كتبت ميسم رزق في صحيفة “الأخبار”:
تطوّع مجلس النواب في جلسته التشريعية أمس إلى فرض ضرائب جديدة. قسم من مواد هذه الضرائب أُقرَّ في جلسة عامة برئاسة فريد مكاري شهر آذار الماضي، بهدف تمويل سلسلة الرتب والرواتب (كان أبرزها زيادة الضريبة على القيمة المُضافة من 10 في المئة، لتُصبح 11 في المئة).
غير أن باقة الضرائب المُقترحة التي تبلغ 18 مشروعاً ضريبياً (بعد إلغاء المادتين 4 و9) لم تُصِب هذه المرّة ذوي الدخل المتوسط وحدهم، بل طاولت لوبي المصرفيين والمضاربين العقاريين. ويُمكن القول إن هذا الإجراء يُعدّ إنجازاً، ولو «متواضعاً» للمجلس النيابي، بعد أن تمكّن من تحقيق ما كان غيرَ وارد في مجالس سابقة. وتمثّل ذلك في إقرار مادتين أساسيتين: معالجة الإشغال غير القانوني للأملاك العامة البحرية، والضريبة على عائدات المصارف. ففي قاموس المال والاقتصاد قد يبدو ذلك «أقل الواجب». غير أن هذا الأمر لطالما عُدّ من المحرمات، نتيجة التقاء المصالح السياسية والمالية بين الكتل والأحزاب وأصحاب المليارات. فبعدَ نحو 17 عاماً، ضغطت فيها كبرى المؤسسات وأصحاب رؤوس الأموال للتحايل على الإجراءات الضريبية في سبيل إعفاء أصحاب النفوذ منها، ونجحت أحياناً كثيرة في توقيف الغرامات المفروضة أو التحايل عليها بحيث تُصبح عديمة الجدوى، أسهم العهد الجديد، مدعوماً بضغط حركة أمل وحزب الله، في تحويل لاءات البعض إلى نعم، رغم الاختلاف الحاد بين النواب من الكُتل كافة.
في اليوم التشريعي الثاني الذي ناقش الإيرادات والضرائب، شهِدت الهيئة العامة وجهتي نظر كما جرت العادة. واحدة استبسلت في الدفاع عن أصحاب الأموال والقطاع الخاص، وعبّر عنها تيار المُستقبل (تحديداً الرئيسين سعد الحريري وفؤاد السنيورة). وأخرى تحفّظت على الضرائب التي تطاول الفئات الفقيرة وتمثلت بكتلة «الوفاء للمقاومة». وكان مشروع قانون معالجة الإشغال غير القانوني للأملاك العمومية البحرية، الذي أقره مجلس النواب من دون إدخال تعديلات عليه، الأكثر تجاذباً بين الأطراف السياسية في الجلسة. ففيما رأى البعض أن إقرار القانون بشكله الراهن أشبه بمكافأة للمعتدين على الأملاك البحرية، كما قال النائب نواف الموسوي، رأى آخرون أن «الغرامات المالية هي أفضل الممكن، ولن تمنح المخالفين أي حق مكتسب». هذا الكلام جاء تحديداً على لسان الرئيس الحريري الذي رأى أنّ القانون بشكله الحالي هو «جزء من تسكير العجز».
وكان لافتاً مثلاً أن حماسة رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل قد خفتت أثناء مناقشة الأملاك البحرية، بعد أن استغرب «سكوت أكثرية الكتل النيابية عن زيادة الضرائب، وناشد النواب التراجع عنها»، ما دفع النائب حكمت ديب إلى سؤال رئيس مجلس النواب نبيه برّي «وينن المحمّسين لحقوق الفقرا. ما سمعنا صوتن» غامزاً من قناة كتلة الكتائب، فسارع الجميل إلى الردّ قائلاً: «نحن مع معاقبة كل من تعدّى على الأملاك البحرية». لكن الأهم في ما يتعلق بهذا المشروع أنه ليس تسوية، بل تدبير عقابي يفرض غرامة على المعتدين، ولا يمنحهم أي حقوق.
