصرية، والمعنيّ بشكل رئيسي بالقضايا السياسية”).

ويشير التعريف الذي أفردت له الرسائل المسربة صفحة خاصة بعنوان “ثلاجة بني سويف”، إلى أن هذا المكان مخصص “لاحتجاز المعتقلين السياسيين الحاصلين على حكم قضائي بالبراءة أو إخلاء السبيل، أو الذين لم تُلفق لهم قضايا بعد لفترات تتراوح بين ستة أشهر إلى سنتين، مع تلفيق بعض قضايا التظاهر وانضمام، في إشارة إلى تهمة الانضمام إلى جماعة محظورة، التي اعتادت السلطات المصرية توجيهها لمعارضيها.

“بدأ نظام الثلاجة في شهر 7 عام 2015 في قسم شرطة مركز الوسطى بمحافظة بني سويف، وبعدها تم تعميمه تدريجياً على باقي أقسام الشرطة بالمحافظة. كانت في البداية مقتصرة على أشخاص محددين، ثم بدأ التوسع في هذا النظام حتى وصل أن شمل جميع المعتقلين بالمحافظة”، وفق ما جاء في الرسائل، التي أحصت أعداد المعتقلين في “الثلاجات” بتسعة أقسام شرطة كما يلي:

 

قسم شرطة بندر بني سويف (32 محتجزاً)

قسم شرطة مركز بني سويف (35 محتجزاً)

قسم شرطة مدينة بني سويف الجديدة (23 محتجزاً)

قسم شرطة مركز الوسطى (90 محتجزاً)

قسم شرطة مركز ناصر (40 محتجزاً)

قسم شرطة مركز أهناسيا (18 محتجزاً)

قسم شرطة مركز سمسطا (30 محتجزاً)

قسم شرطة مركز الفشن (6 محتجزين)

ولفتت الرسائل التي لم تتجاوز 4 وريقات إلى أن مساحات هذه الغرف “الثلاجات” تتراوح بين 3.5 متر في 5 أمتار، إلى 7 أمتار في 8 أمتار على أقصى تقدير.

 

وإيه يعني”؟!

و”إيه يعني” لما يتحجزوا في هذه “الثلاجة” أو أي غرفة احتجاز أخرى.

“إيه يعني”، تعبير مصري يعني “ما الفارق؟”، ما الفارق أن يقضي هؤلاء الـ309 فترة احتجاز طالت أو قصرت داخل تلك الغرفة المعزولة؟ فبحسب عشرات التقارير الحقوقية الدولية والمحلية هناك الآلاف من المصريين خلال السنوات الأربع الماضية يحتجزون دون محاكمات لفترات تجاوزت العامين والثلاثة؟

باختصار أنت شخص غير موجود في سجلات القسم، فقانوناً قد حصلت على حكم بالبراءة، وبالتالي لست في عهدة السلطات. فأين أنت إذاً؟ وما مصيرك إن كنت طالباً أو عاملاً أو موظفاً أو رب أسرة؟

وقد حاول المستغيثون توضيح إجابة هذه الأسئلة في رسائلهم المسربة، فقالوا: “تقوم السلطات بإنكار وجودنا في حوزة أقسام الشرطة، وبالتالي يتم فصل الموظف من عمله نظراً لتغيبه بشكل متواصل وغير قانوني، وحرمان الطالب من حضور الامتحانات، وبالتالي فصله من الدراسة إثر سقوطه، تلفيق قضايا كبرى لبعض المعتقلين في أحداث وقعت خلال احتجازهم في الثلاجات، كما يتم نقل المعتقلين بين الثلاجات من قسم لآخر باستمرار”.

وأضافوا: “عدم صرف تعيين (طعام السجن) مع التضييق على إدخال طعام من قبل الأهالي، عدم السماح للمعتقلين باستخراج توكيلات رسمية لتسهيل أمور عائلتهم الحياتية، عدم السماح للأهالي بالزيارة، وإن تمت تكون تحت تضييق شديد، التكدس الشديد داخل أماكن الاحتجاز ما يسبب انتشار العدوى والأمراض، ثم تعمد الإهمال الطبي وعدم السماح للحالات الطارئة بتلقي العلاج نظراً لكون المريض غير مسجل في القسم كمحتجز بشكل قانوني”.

ويتداول نشطاء بمواقع التواصل الاجتماعي اتهامات للسلطات المصرية بأنها تحتجز معارضين بشكل غير قانوني، أو ما يعرف بالإخفاء القسري، ثم تعلن مقتلهم بعد ذلك في مواجهات مسلحة مع قوات الشرطة أو أعمال عنف، وهو ما تنفيه السلطات.