كتبت ثريا شاهين في صحيفة “المستقبل”:
لا تزال الإدارة الأميركية في مرحلة مراجعة ملفات المنطقة لاتخاذ مواقف حيالها، ولا يبدو أنها انتهت من المراجعة التي تستمر لسبعة أشهر، لكنها ليست غائبة عن هذه الملفات وهي تتخذ خطوات لدى حصول مستجدات.
أبرز الملفات ما يحصل في سوريا، حيث تفيد مصادر ديبلوماسية غربية، أن الاتفاق الأميركي – الروسي، حول الوضع في الجنوب السوري، انطلق فيه الأميركيون من الأولوية التي يولونها لهذا الموضوع، نظراً الى أنهم يريدون إبقاء حدود إسرائيل مستقرة، ولأن ما يهمهم أيضاً منع أية اضطرابات على الحدود الأردنية، وتعزيز صمود الملك عبد الله الثاني، واستقرار وضع بلاده وإبعاده عن المشكلات. كان الجنوب السوري يُشكل عقبة لم تستطع مفاوضات آستانة أن تصل إلى حل في شأنه، ولم تشمله مناطق خفض التوتر إلى أن أنجز الاتفاق الأميركي – الروسي حول ذلك. وهناك تعويل أميركي على صمود الاتفاق مع الروس، مع أنه بشكل عام هناك جهات دولية تتخوف من أن تُشكل مناطق خفض التوتر، مقدمة لتقسيم سوريا. إذ إن الجنوب السوري يطغى عليه النفوذ الأردني، وإدلب ومحيطها النفوذ التركي، ودمشق ومحيطها النفوذ الإيراني. وبالتالي هناك تخوف من أن تُشكل هذه المناطق خطوط تماس تستمر سنوات طويلة، مع أن الموفد الخاص للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا يقول، إن التفاهم على تلك المناطق هو مقدمة للتوصل إلى الحل السياسي.
ومن المُستبعد، وفقاً للمصادر أن تتوصل مفاوضات جنيف السورية الجارية إلى تقدم فعلي، إلا أن الهدف منها، هو الإبقاء على النقاش حول العملية السياسية مستمراً، في انتظار ظروف جديدة تسمح بالاتفاق على الحل السياسي. على أساس أن أي تطور يطرأ على الاتفاق الأميركي – الروسي من شأنه أن يُساعد في اتجاه هذا الحل.
لم تتوصل الإدارة الأميركية إلى اعتماد خيارات محددة في الملف السوري، بل يتم التعامل مع الموضوع حتى الآن، حسب المستجدات وحسب كل وضع. فالأميركيون اتخذوا قراراً بأن الكيماوي ممنوع، وبإيجاد تفاهم حول وضع الجنوب السوري. لكن لا يوجد تكامل في الحل السياسي بعد وبطريقة تشمل كل الوضع السوري، والأزمة التي امتدت لسنوات.
في موضوع مكافحة «داعش» في الرقة، منع الأميركيون النظام و«حزب الله» من تنفيذ خطتهما في وصل سوريا بالعراق، عبر السيطرة على الرقة، من خلال سعيهما الى حكمها، من دون السماح لأية جهة أخرى بمشاركتهما في ذلك. في الرقة هناك مشكلة، فإن من يقاتل «داعش» هي قوات سوريا الديموقراطية، وغالبيتها من الأكراد. وتركيا بدورها معترضة على الأمر، ولكن في الوقت نفسه من الصعب أن تُسلّم الولايات المتحدة بأن يحكم الأكراد مناطق عربية.
ما يتم الآن بحثه هو ايجاد مجالس محلية في الرقة، تتسلم الحكم فيها، لا سيما وأن لديها علاقات جيدة مع كل الأفرقاء. وما تتم مناقشته أيضاً وعلى أعلى المستويات الدولية، هو مصير الرقة بعد زوال «داعش» وكيف ستتم حمايتها.
وتكشف المصادر، أنه لم يكن لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب في السابق من مانع لتسليم الرقة إلى النظام، ولكن بعد استعمال الكيماوي، استبعد هذا الاحتمال. الأكراد قريبون من النظام، وفي الوقت نفسه لديهم تواصل مع كل الأطراف. إنما تركيا لن تسمح لهم بالسيطرة، فهي تؤخر دخولهم إلى الرقة، وتعتبر أنه إذا فتحت لهم جبهة لا يستطيعون الدخول إليها ومحاربة «داعش».
الأميركيون والروس يتشاركون في نقاش حول الرقة، أي طريقة حكمها وإدارة شؤونها. والسياسة التي ستتبعها واشنطن حيال الرقة، ستُشكل مؤشراً مهماً حول طريقة تعاطي الإدارة الأميركية مع الملف السوري، وما يمكن أن يتم الاتفاق عليه مع الروس في وقت ما. على أنه لا يزال يلزم نحو ٦ أو ٧ أشهر للتحرير من «داعش» في سوريا. في حين أن الموصل تحررت، ولكن هناك جيوب موجودة يقاتلها الجيش العراقي. ومن الرقة يهرب مسلحو «داعش» إلى دير الزور. وفي النتيجة سيتم الانتصار على هذا التنظيم، المهم هو التوقيت ومن سيحكم تلك المناطق بعد ذلك.
الإدارة الآن تعمل وفق ردود الفعل، وليست هناك بعد من سياسة متكاملة، والتعاطي يتم مع الأحداث ريثما تنتهي المراجعة وتوضع الخطة. وستُبنى هذه السياسة مع الوقت.