ومن المواد المهمّة أيضاً (المادة 15) المتعلقّة بالتفرغ في إعادة التخمين للمقومات العينية في شركات الأموال. فطالب السنيورة بخفض قيمة التخمين (من 15 في المئة إلى خمسة فقط) لتشجيع الشركات. ورأى الحريري أن «التخفيض سيُدخل مزيداً من الأموال إلى الخزينة». فتصدى لهما النائبان حسن فضل الله وعلي عمار. فاعتبر الأول أن هذه «الضريبة تطاول الشركات الكبيرة، ولا مانع من زيادة الرسوم عليها»، فيما استغرب الثاني «كيف حين يتعلق الأمر بالشركات والمصارف تتحرك الحمية من الهندسة المالية وغيرها وهذا لا نقبله واقترح التصويت على المادة كما هي». فاستمر رئيس الحكومة في الدفاع عن الشركات، مشيراً إلى أن «القطاع الخاص هو الموظِّف الأساسي في البلد، وهو أساس كل اقتصاد في العالم، وهو الذي يوظف الطبقة الوسطى والفقيرة، ونحن نريد توظيف الناس، ونحن عندما نخفض الضرائب نفعل ذلك من أجل التحفيز». ولحسم النقاش طرح الرئيس بري التصويت على إبقائها بنسبة 10 في المئة فصُدقت، مع اعتراض كتلة «الوفاء للمقاومة» على خفض هذه الضريبة.
وفي المادة (17) التي تُخضع أرباح شركات الأموال لضريبة نسبية قدرها 17 في المئة، طالب النائب نواف الموسوي برفعها إلى 25 في المئة. لكن الحريري اعتبر أن «الموضوع يخضع للظروف الاقتصادية وقابل للنقاش حسب اقتصادنا، وإذا اقتضى الأمر نخفضها في ما بعد». فيما طالب الجميل بـ«ضريبة متناسقة مع الأرباح. لكنها صُدّقت كما هي. أما المادة (19) المتعلقة بالضريبة على فوائد الحسابات من المصارف من 5 بالمئة إلى 7 بالمئة، فقد طالب النائب إيلي عون «بإعادة النظر بهذه الزيادة»، والجميل بـ«تطبيقها على الحسابات الكبرى»، قبل التصديق عليها دون تعديلات.
وقد بدأ النقاش في المواد القانونية الضريبية من البند العاشر، على اعتبار أن المواد التسع قد اقرت سابقاً. وكان هذا البند يقضي (قبل تعديله) بفرض رسم خروج على المسافرين من طريق البرّ قدره خمسة آلاف ليرة لبنانية. فطلب النائب نديم الجميّل «فرض رسوم على الداخلين وليس المغادرين». فعلّق النائب نوار الساحلي بأن «أهالي البقاع يدخلون باستمرار إلى سوريا للتبضع ولا يمكن تحميلهم المزيد من الأعباء». وحين سأل برّي «كم يُعطي هذا البند دخلاً»، أجاب وزير المال: «علينا أن نحدد حركة النزوح». وبناءً على اقتراح تقدّم به النائب غسان مخيبر عُدّل النصّ ليصبح «الرسم مفروضاً على المغادرين غير اللبنانيين».
أما المادة (11) التي تفرض رسماً لمصلحة الخزينة على كلّ مغادر جوّاً، فأقرت مع عدم إضافة أي رسم على مسافري الدرجة السياحية. كذلك أقرّ المجلس المادة (12) التي تفرض رسماً مقطوعاً على المستوعبات المستوردة.
كذلك صُدِّقَ على المادة (16) المتعلقة بفرض رسم على عقود البيع العقاري، بعد مطالبة الجميّل زيادة مهلة التسديد من خمسة أيام إلى 15 يوماً على رسم الـ2 بالمئة على عقد بيع عقاري ممسوح؛ والمادة (14) التي تخضع جوائز اليانصيب لرسم نسبي، فيما ألغيت المادة (4) التي تفرض رسوماً إضافية على تراخيص البناء، بعد اعتراض نواب «كتلة الوفاء للمقاومة»، على أن يُقدَّم اقتراح قانون مستقل بشأنها لاحقاً.