كتب رامح حمية في “الأخبار”:
تتصاعد وتيرة الضغوط العسكرية والنفسية على مسلحي الجرود في عرسال، بالتوازي مع نشر حزب الله المزيد من المجموعات العسكرية في المنطقة المحيطة بمراكز تجمُّع المسلحين في الجانب السوري من الحدود، واستنفار إضافي أوسع لمنع أي محاولة من جانب المسلحين للفرار باتجاه الأراضي اللبنانية.
لكن حزب الله لم يوصد الأبواب نهائياً أمام المفاوضات مع المسلحين. وبينما تردد أن مجموعات تابعة لتنظيم “داعش” ترفض التفاوض نهائياً، أشار مطّلعون إلى أنّ الموقف ليس على هذا النحو، وأنّ موقف هؤلاء سيتأثر بما يقرره قائد مسلحي “جبهة النصرة” أبو مالك التلّي، الذي لم يقفل بدوره باب التفاوض، وإن كان يتقدم كل يوم بطلبات متنوعة، يبدو هدفها شراء الوقت ليس إلا.
الجديد في التفاوض، ليس اقتصار رسائل حزب الله عبر وسطاء سوريين، سواء من وجهاء المنطقة أو بعض المسلحين، بل هذه المرة من خلال شخصيات عرسالية تربطها علاقة قوية بالمسلحين، كالشيخ مصطفى الحجيري (“أبو طاقية”).
وترتكز المحاولة الأخيرة على تحمّل أبناء عرسال مسؤوليتهم في مواجهة النتائج الأليمة لأي مواجهة عسكرية. ليس فقط لكونها تدور على بعد أمتار من منازلهم، بل لسبب أهم، يتمثل بوجود العشرات من أبناء عرسال ولبنانيين من مناطق أخرى، ينتظمون حتى اللحظة ضمن تشكيلات المجموعات المسلحة.
وكانت الجولات السابقة من المفاوضات قد ركزت على مطلب رئيسي للتلّي، هو ضمان نقله إلى إدلب عبر تركيا وليس عبر الأراضي السورية. وأن يكون ذلك ضمن آلية تتولاها جهات دولية تؤمّن انتقاله هو والمئات من المسلحين وعائلاتهم إلى تركيا عبر مطار بيروت أو عبر المرفأ، على أن يتولى هو لاحقاً إدارة أمور من معه. وقد اشترط التلّي نقله بباصات مقفلة لا يُسمَح لأيِّ جهة فتحها أو الدخول إليها، رافضاً بصورة مطلقة اقتراب أي عناصر أمنيين أو عسكريين أو حتى تابعين لمنظمات إنسانية من الباصات، مع تشديد على رفض أي نوع من التواصل بين المسلحين وأفراد عائلاتهم وبين أي طرف آخر حتى وصولهم إلى تركيا.
وكان التلي يحاول من خلال هذا الطلب الرد على طرح سابق، هو تنظيم قافلة تخصه وجماعته من مسلحين ومدنيين، يتولى حزب الله ضمان أمنها حتى حدود مناطق المسلحين في محافظة إدلب، شرط أن يتاح في النقطة الأخيرة أمام من يرغب من الذين يرافقونه التخلي عن خيار الانتقال إلى ادلب. وهو أمر رفضه التلي، مضيفاً مطلبه الدائم بحقه في نقل كل ما يريد من عتاد ورجال وسلاح.
وكان التلي قد قام بمناورة إضافية، معلناً استعداده للتفاوض على شكل انسحابه من دون التفاوض على تسليم المناطق الخاضعة لسيطرته لحزب الله، موحياً أنه سيترك المنطقة والعتاد الثقيل، وربما عدداً من المسلحين الذين يريدون القتال حتى إلى جانب تنظيم “داعش”.
وبحسب مصادر متابعة، فإن التلي لا يوحي أنه مفاوض جيد، ولا حتى أنه يقدّر بدقة ما آلت إليه الأمور. وتلفت المصادر إلى أن المعركة إذا انطلقت لن يجري بعدها التفاوض إلا بالطريقة التي يريدها حزب الله، حتى الحكومة السورية ستكون في حل من أيّ التزام أو تعهد قدمته إلى حزب الله للمساعدة في إقفال الملف من دون سقوط المزيد من الدماء.
عملياً، كانت عرسال خلال اليومين الماضيين، تشهد أوسع لقاءات على مستوى فعالياتها التي بدت أمام ضغوط كبيرة، وقد ترجمت البلدية الواقع صباح أمس بإصدار بيان خاطبت فيه النازحين السوريين داخل البلدة، وخارجها، وحتى المسلحين في الجرود. البيان توجه بشكل واضح برسالة دعم للجيش اللبناني مع تحذير للسوريين داخل بلدة عرسال “بالتزام خيمهم وبيوتهم في حال حدوث أي طارئ، وعدم الظهور المسلح”. وخصّ البيان مسلحي الجرود بالإشارة إلى “الخطأ الجسيم” الذي ارتكبوه في آب 2014، والذي “ما زلنا ندفع ثمنه حتى اليوم، فكفِّروا عن ذنبكم بعدم الوقوع في نفس الخطأ، واتخِذوا الموقف الجريء بالانسحاب إلى الداخل السوري حقناً للدماء وتجنيباً للناس خسائر معركة غير متكافئة، فضلاً عن تحرير العسكريين اللبنانيين وأهلكم المدنيين”.
أما لناحية ما يقوم به الشيخ مصطفى الحجيري (“أبو طاقية”)، فهو توجه عصر أمس إلى الجرود عبر محلة وادي حميد، برفقة أحد أبنائه، لمناقشة آخر أفكار الوساطات، متسلحاً بالضغط الذي وصل إلى صفوف المسلحين. وتقول المعلومات إنّ “حالة تململ باتت واضحة لدى مسلحي النصرة”. وتضيف أن احتمال حصول انقسام داخل المجموعات احتمال قوي، مصدره شكوى مسلحين من “تعنت أبو مالك التلي” وشروطه.
وترى مصادر أمنية أن حراك “أبو طاقية” وخروجه من مربعه الأمني باتجاه الجرود، وإفساح الجيش المجال أمامه للعبور إلى الجرود عبر معبر محلة وادي حميد، “ليس إلا دليلاً على دخوله خط الضغط على “أبو مالك التلي” لما يتمتع به الحجيري من قدرة على فرض كلمته على التلي والتنظيم، ومنها إطلاق من يحدده من العسكريين مع زيارات لذويهم وحتى وقوفه بين مسلحي جبهة النصرة بشكل علني خلال عملية المقايضة وتسليم المخطوفين من عناصر قوى الأمن الداخلي، مقابل موقوفين في السجون اللبنانية”.