كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”:
لعلها مفارقة زيارة الرئيس سعد الحريري واشنطن نهاية هذا الاسبوع، وهي الاولى له رئيساً للحكومة في هذا العهد، انها تأتي في ظل الرئيس ميشال عون الذي تسبّب له في اكثر المواقف احراجاً يخبرها مسؤول في بلد. ان يقابل رئيساً اميركياً في اللحظة التي تُعلن اطاحة حكومته من دون علمه. حدث ذلك في 12 كانون الثاني 2011، في المرة الوحيدة التي اجتمع بالرئيس باراك اوباما بعدما كان استقبله اكثر من مرة سلفه الرئيس جورج بوش.
في ذلك النهار دخل موظف على رئيس تلك البلاد يحمل اليه ورقة مفادها ان المعارضة اللبنانية اطاحت حكومة ضيفه الذي انتقل للتو من رئيس للحكومة الى زائر عادي. يومذاك، من الرابية، اعلن الوزير جبران باسيل ــــ وهو سيرافقه في الزيارة الجديدة ــــ استقالة الوزراء الـ11 في المعارضة ايذاناً بسقوط حكومة الحريري. عُدّ عون مسؤولاً عن تقويضها وانهاء مغزى زيارة رئيسها لواشنطن وارباكه امام مستقبله.
مثل تلك الورقة التي أُدخلت على اوباما، شاءت المفارقة ايضاً ان تحصل قبلاً في 21 ايلول 1988، عندما تسلّم الرئيس حافظ الاسد وقد استقبل للتو الرئيس امين الجميل رسالة من موظف تنبئه بحصول انقلاب مفاجىء في بيروت بطلاه قائد الجيش العماد ميشال عون وقائد القوات اللبنانية سمير جعجع، وقد انهيا بدورهما مغزى زيارة دمشق. كان عون عام 1988 كما عام 2011 بطل الورقتين وبطل الانقلابين.
هذه المرة يذهب الحريري الى تلك البلاد وهو رئيس حكومة في جمهورية اصبح عون رئيسها. ومع ان الظروف مختلفة تماماً، وبين الرجلين تحالف سياسي وطيد، اذ بفضل احدهما وصل الآخر الى منصبه، وهو ما ينطبق على كليهما بالتساوي، الا ان السابقة وقعت في آخر مرة قابل الحريري رئيساً اميركياً قبل اكثر من ست سنوات، حينما أُبعد مذذاك عن الحكم.
كل ذلك لا يحجب اهمية الزيارة الجديدة التي تبدأ نهاية هذا الاسبوع، وتُتوّج باستقبال الرئيس دونالد ترامب الحريري في 25 تموز. منذ آذار سعى الى الحصول على هذا الموعد، وكان يجاب بحصر استقباله بوزير الخارجية ريكس تيلرسون، مع رفض تحديد موعد يستقبله فيه الرئيس او نائبه مايك بنس، الى ان نجحت وساطة سعودية في تحديد موعد مع ترامب.
يحمل الحريري الى واشنطن ثلاثة ملفات: اولها استمرار المساعدات الاميركية للبنان واخصها العسكرية للجيش، ثانيها العقوبات المتوقعة ضد حزب الله وتداعياتها على لبنان برمته، ثالثها النازحون السوريون وسبل المساعدة على اعادتهم الى بلادهم.
بالنسبة الى الاميركيين ليس لديهم ما يحدثون اللبنانيين به سوى ملفين: الارهاب الذي يمثله تنظيم «داعش» وخطره عند الحدود الشرقية وعلى الاستقرار الداخلي، وحزب الله الذي يعتبرونه تنظيماً ارهابياً. يتقاطع هذان الملفان مع ما يحمله الحريري حيال المساعدات العسكرية لمواجهة الارهاب والعقوبات الاميركية ضد الحزب المؤجلة الى ما بعد الصيف على الاقل.
