كتبت رولا عبد الله في “المستقبل”:
لم يخطئ اللبناني بمخاطبته “شمس” المنخفض الهندي بالآتي: “عزيزتي. هون لبنان.. أفريقيا لقدام شوي ع إيدك الشمال”. ذلك أنها في تحولاتها الموسمية قادرة على تغيير المناخات من معتدلة الى ملتهبة، وقريباً نحو الدخول في عصر نصف جليدي، إذ من الوارد أن تتدنى درجات الحرارة في بعض المناطق اللبنانية في الشتاء المقبل إلى 15 درجة تحت الصفر. أما الصيف الحالي، فمستمر في لهيبه بحيث تنشط نواة المنخفض الهندي الموسمي الذي انتقل من جنوب الهند (خط الاستواء) وتمركز على مدار السرطان معززاً الرياح المدارية الحارة نحو الغرب والشمال، بحسب توقعات الأب ايلي خنيصر الذي يهتم بعلم المناخ ويصدر نشرة مفصلة يتابعها نحو 225 ألف زائر على صفحاته الالكترونية. وفي آخر نشراته، يتوقع أن تعود الحرارة الى الارتفاع اعتبارا من منتصف الاسبوع المقبل ليودع تموز بأجواء لاهبة، تماما كما فعل سلفه حزيران. ويمكن أن تصل الدرجة القصوى الى 44 في بعض المناطق في حين لا تتجاوز الـ37 درجة على الساحل.
ولأنّ “مرصد” الأب خنيصر بات موضع ثقة من قبل اللبنانيين الذي يحصلون من خلاله معلوماتهم عن مناخ الأيام المقبلة، فإنه يحرص، في ظل غياب الشرح الكافي لعناصر الطقس واكتفاء النشرات بتقديم معلومات موجزة لا تتعدى درجات الحرارة، على اعتماد الشرح المبسط واللازم، منطلقاً من قاعدتين رئيستين لمعلوماته: “الناسا” والتحليلات العلمية العامة، والعنصر الاهم في تحديد التغيرات، هي حركة الشمس التي على أساسها وضع علماء الطقس دراساتهم، وفق ما التقطته تيليسكوباتهم، وفيها: “منذ حوالي 15 سنة كانت حركة الشمس ناشطة من حيث الانفجارات الشمسية والعواصف واللهب (Solar Flares) التي تطلقها في الفضاء، وقد ادّت الى ارتفاع بدرجات الحرارة على الأرض بشكل لافت، بخاصة في المناطق المدارية. لكن، في آخر صور تمّ التقاطها في شهر حزيران، تبيّن ان البقع الشمسية السوداء التي لم يكن لها اي أثر في الأعوام الماضية، بدأت تتكاثر في هذا الصيف وتزداد بشكل سريع، ومن خلالها يخمن بعض علماء الناسا، بأنّ تكاثر هذه البقع التي تسمّى بـ sunspots، ستضعف النشاط الشمسي وتخف الإنفجارات، اعتباراً من نهاية عام 2017 وبداية العام الجديد، وسيظهر تأثيرها بعد اربع سنوات بشكل لافت. ونتيجة هذه البقع السوداء في الشمس، سوف تتراجع حدّة عواصفها التي تنطلق من خلال الإنفجارات العملاقة، فينتج عن الوضع: تراجع حرارة الشمس عندما تكون عمودية في فصل الصيف على مدار السرطان وبالتالي يضعف نشاط المنخفض الهندي الموسمي ومنخفض البحر الأحمر، كما ينتج نشاط في المرتفع القطبي الشمالي وقذف التيارات الجليدية جنوباً، بقوّة، نحو مدار السرطان الذي يشمل شبه الجزيرة العربية ووسط الهند والصحراء الإفريقية الكبرى، فيكون وضع الحوض الشرقي للبحر المتوسط
والدول العربية، بارداً جداً طيلة ايام فصل الشتاء. امّا ما يحصل الآن؛ فهو ناتج عن نشاط نواة المنخفض الهندي الموسمي”.
أتيح للأب خنيصر، رجل الدين في الرهبنة الشويرية منذ نحو 24 عاماً، أن يستثمر زيارة عائلية قام بها الى ولاية بوسطن الأميركية في العام 2007، ليخضع لدورة تدريبية متخصصة علمياً في علم المناخ على أيدي مجموعة من العلماء المتخصصين في تحليل الطقس تابعين لوكالة ناسا الفضائية، بما فيها تحليل الخرائط من الأقمار الإصطناعية وتحديد تأثير الضغط الجوي في المناخ. وكان درس قبلها علم الفلسفة واللاهوت.
واستحدث في العام 2015 مرصداً خاصاً على الفايسبوك بعنوان “F.Elie khneisser- Daily weather Pro” ينشر فيه يومياً نشرته عن الطقس والأحوال الجوية، بعدما استهل المهمة قبلها بسنوات لتقديم معلومات موجزة عن الطقس، معولا على الروابط والمواقع الإلكترونية العلمية.
وإلى جانب خبراته العلمية التي استمدها من الدورة التدريبية ومتابعاته اليومية، فإنه أخذ من خبرة أجداده رصد البواحير باعتبارها مادة تشبه رؤوس الأقلام في مقاربة توقعات الطقس، يشرح: “في العادة كان الأجداد يراقبون الطقس من يوم عيد الصليب ولمدة 12 يوماً ما يعادل أشهر السنة، ويدل طقس كل يوم من الأيام الاثني عشر على حالة طقس شهر بكامله”.
أمّا تقييمه لنشرات الطقس في لبنان، فإنه يرى بأنها غير كافية كونها تقدم معلومات موجزة مع تغييب الشرح اللازم لتثقيف المواطن في معرفته بتحولات المناخ بحيث لا يعود يصاب بالذعر حين يسمع عن الدخول في حالات مناخية طارئة، وهو الاجراء الذي يعتمده من خلال إيضاح أسباب التحولات من مثل شرحه لماهية المناطق الاستوائية أو المدارية على سبيل المثال: “هي المناطق من الكرة الأرضية المحيطة بخط الاستواء. وهي محددة بخطوط العرض ما بين مدار السرطان في نصف الكرة الشمالي، ومدار الجدي في نصف الكرة الجنوبي. وتتوافق خطوط العرض هذه مع الميل المحوري للأرض. ويطلق هذا المصطلح أيضا على المناطق المدارية والمناطق الحارة. وتشمل المناطق المدارية جميع المناطق على الأرض التي تصل الشمس إلى نقطة التعامد، حيث تصبح الشمس رأسية مرة واحدة على الأقل خلال السنة الشمسية. وتشمل المنطقة المدارية أراضي شاسعة شمال وجنوب الغابة الاستوائية، وتقع وسط قارة إفريقيا وجنوب شرق آسيا وفي شمال أستراليا ثم أميركا اللاتينية.
وبين التحولات التي طرأت على الطقس في زمن الأجداد والتغيرات الحاصلة اليوم، يرى خنيصر بأن زمن الستينيات والسبعينيات يختلف نظرا لعدم وجود احتباس حراري في حينه، في الوقت الذي نخسر حاليا الكثير من الغابات ونعاني التلوث ونشهد على فترات تعود معها البقع الشمسية فتلتهب الارض أو أنها تخفت فتتراجع الانفجارات وتتدنى درجات الحرارة كما هو متوقع في السنوات الاربع المقبلة بأن تتدنى درجات الحرارة بشكل ملحوظ. ويخلص خنيصر:”في العادة كلما كان النشاط الصيفي قوياً كانت الشتوية قاسية هي الأخرى”.