Site icon IMLebanon

المأزق السعودي في أزمة الخليج

 

 

 

كتب مسعود المعلوف في صحيفة “الجمهورية”:

منذ أن انفجرَت أزمة الخليج في الخامس من حزيران المنصرم بإعلان كلّ مِن السعودية والإمارات والبحرين ومصر فرضَ حصارٍ برّي وبحري وجوّي على دولة قطر، وعزلها دبلوماسياً، ومقاطعتها اقتصادياً، كثرَت التساؤلات عن أسباب هذه الأزمة التي فاجأت الجميعَ بُعَيد زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الرياض وعقدِه قمّةً مع الملك سلمان تلاها في الرياض أيضاً قمّة أميركية-عربية-إسلامية مع قادة خمسين دولة عربية وإسلامية.
مِن أبرز هذه التساؤلات:

– هل إنّ الرئيس الأميركي شجّع السعودية على اتّخاذ موقف كهذا خاصة وأنه لمَّح في ما بعد في إحدى تغريداته انّه نبّه الملك السعودي الى الدور الذي تلعبه قطر في تمويل الإرهاب؟

– في حال كان ذلك صحيحاً، ما هي مصلحة الولايات المتحدة في تفجير أزمة بين حلفائها قد تتضرّر هي نفسُها من تداعياتها؟

– هل أساءت السعودية فهمَ الدعمِ الأميركي لها عبر تكريسها من قبَل الرئيس ترامب زعيمةً للعالم الإسلامي فاستغلّت هذا الوضع لتصفية حسابات قديمة لها مع قطر؟

مهما كانت الأسباب فقد سعت الإدارة الأميركية منذ البداية الى التفكير في كيفية حلّ المشكلة لتجنّبِ تدخّلِ دولٍ مِثل إيران وروسيا وتركيا في هذه المنطقة الحساسة، مستغلّةً في الوقت عينه إثارةَ موضوع محاربة الإرهاب الذي تُعلّق عليه أهمّية قصوى وتَعتبره من أولى أولوياتها لتحقّق بعض المكاسب في هذا الموضوع.

وقد كانت خطوتها الأولى في هذا المجال الاستفهام من المملكة السعودية عن ماهيّة مطالبِها لوقفِ الحصار، وبدل أن يتمّ إبلاغ وزير الخارجية الأميركية الموقفَ السعودي بتكتّمٍ وبصورة غير علنية لتمكينِه من القيام بمهمّة الوساطة بعيداً عن الأضواء، ما كان من وزير الخارجية السعودية، المعروف عادةً بلباقته الدبلوماسية، إلّا أن أعلن في واشنطن بالذات وأمام جميع وسائل الإعلام ثلاثة عشر مطلباً، مشدّداً على أنّها «غير قابلة للتفاوض»، على قطر تنفيذها بكاملها ضمن مهلة أيام معدودة وإلّا سيستمرّ الحصار، والأمورُ إلى تفاقم.

يبدو أنّ هذا الموقف قد أدخَل السعودية في مأزق كان من أولى نتائجه فشلُ مساعي وزير الخارجية الأميركية ركس تيلرسون في إحراز تقدّمٍ في الأيام الأربعة التي قضاها في سياسة مكّوكية بين الدوحة والرياض والكويت، بالرغم من توقيعه مذكّرةَ تفاهمٍ مع قطر حول تجفيف مصادر تمويل الإرهاب، وقد شكّلَ ذلك المكسب الأميركي الوحيد من الزيارة، كما أنّه يصعب رؤية أيّ مكسب للمملكة، إذ إنّه في حال رفضت التفاوض مع قطر للوصول الى حلّ يُرضي الفريقين، فإنّ استمرار الحصار سيَدفع قطر نحو إيران وتركيا وربّما روسيا، وفي ذلك خسارة واضحة للسعودية وللولايات المتحدة أيضاً، إذ إنّ هذا الواقع الجديد، في حال حصوله، من شأنه أن يعزّز وضع إيران في المنطقة في الوقت الذي تسعى فيه المملكة الى إضعاف هذا الدور.

وفي المقابل، إذا ما تراجعت المملكة عن موقفها وقبلت بالتفاوض مع قطر وصولاً الى حلّ وسط يرضي الفريقين، فإنّ في ذلك خسارةً معنوية كبرى لها بعدما وضَعت شروطاً علنية غير قابلة للتفاوض، ومن هذا المنطلق، تبدو السعودية في مأزق سياسي كما تبدو الأزمة شديدةَ التعقيد، إذ ليس هنالك من مؤشرات توحي بإمكان حلّها في وقتٍ قريب في ظلّ تصلّبِ الفرقاء المعنيين بمواقفهم.

وزير الخارجية الأميركية تيلرسون، بالرغم من قلّة خبرته الدبلوماسية، أظهر حكمةً وحنكة أثناء زيارته الى المنطقة، إذ إنه من جهة أولى، أجرى مفاوضاته مع القادة السعوديين والقطريين بتكتّمٍ شديد وبعيداً كلَّ البعد عن الإعلام لإعطاء المجال للفرقاء بالتراجع عند الضرورة عن أيّ موقف دون إحراج، وهذا أمر أساسي في فنّ التفاوض، ومن جهة ثانية أشاد بالدور الإيجابي الذي تلعبه الكويت في مساعيها لحلّ النزاع، وفي ذلك إشارة للقاصي والداني بأنّ الأزمة محض خليجية ومعالجتُها تتمّ من داخل الأسرة الخليجية، وذلك لتجنّبِ تدخّلاتٍ غير مرغوب فيها أميركيّاً، مع العلم أنّ الولايات المتحدة هي التي تقود المفاوضات وإنْ بصورة غير علنية.

لواشنطن مصلحة أكيدة في السعي لحلّ هذه الأزمة دون إبطاء، وهي ستواصل جهودها بالرغم من عدم نجاح مهمّة الوزير تيلرسون الذي أكّد أنّ حلّ هذا النزاع يقتضي جلوسَ الفرقاء جميعاً على طاولة المفاوضات والتباحث في ما بينهم حتى الوصول الى الصيغة التي ترضي الجميع.

من هنا يمكن التكهّن بأنّ واشنطن ستقوم قريباً بتشجيع الأطراف على طريقتها لعقد لقاءٍ تفاوضي بعد أن تكون قد قامت بمساعٍ ثنائية مع كلّ منهم – خاصة مع الجانب السعودي – وبعيداً عن الإعلام، لإقناعه بضرورة التفاوض وبالمخاطر التي تحيق بالمنطقة بأكملها في حال طالت الأزمة وتفاعلت، علماً أنّ عندها ما يكفيها من «وسائل الإقناع» لحملِهم على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، ويبقى عليها إيجاد الصيغة المناسبة التي تحفظ ماءَ الوجه للجميع، إذ يستحيل حلّ الأزمة إنْ كان هنالك من رابح وخاسر في أيّ مشروع حلّ يتمّ اقتراحه.