Site icon IMLebanon

كيف تظلم الأمومة النساء؟ 

 

كتبت سابين الحاج في “الجمهورية”:

لا شكّ في أنّ التمييز ضدّ المرأة عالميّاً من أبرز الأسباب التي تجعلها تتقاضى راتباً أقلّ من الرجل بالنسبة للوظيفة ذاتها والمستوى العلمي ذاته، وذلك في جميع البلدان تقريباً وحتّى المتقدّمة منها.أظهرت دراسة حديثة أجراها المعهد الوطني الفرنسي للإحصاءات أنّ النساءَ لا زلن يتقاضين أجوراً تقلّ بنسبة 14 في المئة عن أجور الرجال للوظيفة نفسها في القطاع الخاص.

فعلى رغم الجهود الدولية والوطنية، لا زالت الفروقات في تقاضي الأجور صارخةً في فرنسا إحدى أكثر الدول المتقدّمة على صعيد حقوق النساء والإنسان، فكيف الحال إذاً في البلدان النامية حيث تغيب السياسات الفعّالة الداعمة لتطوّر المرأة ونيلها حقوقها؟

تقدّم بطيء

صحيح أنّ الفروقات في الأجور بين النساء والرجال تتقلّص تدريجاً في العالم، إلّا أنّ تطوّرَها بطيء جداً. فقد فضح المنتدى الإقتصادي العالمي «دافوس”، في تقرير نُشر عام 2015، الفجوة العالمية بين الجنسين، ولفت إلى أنّ تقاضي الرجال والنساء حول العالم رواتب متساوية لن يتمّ قبل العام 2133 أي بعد حوالى 116 عاماً، إذا ما استمرّت وتيرة تطوير القوانين والعمل على دعم حقوق المرأة على ما هي عليه. وجاء في التقرير أنّ المرأة تتقاضى اليوم ما كان يتقاضاه الرجل عام 2006 على رغم تزايد عدد النساء الحائزات على شهادات في التعليم العالي.

إنها الأمومة

الصورة النمطية للمرأة كأم ومربّية ترتبط بالواجبات المنزلية، بينما يتسنّى للرجل التفرّغ لمهنته كونه “المعيل”، فدوره أن يكون في الخارج بينما عليها أن تقبع هي في الداخل.

تدفع هذه الصور النمطية المؤسّسات إلى صرف رواتب أعلى للرجل، بينما تتوقع من المرأة أن ترضى بالقليل لأن لا مسؤوليات لديها سوى الصرف على نفسها!

بات من الواضح أنّ هذه الصورة تكبح تقدّمَ النساء الوظيفي. وفي لبنان على سبيل المثال، 54 في المئة من خرّيجي الجامعات في الدراسات العليا هنّ من النساء بينما لا تشكل النساء سوى 26 في المئة من القوة العاملة. فأين تذهب كلّ هذه الطاقات؟ هل تمّ دفنها كلّها في مطابخ البيت العائلي؟ أم أنّ رواتبهن المتدنّية شجعتهنّ على ترك وظيفة لا يمكن أن تؤمّن لهنّ معاش مدبّرة منزل تساعدهن؟

غياب النساء وفروقات الأجور

تؤكّد الدراسات أنه عندما تختار المرأة إنجاب الأولاد، تبحث عن وظيفة بدوام يسمح لها بالتوفيق بين المنزل والعمل، ويكون ذلك على حساب الاقتصاص من راتبها. ومن النساء مَن يتوقّفن عن العمل بعد الإنجاب.

وهي إن توقفت عن العمل خسرت خبرة ولربما خسرت نفسها مهنياً وإن كافحت لتستمرّ فقد تعيش جحيماً من الصراع الضميري إذ إنها مهما فعلت قد تشعر دائماً بأنها مقصّرة تجاه عائلتها وعملها، فتحاول توزيع مجهودها وطاقاتها بين البيت والعمل إلى حدّ وصولها إلى تمزيق نفسها.

وعلماً أنّ المرأة العصرية غالباً ما لا تتخلّى عن وظيفتها بسهولة، لأنها تدرك التأثير الإيجابي للعمل على شخصها ومكانتها الاجتماعية والعائلية، كما تقدّر أهمية استقلالها المادي فلا تضطر لأن تطلب أبسط حاجاتها من زوجها. ولكن هذا لا يعني أنّ الكثير من النساء لا يستسلمن في النهاية للمكوث في المنزل وحصر نشاطهنّ بالاهتمام بالزوج والأولاد.

فحتّى في فرنسا، تشير الإحصاءات إلى أنّ نسبة النساء العاملات بعد انجابهنّ طفلاً واحداً تصل إلى 86.3 في المئة مقابل 95.7 للرجال العاملين بعد ولادة أوّل طفل. أمّا بعد أن ترزق العائلة بـ3 أولاد، فلا تتغيّر نسبة الآباء العاملين بينما تتقلّص نسبة الأمهات العاملات إلى 64.2 في المئة.

