كتبت ليا القزي في صحيفة “الأخبار”: في قانون وزارة الخارجية، مادة تسمح لرئيس الجمهورية بأن يقترح تعيين سفراء من خارج الملاك، في حالات استثنائية. ولكن، منذ اتفاق الطائف، تُسيء المرجعيات استخدام هذه المادة، لتُسقِط في بعض البعثات أشخاصاً مجهولين، بعضهم بلا خبرة، على حساب الدبلوماسيين.
لا يعاني ملاك وزارة الخارجية اللبنانية من نقصٍ في الدبلوماسيين في الفئات الثلاث: السفير، المستشار، السكرتير. العدد الأكبر منهم من أصحاب الكفاءات. يُمكن قول ذلك، لأنهم على الأقل خضعوا لامتحانات تُخوّلهم دخول السلك الدبلوماسي، وسيرهم الذاتية معروفة لدى دوائر القرار. سنوات عديدة أمضوها في عملهم، يُراكمون الخبرات اللازمة، حتى يصلوا إلى مرحلة تسمح لهم بتسلُّم ملفّات حساسة، ويُصبحون «وجه» لبنان في دول العالم.
على الرغم من ذلك، لا تجد المرجعيات السياسية حرجاً في ضرب عرض الحائط بـ«الكفاءات» الدبلوماسية، و«إسقاط» أشخاص لا ينتمون إلى السلك، على أهم البعثات الدبلوماسية في العالم.
المادة 17 من النظام الداخلي لوزارة الخارجية، منحت مجلس الوزراء صلاحية تعيين سفراء من خارج الملاك، مشترطة مراعاة عددٍ من الضوابط، لكن لا تُلتَزَم في معظم الأحيان. مثلاً، أحقية التصنيف تُعطى لمن هم في الملاك أولاً. واختيار شخص من خارج الملاك يجب أن يكون لمواجهة ظروف استثنائية تتطلب خبرات ذات قيمة مضافة، أو «تكريماً لشخصية مرموقة كانت لها أيادٍ بيضاء وعطاءات على حجم الوطن». ولكن، تأخذ التعيينات، تحديداً منذ اتفاق الطائف، منحى مراعاة المحسوبيات الشخصية، واستغلالها في الزواريب المحلية، كالانتخابات النيابية. وهناك انعكاسات سلبية لتعيين سفراء من خارج الملاك، أهمها تأخير التصنيفات الدبلوماسية في الفئات الثلاث. قد تكون الإيجابية شبه الوحيدة، في ظلّ التقسيمات الطائفية التي تتحكم بالتعيينات، السماح لأبناء الطوائف غير المُدرجة في السلك بالتمثل، كالعلويين.
بدأت التعيينات من خارج الملاك تنتشر خلال عهد الرئيس بشارة الخوري، لأنّ السلك الدبلوماسي لم يكن قد تأسّس بعد، (عام 1953، حولت جميع المفوضيّات اللبنانية إلى سفارات). في السنوات اللاحقة، كانت الدولة اللبنانية، في ظروف تعدّها استثنائية، تستعين بخبرات شخصيات لديها علاقات دولية متشعبة. فبرزت أسماء شارل مالك، شارل حلو، كميل شمعون، خليل تقي الدين، كميل أبو صوان، جورج نقاش، غسان تويني… بعدها، أخذت التعيينات صفة جوائز الترضية، لعسكريين وأمنيين بعد إحالتهم على التقاعد، كجوني عبدو وجورج خوري، قبل أن «يُصبح الأمر عبارة عن تنفيعات، بعد انتهاء الحرب الأهلية»، بحسب أحد المطلعين على الملفّ. أكثر الذين استفادوا من المادة 17 هما: رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة. في حين أنّ حركة أمل لم تُعين سوى شخص واحد من خارج الملاك، من عام 1994 حتى 1996، هو زهير شكر.
