“هافنغتون بوست”: يبدو أن هذا الأسبوع كان عصيباً بالنسبة للرئيس الأميركي دونالد ترامب؛ فبعد هزيمته في الكونغرس بشأن برنامج أوباما كير، اضطر إلى أن يوقع مكرَهاً على التصديق على التزام إيران بشأن الاتفاق النووي الذي وقعته إدارة أوباما مع الجمهورية الإسلامية.
وتضطر إدارة ترامب إلى الموافقة على التزام طهران بالاتفاق النووي، وهي المرة الثانية التي تضطر فيها إدارة ترامب إلى التصديق على حسن تعاون والتزام إيران، حيث الإدارة مطالبة كل 90 يوماً بإخطار الكونغرس وإعلامه بأداء إيران وبيان مدى التزامها بالاتفاق، بحسب تحليل للكاتب إيشان ثارور بصحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، الأربعاء 19 تموز 2017.
والإثنين 17 تموز الجاري، رفض الكونغرس الأميركي إلغاء برنامج أوباما كير الذي وضعه الرئيس الأميركي السابق؛ ما اعتُبر ضربة جديدة لترامب، وكتب الرئيس الأميركي بعدها على تويتر: “لقد خذلني الجميع”.
وقال الكاتب الأميركي: “وافق ترامب مكرَهاً على الخطوة لكن مع تحفظات كبيرة، ودعا في الوقت ذاته إلى فرض المزيد من العقوبات على إيران. كتبت زميلتي كارين دي يونغ في صحيفة الواشنطن بوست: لقد أوضح كبار مسؤولي الإدارة أن قرار التصديق جاء على مضض، وقالوا إن الرئيس ترامب ينوي فرض عقوبات جديدة على إيران على (أنشطتها الشريرة) المستمرة في المجالات غير النووية، كتطوير الصواريخ الباليستية ودعم الإرهاب”.
وبحسب ثارور، فإن ترامب غضب في حنق عندما اضطر إلى الموافقة على التصديق ثانيةً على حسن تعاون والتزام إيران، الذي أكدته مؤسسات رقابية دولية وأطراف أخرى موقعة على الاتفاق.
وترى دولٌ رئيسية حليفة للولايات المتحدة، منها بريطانيا وفرنسا وألمانيا، أن في الاتفاق إلجاماً كفؤاً يكبح طموحات إيران النووية المفترضة. لكن هذه الدول لا تربط بين تنفيذ الاتفاق والمخاوف من التصرفات الإيرانية الأخرى المقلقة التي تشمل دعم مجموعات مسلحة متنوعة في الشرق الأوسط واحتجازها مواطنين أجانب دون وجه حق.
فقد كتب هذا العام بيتر فيتيغ، السفير الألماني في واشنطن: “إن الاتفاق النووي يسهم كثيراً في منع إيران من الحصول على سلاح نووي، بيد أننا نبقى واقعيين جداً حول دور إيران الإشكالي في المنطقة”، بحسب “واشنطن بوست”.
إذاً، تبقى إيران مصدر القلق الجيوسياسي رقم واحد في عين الرئيس ترامب. فترامب الذي يبدو عاقد العزم على هدم إرث الرئيس السابق باراك أوباما، كثيراً ما وصف الاتفاق بأنه اتفاقية استسلام للجمهورية الإسلامية. ولعل الحدث الوحيد الذي ظل في الذاكرة من الفترة الوجيزة التي بقيها مايكل فلين في منصبه مستشاراً للأمن القومي كان تصريحه الغامض الذي “أنذر إيران رسمياً.” وعندما زار ترامب المملكة العربية السعودية في أولى زياراته خارج البلاد، وافق على الدخول في فلك رؤية الرياض للشرق الأوسط، رؤية تقوم في أساسها أولاً وقبل كل شيء على عداوة وكراهية إيران، كما يقول الصحفي الأميركي.
لن يصدّق على الاتفاق إلى ما لا نهاية
وبحسب الصحفي بيتر بيكر من صحيفة نيويورك تايمز، فإن “ترامب أخبر فريقه الأمني بأنه لن يستمر في التصديق على التزام إيران إلى ما لا نهاية”، مضيفاً أنه اشتكى طيلة لقاء دام ساعة كاملة الأسبوع الماضي من اضطراره إلى التصديق هذه المرة، فما كان أمام كبار مستشاريه –كمستشار الأمن القومي ماكماستر ووزير الخارجية ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس- إلا إقناعه بضرورة العمل بالاتفاقية رغم أن أياً من هؤلاء لا يكنّ تعاطفاً مع إيران.