وتوقّف المرأة عن العمل لسنوات بهدف تربية أبنائها يصعّب عليها حتماً العودة بعدها إلى سوق العمل، كما تكون قد خسرت خبرة حيث إنه كان بإمكانها في هذا الوقت أن تتعلّم الكثير مهنيّاً، ما يقدّمها على الصعيد المهني والمالي.

الخطط الاستراتيجية ضرورة

تنبّهت دول عديدة إلى العثرات التي تزرعها الصور النمطية لدور المرأة في درب تقدّمها المهني، خصوصاً أنها تعفي الوالد من الأعمال المنزلية وتربية الأولاد وتُحمِّل هذه المسؤولية للأم.

عمدت هذه الدول إلى وضع خطط اجتماعية وقانونية وسياسية وإعلامية لتشجيع الوالد على المشاركة في التربية والأعمال المنزلية ولتشجيع النساء في المقابل على المثابرة مهنيّاً. أدركت هذه الدول أنّ المجتمع لا يمكن أن ينهض بجناح واحد يتألف من الرجال بينما تراوح النساء منازلهنّ حيث يدفنّ قدراتٍ إبداعية ومهنيّة هائلة.

وبهدف كسر التقليد سخّرت دول أوروبية عديدة إعلاناتها لجعل الرجل شريكاً في يوميات البيت، من خلال إظهاره بدل الوالدة أو إلى جانبها في إعلانات المنتَجات الخاصة بالأطفال والمنزل، ما يعزّز فكرةً مفادُها أنّه مسؤول بدوره عن التربية والتنظيف… كما عمدت دول عديدة إلى منح الوالد إجازة أبوّة تأكيداً على دوره إلى جانب زوجته خلال الأيام الأولى بعد إبصار طفلهما النور.

وبينما لا زالت القوانين اللبنانية لا تلحظ هذه الإجازة وغيرها من الاستراتيجيات الداعمة لتطوّر المرأة المهني والاجتماعي وزيادة انخراط الرجل في شؤون منزله، يقوم الأردن بخطواتٍ لافتة على هذا الصعيد. فمنذ العام 2013 منح الأردن الآباء الجدد إجازة الأبوة لمدة 3 أيام ليشاركوا زوجاتهم، ما يشكل دعماً معنوياً للزوجة.

ولكنّ الخطوة الأكثر جرأة التي أقدم عليها الأردن كانت بإقرار نظام العمل المرن في آذار الماضي، وهو متّبع في العديد من دول العالم منذ عقود ومنها بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية وأستراليا.

من شأن هذا النظام أن يحدّ من نسبة البطالة ولكن أيضاً أن يفسح المجال أمام العامل أو العاملة بتخفيض ساعات العمل اليومية، أو توزيعها وفقاً للأوقات التي تناسبهما، أو تكثيفها بشكل أسبوعي أو شهري، بالإضافة إلى اختيار مكان العمل وقد يكون من المنزل.

ويستفيد من عقود العمل المرنه في الأردن العمال الذين أمضوا في الخدمة لدى صاحب العمل 3 سنوات متصلة، والعمال أصحاب المسؤوليات العائلية وهم المرأة الحامل أو مَن يتولون رعاية طفل أو فرد من أفراد العائلة أو كبار السن بسبب إعاقة أو مرض، والعمال المنتظمون بالدراسة الجامعية، وذوو الإعاقة.

ويعود نظام العمل المرن بالفائدة على كلٍّ مِن العامل والعاملة وصاحب العمل، إذ إنه بالنسبة للعمال يحقق التوازن ما بين متطلبات العمل والمسؤوليات الأُسرية والشخصية، ويجدّد النشاط الوظيفي والحماسة والإندفاع، كما يدفع إلى تراجع معدلات الإرهاق والإصابة بالأمراض المتعلّقة بالتنقل اليومي ما بين العمل والمنزل، ويوفّر عناء وكلفة المواصلات العامة والوقت الضائع من والى مكان العمل. ويخدم هذا النظام بصورة أساسية المرأة والأم فيمكّنها اقتصادياً ومهنياً، فاسحاً لها مجال العمل بشروط سهلة تناسبها.

فإزاء واقع النساء المهني غير المتساوي مع الرجال، لا يجب أن تنتظر الدول والنساء أنفسهنّ أكثر من قرن من الزمن حتّى يتساوَين مع الرجل على صعيد الرواتب وغيرها، بل يجب على السلطات خلق مخارج وتسهيلات وقوانين تحمي حقوق النساء المهنية لتحصل المرأة على أفضل شروط العمل، بدلاً من الاستسلام، ولتفيد المجتمع من طاقاتها. فلكلّ امرأة دور تؤدّيه في مجتمعها يتخطّى دورها كأم وزوجة ومربّية.