لم يشذّ أي عهد رئاسي وحكومي، منذ التسعينيات، عن تطبيق المادة 17، من دون أخذ الضوابط التي تُنظّم عملها بالاعتبار. حتى الفقرة 5 من المادة القانونية، التي تنصّ على أنّه «يُعتبر السفراء من خارج الملاك مستقيلين حكماً عند انتهاء ولاية رئيس الدولة الذي عيّنهم ويستمر بعد ذلك في تصريف أعمال البعثة لمدة لا تتجاوز الشهرين حتى إذا انقضت هذه المدة ولم يصدر مرسوم بإعادة تعيينه توجب عليه مغادرة مركز عمله خلال مدة شهر»، لم تُحترم بعد مغادرة الرئيس ميشال سليمان القصر الجمهوري. فالسفراء أنطونيو العنداري (قريب الوزير جبران باسيل)، والياس لبّس (محسوب على تيار المردة)، خليل كرم (محسوب على سليمان)، مصطفى أديب (المستشار السابق للرئيس نجيب ميقاتي)، ونواف سلام (منذ عام 2007) لا يزالون يشغلون مواقعهم ويتقاضون رواتبهم، بعد فتوى قانونية أجازت ذلك رغم وضوح النص.
تقاسُم التيار الوطني الحر وتيار المستقبل حالياً، لتعيين سفراء من خارج الملاك، لا يخرج عن إطار أنّ الدبلوماسيين تحولوا إلى سفراء طوائفهم ومرجعياتهم السياسية. وسيُعيَّن 8 سفراء من خارج الملاك في واشنطن وباريس وأبو ظبي والجزائر وعمّان والرياض ونيويورك واليونِسكو (إضافة إلى إعادة تعيين السفير مصطفى أديب في برلين).
حجة تيار المستقبل، وجود نقص في عدد الديبلوماسيين السنّة، غير صحيحة. فبحسب معلومات «الأخبار» كان يجب أن تشمل التصنيفات (الترقيات) كلّاً من عبير علي، زياد عيتاني، ماهر خير، وكريم خليل. بيد أنّ تيار المستقبل فضّل اللجوء إلى تعيينات من خارج الملاك، لإرضاء السفير نواف سلام الذي «قرر مدير مكتب رئيس الحكومة، نادر الحريري، تعيين زوجته (زوجة سلام) سحر بعاصيري في بعثة لبنان الدائمة لدى اليونسكو»، بحسب مصادر دبلوماسية. و«بسبب ثقة سعد الحريري بها»، اختيرت مستشارته للشؤون الأميركية، آمال مدللي لتشغل بعثة لبنان في الأمم المتحدة (نيويورك). أما مصطفى أديب، فسيُثَبَّت في سفارة برلين، علماً أنّه محسوب على ميقاتي، لحسابات تتعلّق بالانتخابات النيابية في طرابلس. كذلك بالنسبة إلى تعيين فوزي كبارة في السعودية، وهو قريب لوزير العمل محمد كبارة. أما فؤاد دندن (أبو ظبي)، فالسؤال بين الديبلوماسيين عنه، وفي صفوف تيار المستقبل شبه مستحيل. الجواب موحد: «لا نعرفه».
من جهة التيار الوطني الحر، ستعيّن من خارج الملاك ترايسي شمعون في سفارة الأردن، «لأنها ابنة داني وحفيدة الرئيس كميل شمعون. وهناك علاقة تاريخية بين عائلتها والعائلة المالكة الأردنية». علماً أنّ رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، المُتهم باغتيال داني شمعون، سجّل امتعاضه من اختيار ترايسي. ثمة معلومات متضاربة حول غابي عيسى (المرشح لتولي سفارة لبنان في واشنطن). البعض يتهمه بأنه صديق لإليوت أبرامز، وشارك في العمل لإصدار قانون محاسبة سوريا في الكونغرس الأميركي عام 2003. في حين أنّ البعض الآخر يزعم أنّ عيسى قريب من دمشق. وفي الحالتين «ليس متعمقاً في الشؤون اللبنانية. فضلاً عن امتلاكه للجنسية الأميركية، التي سيضطر إلى التخلي عنها». أما مصادر «الخارجية»، فتقول إنّ عيسى «كان مبعوث الرئيس ميشال عون إلى الرئيس بشار الأسد عام 2004، ولديه علاقات جيدة داخل الإدارة الأميركية».
