كتب جورج شاهين في صحيفة “الجمهورية”:
في غياب التفاهمات حول عدد من الملفات المتصلة بالتعيينات في وزارة الإعلام والتلفزيون، واستمرار الخلاف في قوى الأمن الداخلي «نفذت» التشكيلات والمناقلات الدبلوماسية «من خروم الشبك». وأنجزت «التوزيعة المذهبية» بعد جهد جهيد بكل دقة أرضت أحزاب السلطة، فأدرجت على جدول أعمال جلسة اليوم المقررة في بعبدا. وعليه، ما هي الظروف التي رافقت هذه التشكيلات، وكيف سوِّيت بعض المخارج؟منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في نهاية تشرين الأول الماضي، وتشكيل الحكومة الجديدة في منتصف كانون الأول الماضي أيضاً، عادت التشكيلات الدبلوماسية الى الضوء بعد سنوات من الجهود التي بذلت دون الوصول الى التشكيلات الشاملة في ظل الشغور الدبلوماسي «المخيف» الذي غيّب الحضور اللبناني الدبلوماسي في العديد من السفارات اللبنانية وفي العديد من عواصم القرار الكبرى، والمواقع المعتمدة لدى المؤسسات والمنظمات الدولية والأممية، وأخرى يمكن إدراجها على لائحة الدول الصديقة للبنان، ومن بينها الدول المانحة للبنان في العديد من المجالات الإقتصادية والمالية، وتلك التي تشارك لبنان في مواجهته لكلفة النزوح السوري والفلسطيني والعراقي في لبنان على المستويات كافة.
لا يختلف الدبلوماسيون الذين شاركوا في الطبخة الدبلوماسية مع العديد من الوسطاء في إشارتهم الى حجم الجهود التي بُذلت لإخراج التفاهم حول السلة الكاملة من المناقلات والتشكيلات، والشروط والمطالب المتبادلة، وتلك التي جمّدت البحث في هذه التشكيلات لأشهر عدة، رغم الوعود بإقفال الملف منذ تشكيل الحكومة الحالية قبل ثمانية أشهر.
فقد كانت العملية مضنية، وشملت 34 دبلوماسياً تم ترفيعهم من الفئة الثالثة إلى الثانية، ومن الفئة الثانية إلى الأولى، وفق توزيع طائفي شمل تسعة دبلوماسيين شيعة وموارنة، وثمانية سنّة، وأربعة أرثوذكس، وثلاثة كاثوليك، وأرمني واحد، عدا عن المراكز التي جرى ملؤها من خارج السلك الدبلوماسي في عواصم عربية وغربية عدة.
وفي التفاصيل، لا يتردّد المشاركون في «الطبخة» في تقديم روايات قادت الى التفاهم حول التركيبة النهائية المطروحة على مجلس الوزراء اليوم، والتي شملت أيضاً منصب الأمين العام للوزارة، الذي يشغله بالوكالة السفير شربل وهبة، كونه مديراً للشؤون السياسية في الوزارة قبل شغور المركز، وانتهت المفاوضات التي جرت بين وزارة الخارجية وبيت الوسط الى اقتراح نقل القنصل في اسطنبول هاني شميطلي الى الإدارة المركزية، وترفيعه لتعيينه أميناً عاماً للوزارة.
والى هذه المعلومات، تجدر الإشارة الى أن وزير الخارجية جبران باسيل أصرّ على بعض التعيينات في سفارات مهمة، كواشنطن وباريس، الى أن وُفِّق في توفير المخارج لها.
وعليه فقد اضطر الدبلوماسي رامي عدوان، الذي يشغل منصب مدير مكتب الوزير الى الإستقالة من مسؤولياته في السلك الدبلوماسي لإستحالة ترفيعه من الفئة الثالثة الى الأولى دفعة واحدة، ليُعيَّن سفيراً في العاصمة الفرنسية الشاغرة منذ فترة طويلة، باعتباره صديقاً للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ومن جيله، (38 عاماً)، وهما من خرّيجي الدورة عينها في إحدى الجامعات الفرنسية.
والى ذلك، برز إصرار باسيل على تعيين السيد غابي عيسى سفيراً من خارج الملاك، رغم القول إن واشنطن قد ترفض تعيينه لديها باعتباره من حاملي الهوية الأميركية الى جانب اللبنانية.
لكن فريق باسيل أكد أن للمشكلة حلاً في حال أصرت الولايات المتحدة على هذا المبدأ، فيتخلّى عيسى عن هويته الأميركية، علماً أن التجارب السابقة لا تُعطي الرفض الأميركي أية أهمية فلقد سبق أن مثّل لبنان في واشنطن سفيران يحملان الهوية الأميركية الى جانب اللبنانية، وهما السفير المتقاعد رياض طبارة، والسفير الشهيد محمد شطح.
وفي مبادرة هي الأولى من نوعها، أصر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على تعيين السيدة تريسي داني شمعون حفيدة الرئيس الراحل كميل شمعون في العاصمة الأردنية، إحياءً للعلاقات المميزة بين عائلة الرئيس الراحل والعائلة الملكية الهاشمية.
أما في العواصم الأساسية الأخرى، فقد احتفظ رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي بسفارة لبنان في موسكو للطائفة الدرزية، بعدما عُرضت صيغ عدة لإستبدالها بمواقع أخرى، كما طالب بذلك الوزير باسيل، الذي كان يرغب في أن تكون من حصة أرثوذكسي.
لكن إصرار جنبلاط الذي أوفد الى باسيل قبل أسبوعين تقريباً وفداً ضمّ وزير الحزب أيمن شقير والنائب وائل أبو فاعور ليبلغه إصراره على الإحتفاظ بالسفير الحالي شوقي بو نصار فيها، فكان له ما أراد منعاً لوجود عقبة قد تحول دون التفاهم النهائي والشامل بين مختلف مكوّنات الحكومة.
أما بالنسبة الى سفارات لبنان في الأمم المتحدة، فقد احتفظ الرئيس الحريري بتسمية مَن أراد لهذه المهمة، وسيُعيِّن من خارج الملاك كل من آمال مدلّلي في بعثة لبنان في الأمم المتحدة، وسحر بعاصيري في مقر منظمة اليونسكو، و فؤاد دندن في أبو ظبي، وسيُعيِّن الطرابلسي فوزي منذر كبارة في الرياض، إضافة الى التجديد لمصطفى أديب في برلين.
وفي انتظار ما سيكون عليه الوضع في مجلس الوزراء اليوم، تبيّن أن ليست هناك أية مشكلة شيعية في مناقلات وتعيينات السلك الدبلوماسي، ما خلا ما تردّد عن إحتمال تعيين السفير سعد زخيا سفيراً في دمشق، والتي تهتم بسفارتها اليوم القائمة بالأعمال فرح نبيه بري، التي ستبقى في موقعها كمخرج لوقف الجدل حول الموضوع.
والى هذه المعطيات، ظهر جلياً أن «الصفقة الدبلوماسية» تمّت بنجاح بعدما توزعت المناصب وفق ما أراده الأقوياء، فتقاسموا المواقع بما يُرضي الجميع، مع عزل تام لباقي المكونات السياسية والحزبية من خارج التركيبة الحكومية القائمة اليوم، وهو أمر متوقع في باقي المواقع، وإن المفاوضات الجارية في شأن الميدل إيست وتلفزيون لبنان، ما زالت تخضع للمعادلة عينها، ولن ترى النور قبل توافق الجميع عليها، وإن غداً لناظره قريب.