شتان بين الاندفاع الذي كان يتحدث به المرشح ترامب عن إلغاء الاتفاق النووي من أصله، وإحجام إدارته –مجبَرة- عن اتخاذ خطوة جذرية أحادية الجانب كهذه. لكن مع ذلك يبدو أن ترامب نفسه يتلهف لفسخ الاتفاق.
لقد “خلقت إدارة ترامب متعمدةً بيئة من الحيرة بتشكيكها المستمر في صلاحية” الاتفاق، حسب قول تريتا بارسي، رئيسة المجلس الأميركي-الإيراني الوطني، الذي هو مؤسسة تهدف لتدعيم أواصر العلاقات بين واشنطن وطهران، وتابعت بارسي “فهي (أي الإدارة) ألمحت كثيراً إلى أنها قد تخرج من الاتفاق، كما أشارت إلى أنها قد تعمل على تغيير النظام في إيران.”
وقالت بارسي أيضاً في رسالة إلكترونية أنه بدلاً من إقامة حوار مع طهران لحل الخلافات العالقة مثلما فعلت كل دولة من حلفائنا الأوروبيين، فإن إدارة ترامب اختارت تصعيد التوتر وتضييع الفرص السانحة للتوصل إلى فهم مشترك.”
وقد حاول ترامب في قمة للناتو شهر أيار إقناع شركائه الأوروبيين بوقف التعاملات والصفقات التجارية مع إيران، في خطوة قد تشكل في حد ذاتها خرقاً لبنود الاتفاق الذي يقضي بأنه على كلا الطرفين “الامتناع عن أي سياسة” قد تضر بتعاملات إيران الاقتصادية طالما أنها ملتزمة بالاتفاق، بحسب واشنطن بوست.
فسحة تاريخية
لكن مسؤولي الحكومات الأخرى الموقعة على الاتفاق لا يبدون رغبة في إعادة التفاوض على بنوده؛ فالشهر الماضي قال وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل عن الاتفاقية مرحباً بها “إنها بادرة أمل عظيمة” و”فسحة تاريخية” لإعادة تمتين وتقوية العلاقات. كما إن العديد من الشركات الأوروبية تتهافت هذه الأيام على الدخول إلى السوق الإيراني، فالشهر الجاري وقعت شركة توتال الفرنسية العملاقة للطاقة صفقة غاز تاريخية مع إيران بقيمة تقارب 5 مليارات دولاراً.
وقد قال الباحث السياسي الكبير بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إيلي جيرانمايه، متحدثاً إلى زميلي الصحفي إيرين كنينغهام “ثمة انقسام واضح بين وجهة أوروبا ووجهة أميركا في موضوع إيران. فالأوروبيون شرعوا بالمضي على طريق المقاربة وإقامة العلاقات الودية، أما الولايات المتحدة فعيناها على سياسة عزل وتطويق رادع.”
ولم يغب فهم ذلك عن وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف الذي كان في نيويورك هذا الأسبوع، حيث قال ظريف في مجلس العلاقات الخارجية أن البيت الأبيض يرسل “إشارات متناقضة”. وفي لقاء له مع مجلة National Interest، وبخ ظريف “خرق” ترامب لروح الاتفاق.
حيث قال ظريف “إن وصل الأمر إلى خرق كبير، أو إلى ما يسمى في بنود الاتفاق النووي بالانعدام الكبير للأداء، فإن إيران عندئذ ستكون أمامها عدة خيارات منها الانسحاب من الاتفاق.” ورغم أن البيت الأبيض يتمنى إغراء الإيرانيين بالانسحاب إلا أنه من غير المرجح أن يحدث ذلك. كما إن ظريف استغل المنبر الذي تحدث منه لتقريع ترامب على ما تكشف من أجندته المناوئة لإيران، والتي ظهر منها أزمة دول الخليج التي اشتعلت مباشرة بعد زيارة ترامب إلى السعودية.
وقد أتى ظريف على ذكر أزمة الخليج وحصار قطر فقال “علينا أن نكون أكثر حذراً فيما يصدر عنا من رسائل وإشارات لأننا رأينا ما حدث من جراء الإشارات الخاطئة خلال الأسابيع القليلة الماضية في منطقتنا، خصوصاً بعد قمة الرياض، حيث أحدثت بلبلة بالغة في المنطقة ليس بين حلفاء أميركا وإيران، وإنما بين ظهراني حلفاء أميركا أنفسهم. ولهذا أرى من المهم أخذ ذلك في الحسبان لكي نفهم تعقيدات الموقف.”
والختام هو ما كتبه الصحفي فريد كابلان من موقع Slate حينما قال “إنها لإشارةٌ مدمرةٌ حينما يتمكن وزير خارجية إيراني من مناورة رئيس أميركي بكل هذه السهولة. والإشارة المؤسفة أكثر هي أن الحق مع وزير الخارجية الإيراني.”