بالنسبة إلى سفارة الجزائر، فسيعُيّن محمد محمود الحسن «بعد أن زكّاه المجلس الإسلامي العلوي، وطالب به الرئيس عون». بالنتيجة، تُقرّ مصادر «الخارجية» بأنّ سبب اختيار سفراء من خارج الملاك «يعود لسببين: إما لأنّ الموقع السياسي للبعثة بحاجة إلى شخصية محددة تؤدي دوراً مميزاً في البعثة، أو يكون الموقع مكافأة».
يُخبر عدد من الدبلوماسيين الذين واكبوا عمل وزارة الخارجية لسنوات طويلة، أنها المرّة الأولى «التي نشهد فيها تشكيلات دبلوماسية فيها تعيين عدد كبير من السفراء الحزبيين في بعثات العواصم الأساسية». ويؤكد الدبلوماسيون أن المحاصصة بين التيار والقوات اللبنانية ستأتي على حساب دبلوماسيين يستحقون أن تشملهم التصنيفات (الترقيات). وعلى الرغم من أنّ مصادر الوزارة أبلغت «الأخبار» سابقاً أنّ من الصعب تلبية مطلب القوات اللبنانية بنيل سفارات عواصم أساسية، نالت معراب الحصة التي طالبت بها «وحبة مسك»: سليم بدورة في جنيف، إبراهيم عساف في فيينا، هالة كيروز في مدريد، ألبير سماحة في عُمان، وميلاد نمور في البحرين. فضلاً عن حصولها على نسبة من التصنيفات.
وعُقد أمس اجتماع في الخارجية، لتنقيح المسودة الأخيرة من أسماء السفراء، قبل أن يُناقش الملف اليوم في مجلس الوزراء. علماً أنّ مصادر وزارية في القوات اللبنانية قالت لـ«الأخبار» إنّ من «غير المحسوم أن تُبت التشكيلات الدبلوماسية اليوم لأن الوزراء لم يتسلموا الأسماء».
يُذكر أنّ مجلس الخدمة المدنية أصدر أمس القرار رقم ٤٥٥/ س/ و، وأورد فيه أنّ «بعض الموظفين المقترحة أسماؤهم للترفيع قد استمر بالبقاء في الخارج لمدة تتجاوز تلك المحددة في المادة ٢٢ من المرسوم رقم ١٣٠٦». يبلغ عدد هؤلاء ٩ ديبلوماسيين، وافق مجلس الخدمة المدنية على ترفيعهم، ولكن يطلب إعادتهم إلى الإدارة. لكن يبدو أنّ مجلس الوزراء لن يأخذ بهذا الرأي، بل سيسجّل مخالفة قانونية واضحة.
وبحسب معلومات «الأخبار»، جرى التبادل بين سفارتي أنقرة وبرازيليا. فأُرسل غسان المعلم إلى الأولى، ويوسف صياح إلى الثانية. كذلك بين بعثتي تونس، التي سيُعين فيها طوني فرنجية، واختيرت كلود الحجل إلى قبرص (كان من المُفترض أن تُعيّن في الأردن). وفي الكويت، سيُعين ريان سعيد. بالنسبة إلى حركة أمل، فالأسماء شبه النهائية هي: رامي مرتضى إلى لندن، فادي الحاج علي إلى بروكسل، نضال يحيى إلى ليبيا، علي الحبحاب إلى بغداد، أسامة خشاب إلى كينشاسا، نمير نور الدين إلى كوبا، حسن حجازي إلى باراغواي، عبير طه إلى طوكيو. وبحسب مصادر الوزارة «تسملنا اسم حسن عباس إلى طهران. وفرح نبيه بري ستتسلم على الأرجح مديرية المغتربين».
