كتبت ليا القزي في صحيفة “الأخبار”:
لم يكن خافياً على أحد أنّ رئيس بلدية جبيل السابق زياد حواط هو صديقٌ لرئيس الحكومة سعد الحريري، وحليف لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وخصمٌ للتيار الوطني الحرّ. موقعه السياسي مُحدّد منذ مدة طويلة. على الرغم من ذلك، كان الناس يتعاملون مع حواط بوصفه مُمثل «المجتمع المدني» في قضاء جبيل، بعد أن نجح في طرح نفسه كشخصية «مستقلة»، متفلتة من سلطة الأحزاب.
كلّ هذه الأوهام سقطت بمجرّد أن أعلن حواط أنّه مُرشح القوات اللبنانية إلى الانتخابات النيابية، وقوله إنّ استقالته من البلدية أتت بعد أخذ الضوء الأخضر من جعجع («الجمهورية»، السبت 15 تموز).
إقدام قيادة معراب على هذه الخطوة سهمٌ يصيب طرفين؛ الأول هو التيار الوطني الحرّ، بعد أن اختارت القوات أحد أبرز «أعداء» العونيين السياسيين، حتى يكون حصان طروادتها في الانتخابات. قرّرت معراب «استفزاز» التيار العوني في واحد من «معاقله» الانتخابية. وبعد التغنّي كثيراً بوجود أولوية لترجمة «اتفاق النوايا» في التحالفات الانتخابية، سقط ذلك عند بوابة كسروان ــ جبيل، حين وجد كل منهما أن لا مصلحة لهما بالتحالف.
أكيد أنّ التيار الوطني الحر مُتضرّر من ترشيح القوات لحواط، ولكن وقع الخطوة عليه أخفّ وطأة ممّا هو على النائب السابق فارس سعيد. مُنسّق الأمانة العامة لـ(ما كان يُعرَف بـ) 14 آذار، هو الطرف الثاني الذي أصابه سهم معراب.
ليست المرّة الأولى التي يُترك فيها سعيد وحيداً. كذلك فإنّ القوات لا تجد حرجاً في «الالتفاف» عليه، حين تجد أنّ من مصلحتها ذلك، كما فعلت حين عرقلت وأسهمت في إنهاء عمل المجلس الوطني لـ14 آذار، وكانت من المعارضين لتعيين سعيد مُنسّقاً له. في زمن التسويات، لا تجد القوات اللبنانية مصلحتها الانتخابية مع سعيد، أحد «رموز» مرحلة المواجهة بين 8 و14 آذار وما رافقها من انقسام عمودي في البلد.
الكلام عن صعوبة التحالف مع سعيد عبّر عنه سمير جعجع خلال اجتماعٍ مع كوادر القوات اللبنانية في قضاء جبيل، الذين زاروه، رافضين «مُرشّحي الإيجار لأربع سنوات»، بحسب مصادر سياسية مُقرّبة من القوات في القضاء. هؤلاء تنفسوا الصعداء بعد إقرار القانون الجديد، «آملين ترشيح المُنسّق شربل أبي عقل، الذي تجمعه علاقة جيدة مع الأرضية القواتية في جبيل». وقال قواتيون جبيليون: «نحن نُقاتل، وحين يأتي وقت توزيع المغانم، يُفتشون عن أناس من خارج القوات؟». وفي حال كان الباب أمام أبي عقل موصداً، «فلماذا لا تُرشحون حليفاً لنا، مثل فارس سعيد؟». ردّ جعجع بتوجيه تحية إلى سعيد، «الصديق الذي لا يُفرّقني عنه سوى الموت. الموضوع معه ليس شخصياً، بل سياسي». فبحسب رئيس حزب القوات اللبنانية، «خطاب فارس سعيد وإيديولوجيته السياسية لا يتناسبان مع مواقفنا وشبكة علاقاتنا اليوم. البلد أصبح، بعد التسوية الرئاسية، في مكانٍ آخر». يقصد جعجع بذلك الهجوم اليومي الذي يشنّه سعيد على رئيس الجمهورية، وحزب الله.
تقول المصادر إنّ جعجع كشف خلال اللقاء مع قواتيي جبيل أنّه قادر على التفاهم مع حواط «الذي سينتظم في كتلتنا، على العكس من سعيد». وقد اتفقت القوات مع حواط على أن «تمر الخدمات للمواطنين مستقبلاً بقيادة القوات».
كلام جعجع لم يُقنع عدداً من القواتيين، فقد قدّم أحد المسؤولين القواتيين في جبيل استقالته من الحزب. من جهته، يكتفي سعيد بالقول إنّه «من الأساس لم أرَ مصلحة مسيحية في الاتفاق بين رئيس الجمهورية ميشال عون وجعجع. ولم أرَ مصلحة وطنية في التسوية الرئاسية وتأليف الحكومة. أتفهّم، ولكن كلفة التسوية أكبر من نتائجها». ما علاقة ذلك بترشيح حواط في جبيل؟ «من الطبيعي أن تُستكمل التسوية بالتحالفات الانتخابية»، يجيب سعيد. أما هو، فمُستمر في خوض المعركة تحت عنوانٍ سياسي، من دون أن يحسم تحالفاته.
لا تبدو مصادر التيار الوطني الحر مُنزعجةً من ترشيح حواط في جبيل، «لأننا في كلّ الأحوال سنخسر أحد المقعدين المسيحيين، على أحدهم أن يشغله. المعركة بين سعيد وحواط». ولكن، توحّد جهود قوتين كحواط والقوات، والذين سينضمون إليهما في كسروان، «قد يكون له ارتدادات سلبية في كسروان، فنخسر مقعداً إضافياً، نتيجة حسابات الكُسور».
هدف القوات اللبنانية من الانتخابات النيابية هو الحصول على أكبر عددٍ ممكنٍ من النواب. لذلك، تبحث في كلّ الدوائر عن غير حزبيين لتتحالف معهم. وعلى العكس من العونيين، لا تجد حرجاً في التخلي عن الحزبيين إن كانت حظوظهم ضعيفة. حصل ذلك مع شربل أبي عقل في جبيل، الذي لم يُسجل رقماً عالياً في استطلاعات الرأي. وعلى الرغم من أنّ حواط ترك خياراته مفتوحة مع كلّ القوى السياسية، بما فيها تيار المردة، فضّلته القوات على سعيد، لأنّها قادرة على ضمان «انضباطه» في كتلتها. ماكينتها الانتخابية ستعمل على تعويض النقص الشعبي الذي يُعاني منه حواط في المناطق الوسطى والجبلية، التي يعتبرها سعيد «عرينه»، وللتيار الوطني الحر فيها وجود قوي.
وأبعد من جبيل، يبدو تبنّي القوات لحواط تنفيذاً لسياسة تقريب «المستقلين» وغير الحزبيين إلى معراب. وهنا أيضاً تناقض خطة عمل جعجع طريقة العونيين التي تبدو طاردة للمستقلين الذين لم يعلق في الأذهان من نظرة التيار الوطني الحر إليهم سوى وصف الوزير جبران باسيل لهم بالـ«الفرافيط».