كتب وسام ابو حرفوش في صحيفة “الراي” الكويتية:
لا تُشبِه نهاراتُ لبنان لياليه، وكأن لبنان – النهار يغادر خلسةً مع غروبِ كلّ شمسٍ تاركاً لبنان – الليل في كوكبٍ آخر…
نهاراتُ لبنان مجرّد روزنامةٍ يائسةٍ تجترّ عناوين قاتمةً عن النازحين والإرهاب ومعارك الجرود والموت على الطرق، وعن أرقام مالية ملغومة كأنها كأس السمّ واقتصادٍ يَلحس المبرد وانتخاباتٍ مشكوكٍ بإجرائها، وعن جرائم يومية غير مسبوقة بفظاعتها وسلطةٍ بلا هيْبة ومعدّلاتٍ صاروخية للبطالة، وعن تمادي المواجهة بين «الرينجر» والديموقراطية وطوفانِ زحمة السير اليومية وانفلاتِ الشعارات الشعبوية، وعن تَعاظُم فوضى تدبّ في قواعد اللعبة السياسية وأسئلةٍ عن… مَن الدولة ومَن الدويلة.
أما ليالي لبنان فمسألة أخرى… فيْضُ أضواء وفرح ومرح وترف، كأنه مهرجانٌ عامرٌ يمتدّ الى الجهات الأربع في احتفاليةٍ متعدّدة الجنسية ضيوفُها نجوم من خمس نجوم… مهرجاناتٌ أدخلتْ حكايا بيروت عن تاريخها في كتاب «غينيس» وحوّلتْ جونية لؤلؤة ضوء، وجعلتْ بيت الدين أكثر توهّجاً وأصابتْ بعلبك بـ «عارِضٍ» فنّي في زمن الفلتان، وكرّستْ زحلة عروساً من جديد ومكّنتْ جبيل من المضي قدماً في تَألُّقها، وأعادت لطرابلس وجهها الجميل ولصيدا وهجها ولصور صورتها البهيّة وللأرز أمجاده.
في لبنان – النهار، تحلّ «العتمة» في كل شاردة وواردة، من «عصْف» التحوّلات الجارية في سورية و«تَقاسُم» النفوذ فيها على لبنان «حديقتها الخلفية» الى مصير «جيشٍ» مليوني من النازحين السوريين الذين لجأوا الى وطنٍ يضيق بأهله هرباً من «وليمة الموت» في بلادهم، ومن الحرب «المحتمَلة» مع اسرائيل وآخر حروبها لأنها ستكون على طريقة «يا قاتِل يا مقتول» الى التسوية السياسية الداخلية التي تحميها «الواقعيةُ» والضمانات الخارجية من اهتزازاتٍ تودي بها.
وخلف هذه العناوين «الوجودية»، تضجّ نهاراتُ بيروت بمعارك تحت السياسة وفوقها، وتتدرّج في روزنامتها على النحو الآتي:
* معركة «حزب الله» في جرود عرسال ضدّ مسلّحي «داعش» و«النصرة».
* التقارير التي تحدّثتْ عن أن اليوم الاثنين يشكّل المهلة الفاصلة بين نهاية «الفرصة الأخيرة» للتفاوض التي حدّدها «حزب الله» لمسلّحي «داعش» و«النصرة» للخروج من جرود عرسال (على الحدود الشرقية مع سورية) قبل الشروع في معركته العسكرية للإجهاز عليهم بمؤازرةِ طيران الجيش السوري ومدفعيّته.
وأوحتْ «نصيحةُ» الجيش اللبناني لأهالي عرسال بسحْب آلياتهم من المقالع على تخوم جرود البلدة بأن المعركة التي حشد لها «حزب الله» اقتربتْ، في تطورٍ يُفهم منه ان المفاوضات مع المسلّحين وصلتْ الى طريق مسدودة، وتالياً فإن المواجهة قد تبدأ بين لحظةٍ وأخرى.
وقالت مصادر معنية بمجريات هذه المعركة لـ «الراي» إن «حزب الله» الذي استقدم آلته العسكرية وأعدّ العدّة للمواجهة، لن يُقفِل بابَ التفاوض مع المسلّحين لضمان خروجهم بشروطه الى إدلب وجرابلس وحتى لو بدأ الهجوم لأن غايته إنهاء وجود هؤلاء «سِلماً أو حرباً» وبأقلّ خسائر ممكنة قد تلحق بقوّاته، وخصوصاً ان الحزب يدرك الطبيعة المعقّدة لمعركةٍ فوق رقعةٍ من التضاريس الصعبة التي يَتحصّن فيها المسلّحون منذ أعوام.