ما يبدو واضحاً للمطلعين على ملف المحادثات المرتقبة ايلاء ملف المساعدات وخصوصاً العسكرية جانباً مهماً مع الرئيس كما مع مسؤولي الادارة واعضاء مجلسي الشيوخ والنواب في ضوء معلومات متوافرة عن احتمال خفضها بعد السياسة الجديدة لترامب بتقليص موازنتي وزارتي الخارجية والدفاع، وتشديده على تعزيز الانفاق على الجيش الاميركي. علماً ان زيارة الحريري تسبق باقل من شهر زيارة قائد الجيش العماد جوزف عون لواشنطن في 12 آب المقبل. وبحسب المطلعين انفسهم، من غير المستبعد ان يعود الحريري بتفهّم اميركي لحاجات الجيش الى مزيد من المساعدات العسكرية في مواجهته الارهاب في الجرود الشرقية، دونما تعريضها لأي تخفيض.
على ان مقاربة البندين الآخرين، حزب الله والعقوبات والنازحين السوريين، قد لا يكونان بمثل السهولة المتوخاة. وفق المطلعين اياهم يتركز الموقف الاميركي على المعطيات الآتية:
1 ــــ ما خلا الارهاب عند حدوده مع سوريا، لا يرى الاميركيون ثمة مشاكل اساسية في لبنان تقلق الغرب على استقراره واستمرار نظامه ومؤسساته. اما مشكلاته الداخلية المتزايدة، فقابلة للحل مع الوقت.
2 ــــ يميل الاميركيون في الوقت الحاضر الى السكوت عن حزب الله من غير تخليهم عن عقوباتهم عليه، وقد لا تكون بشدة مماثلة لعقوبات السنة المنصرمة، ما برر تأخير صدورها. الا انهم يعرفون ايضاً الدور البارز الذي يضطلع به حزب الله في مواجهة «داعش» عند الحدود الشرقية كما داخل سوريا. ولا تبدو محاسبته في رأس اولوياتهم شأن «داعش» الذي احال التفكير في مصير الرئيس السوري بشار الاسد مسألة هامشية في الوقت الحاضر، على غرار الموقف الاخير للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون. بعد القضاء نهائياً على «داعش» لكل حادث حديث مع حزب الله.
وكان باسيل في زيارته الاخيرة لواشنطن في آذار المنصرم ابلغ الى مسؤولي الادارة والكونغرس ان حزب الله مكوّن رئيسي في المجتمع اللبناني ولا يسعه هو الا التعاون معه. وهو موقف يلتقي معه فيه الحريري بتحفظ، مع افتراق جوهري يتصل بسلاح الحزب وعلاقته بسوريا وايران ناهيك بدوره في الحرب السورية.
3 ــــ يبدي الاميركيون اعجابهم بمقدرة لبنان على استيعاب هذا الكم من النازحين السوريين على اراضيه ويشجعون عليها، الا انهم يرفضون من خلال مساهمتهم في المساعدات الدولية من طريق الامم المتحدة انفاق اي قرش في الاراضي التي يسيطر عليها نظام الاسد. حينما اطروا على استقبال لبنان النازحين، اجابهم باسيل في آذار: عوض ان تشكرونا فكروا معنا في ارجاعهم الى بلادهم.
يومذاك اقترح على الاميركيين الآتي: النازحون الذين هم لاجئون سياسيون مرحب بهم، النازحون المقيمون في مدن لا تزال تحت زنار النار مرحب بهم، النازحون الآتون من مدن آمنة بغية الاستفادة من مساعدات الامم المتحدة يقتضي ارجاعهم. قال لهم: بدلاً من ان تعطوهم المال للبقاء عندنا، اعطوهم اياه كي يرجعوا الى بلادهم.
بيد ان محدثيه الاميركيين لم يجاروه في وجهة النظر هذه، الا انهم قالوا له انهم مع عودتهم الى مناطقهم تحت سلطة النظام لكن بلا مال اميركي.
اجابهم: انتم لا تكتفون بخلق اونروا ثانية للنازحين السوريين بعد اونروا اللاجئين الفلسطينيين، بل تتسببون في تحويل مخيمات النازحين الى «عين حلوة» جديدة تصبح ملاذاً للارهاب والفارين من العدالة ولا تدخل اليها الدولة اللبنانية على غرار المخيمات الفلسطينية.