كتبت ليندا عازار في صحيفة “الراي” الكويتية:
اندلاع معركة الجرود قبل وصول الحريري إلى أميركا سيشكل إحراجاً له… عيْناً على سلسلة جبال لبنان الشرقية التي تقف عبر معركة جرود عرسال التي تُقرع طبولها أمام مفترقٍ ذات أبعاد استراتيجية تتّصل بحسابات إيران ونظام الرئيس بشار الأسد لمستقبل الواقع في سورية و«ترسيمات» حربها، وعيناً أخرى على سلسلة الرتب والرواتب التي تشقّ طريقها في «حقل ألغامٍ» مالي – انتخابي نحو الجلسة التشريعية للبرلمان الثلاثاء والأربعاء المقبليْن وسط محاولاتٍ مستمرّة لتدوير أرقامها بما لا يهدّد الاستقرار المالي والنقدي وبما يُرضي الأساتذة وموظّفي القطاع العام والعسكريين ولا يُغضِب الهيئات الاقتصادية جراء سلّة الضرائب المقترحة.
هكذا بدا المشهد في الساعات الماضية في بيروت المشدودة إلى حدَثٍ عسكري – أمني في جرود عرسال اللبنانية ذات امتداداتٍ خارجيةٍ نحو «حقل النار» السوري و«لا كلمة» فيه للبنان الرسمي الذي «سلّم» بـ «قرار» «حزب الله» إنهاء وجود المجموعات المسلّحة في هذه البقعة بالتعاون مع الجيش السوري، والمنهمكة في الوقت نفسه بملفاتٍ «من حواضر» البيت المحلّي صارتْ «الملعب الرديف» للمؤسساتِ العاجزة أمام «المصيبة الاستراتيجية» (كما سمّى سمير جعجع «حزب الله») والتي تُعاند السقوط الكامل من خلال التمسُّك بممارسة الحدّ الأدنى من دورها ولو على طريقة «المجالس البلدية».
وبقيتْ عرسال أمس محطّ الأنظار وسط السباق المحتدم بين مفاوضات «ربع الساعة الأخيرة» لإقناع المسلّحين (جبهة النصرة وسرايا أهل الشام) بالانسحاب مع السلاح الخفيف والانتقال مع عائلاتهم نحو مناطق إدلب بما يجعل مسلّحي «داعش» بحال رفْضهم الخروج في وضعية انكسارٍ حتمي، وبين الاستعدادات العسكرية لـ «حزب الله» التي اكتمل «نصابها» عُدّة وعديداً، وسط استنئاف الجيش السوري الغارات على مواقع لـ «النصرة» في ملاقاةِ عملية الضغط «النفسي» التي رفعها الحزب الى أعلى المستويات علّها تحقق أهداف المواجهة «على البارد».
وصار واضحاً، في رأي أوساطٍ سياسية مطلعة في بيروت، أن جبهة عرسال تشكّل العنوان الأبرز لاستعجالِ طهران إلحاق لبنان عبر حدوده الشمالية الشرقية بـ «سورية المفيدة» وتالياً «ضمان أمن» منطقةِ «خفضِ توترٍ» تكون من حصّة النظام السوري وحلفائه، لا سيما بعد «اقتطاع» الولايات المتحدة وروسيا منطقة آمنة جنوب سورية قطعت الطريق على إمكان استنساخ تجربة جنوب لبنان (المقاومة) على الحدود بين سورية واسرائيل.
وإذا كان هذا الملف لا بد أن يرخي بثقله على زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري نهاية الأسبوع المقبل لواشنطن حيث سيلتقي الرئيس دونالد ترامب، فإن الأوساط السياسية ترى أنه بحال اندلعتْ معركة الجرود قبل وصول الحريري إلى الولايات المتحدة، فإن من شأن ذلك ان يشكّل إحراجاً له في ظلّ رغبة إدارة ترامب بالحدّ من نفوذ إيران وميليشياتها في سورية والدعم المتزايد الذي تحرص عليه للجيش اللبناني، في مقابل رسْم دوائر أخرى علامات استفهام حيال كون إنهاء وجود «داعش» خصوصاً على الحدود الشرقية للبنان مع سورية صار جزءاً من التفاهمات الأميركية – الروسية ومن مسار اجتثاث هذا التنظيم من الموصل وبعده الرقة.
وكان بارزاً مع اقتراب «الساعة صفر» لمعركة عرسال المفترضة، الاجتماع الذي عُقد في مقر البلدية بين فاعليات البلدة وممثلي نحو 110 مخيمات للنازحين السوريين (عددهم نحو 100 ألف)، وسط تقارير أشارت الى ان قيادة «حزب الله» تبلّغتْ قراراً سياسياً اتُخذ على مستوى عال في الدولة بعدم مشاركة الجيش اللبناني بأي عملية عسكرية إلى جانبه أو إلى جانب الجيش السوري.
وفيما نُقل عن قائد الجيش العماد جوزف عون (يزور واشنطن في 12 اب المقبل) «ان الجيش يتفادى مواجهة الارهابيين المتمركزين في الجرود المقابلة لعرسال بسبب اتخاذهم من مخيمات يقيم فيها 11 ألف نازح سوري دروعاً بشرية (في القارية والنور)»، برز إعلان رئيس البرلمان نبيه بري ان «هناك جواً جدّياً بأنّ عملية ما ستحصل قريباً في الجرود، والعملية واجبة خصوصاً أنّ البلد مُحتلّ والحرامي في قلب البيت ومن الطبيعي أن تقوم المقاومة بالتحرير، ومن الطبيعي أكثر أن يقوم الجيش بهذه المهمة ولا يجوز ان يُمنع عليه ذلك (…) والجيش لا يحتاج إلى إذن إلّا من الله»، قبل ان يشير في موقف استدراكي امس الى ان «حزب الله لن يدخل عرسال، بل الجيش الذي سيخوض وحده المعارك داخل الحدود اللبنانية».