واللافت في سياق هذه المواجهة التي يُراد منها تحويل الحدود اللبنانية – السورية جزءاً من «منطقةٍ آمنة» تَخضع لنفوذٍ سوري – إيراني، ان «حزب الله» الذي يُتقِن فنّ «الحرب النفسية» يَضغط عبر تحديد مواعيد متتالية لهجومه من أجل ضمان تفكيك جيوب المسلّحين بالتفاوض تفادياً لزجّ قواتٍ يحتاج إليها في ساحاتٍ أخرى كما هو الحال في معركته في البادية السورية.
* وفي تطورٍ غير بعيد عن الخلْط بين ملفيْ الإرهاب والنزوح السوري، أفضتْ اتصالاتٌ حثيثة في بيروت الى تفادي تحويل الثلاثاء (يوم غد) يوماً لمواجهةٍ غير محسوبة بين تظاهرتيْن، واحدة ملتبسة قيل إنها للتضامن مع النازحين السوريين في وجه الانتهاكات التي يتعرّضون لها، وثانية دعتْ اليها جماعات أخرى ترفع لواء تأييد الجيش اللبناني، اذ تَقرّر إلغاء التحركيْن بامتناعِ وزارة الداخلية عن الترخيص لهما، الأمر الذي فوّت الفرصة على مكمنٍ كان يُنصب لبيروت.
* ووسط طغيان «العامل السوري» في نهاراتِ لبنان… من التظاهرات التي لن تتمّ في وسط بيروت الى الغموض الذي يكتنف معركة جرود عرسال وخشية عرسال – البلدة من مكيدةٍ تُنصب لجرّها الى «ملعب النار»، بدا ان «الدولة» التي تنأى بنفسها عن «القنبلة الموقوتة» على حدودها الشرقية، تنخرط في مواجهةٍ من نوعٍ آخر غداً تحت قبة البرلمان ترتبط بـ «مغامرةٍ مالية» اسمها سلسلة الرتب والرواتب التي يُراد إقرارها بأرقام مضخّمة من دون القدرة على تأمين إيرادات مضمونة.
* وإذا كان البرلمان مرشّحاً للتحوّل «سوق عكاظ» للتراشق بالأرقام على مدى يوميْن (الثلاثاء والأربعاء)، فإن «خميس الحكومة» سيكون أمام اختباراتٍ جديدة تبدأ بإمكان إمرار صفقة التشكيلات الديبلوماسية بعدما جرى التوافق حولها، وخصوصاً أنها تضمّنتْ تعديلاتٍ على التوزّع الطائفي – السياسي في المراكز الأساسية في الخارج، وقد تنتهي الى صِدامٍ حيال الموقف من آلية التعيينات الإدارية انطلاقاً من الخلاف في شأن تعيين مجلس إدارة جديد لـ «تلفزيون لبنان» الرسمي.
ومن المقرّر ان يتّضح في بحر هذا الأسبوع الخيْط الأبيض من الأسْود في مصير الانتخابات النيابية الفرعية في كسروان وطرابلس (3 مقاعد)، اذ يُنتظر دعوة وزارة الداخلية الهيئات الناخبة او تَجنُّب هذا الاستحقاق بتفاهُمٍ بين رئيسيْ الجمهورية ميشال عون والحكومة سعد الحريري لاعتباراتٍ تَخضع لتأويلاتٍ كثيرة من نوع تفادي القوى الرئيسية اختباراً سياسياً – شعبياً يشكّله هذا الاستحقاق في لحظةِ ارتباكٍ داخلي.
… هكذا هي نهاراتُ بيروت المشحونةِ بتوتّراتٍ سياسية واقتصادية وأمنية. أما لياليها فتضجّ بأصوات شارل أزنافور وخوسيه كاريراس وكريس دو بورغ واليساندرو سافينا وايلين سيغارا وغيرهم من النجوم العالميين واللبنانيين والعرب، وأعمال عالمية مثل النسخة الأصليّة للعمل المسرحيّ الضخم «نوتردام دو باري» و«باليه بيجار».