اختير لتعيينه سفيراً للبنان في فرنسا، مدير مكتب وزير الخارجية جبران باسيل، رامي عدوان. هذا التعيين أتى من خارج الملاك، علماً أنّ عدوان دبلوماسي من الفئة الثالثة. ولكن، بما أنّ رتبته لا تسمح له بوظيفة من الفئة الأولى، سيستقيل عدوان من السلك الديبلوماسي، ليُعيَّن من خارج الملاك. وتُبرر مصادر وزارة الخارجية إصرار باسيل على تعيين عدوان، بأنّ الأخير «صديق مُقرّب للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وبالتالي سينعكس ذلك إيجاباً على علاقة الدولتين». ولا تنفي المصادر نفسها احتمال أن «يُسهم عدوان (إلى جانب السفيرين في واشنطن والفاتيكان) في حملة باسيل الرئاسية بعد 5 سنوات».
لم يمرّ تعيين عدوان على رأس البعثة اللبنانية في باريس، من دون إثارة جدلٍ في أوساط الديبلوماسيين، خاصة الذين وقع بين أيديهم «تقرير سري» أرسله القائم بالأعمال بالوكالة في سفارة لبنان في هولندا السفير محمد الحجار، التي كان يعمل فيها عدوان، عام 2012. التقرير، الذي حصلت «الأخبار» على نسخة عنه، يتضمن ملاحظات سلبية عدة بحق عدوان ويحمل عنوان «سلوك السيد عدوان في هولندا». الملاحظات تشمل سلوك عدوان الإداري، وطريقة تعامله مع أقرانه، والعبارات التي كان يتلفظ بها بحق دولته، ووزارته. كذلك إن التقرير الرسمي الصادر عن السفير يتضمّن اتهامات بقضايا يُعَدّ بعضها جرائم جنائية!
كان في حينه، عدنان منصور وزيراً للخارجية، ولم يُفتح تحقيق بالتقرير. اكتفت «الخارجية»، بحسب المصادر، بسؤال عدوان عن التقرير، فأنكر التُّهم الموجهة إليه. وبعد تدخلات سياسية وديبلوماسية، تقرّر أن يُكتفى بـ«عقوبة» إعادة عدوان إلى الإدارة المركزية (ينخفض راتبه الشهري تلقائياً إلى أقل من 15 في المئة مما كان يتقاضاه في الخارج)، على أن يُلغى التقرير من سجلات الوزارة. ولكنّ عدوان اختار الخروج من السلك الديبلوماسي، طالباً منحه انقطاعاً عن العمل لمدة سنتين. لكن، فور تعيين باسيل وزيراً للخارجية، اقتنع بما يقوله دبلوماسيون: «عدوان ضحية تلفيق ملف، لأن حركة أمل كانت تهدف إلى تعيين قائمة بالأعمال في هولندا أدنى رتبة من عدوان، الذي وُعد بالمركز». أعاد باسيل الرجل إلى الوزارة، وعيّنه مديراً لمكتبه، وأصبح «عين الوزير الساهرة» في الوزارة، ومن أقرب الموظفين له. وفيما يصرّ دبلوماسيون على أنّ عدوان «رغم صغر سنّه، هو من أكثر الدبلوماسيين كفاءة في الوزارة»، يرى آخرون أن مضمون التقرير يستوجب التحقيق، لإزالة هذه الوصمة من سجلِّ دبلوماسيٍّ سيُصبح سفير لبنان في واحدة من الدول الكبرى!
أخبار ذات صلة:
“الطبخة” طُبخت والتعيينات الدبلوماسية “بالبارشوت“!
التشكيلات الدبلوماسية “تقاسُم حُصص”… فهل تقبل واشنطن بسفيرنا؟