كتب جورج شاهين في “الجمهورية”: يصرّ الخبراء العسكريون من كلّ الأهواء والاختصاصات على أنّ معركة السيطرة على جرود عرسال والقلمون الشمالي ستكون سهلةً ومن دون أيّ كلفة تُذكر. فالمنطقة ساقطة عسكرياً منذ فترة، وعلى عكسِ المهاجمين لا تتوافر للمجموعات المسلّحة أيٌّ من مقوّمات الصمود. ولذلك فإنّ إنجازَها قبل دخولِ رئيس الحكومة سعد الحريري البيتَ الأبيض ليس مستبعَداً، ما يَستدعي قراءةً للعملية شكلاً وتوقيتاً. فما الذي توحي به؟
كلّ التقارير السياسية الواردة من عواصم الدول المؤثّرة في الملف السوري تحدّثت منذ أيام عن أنّ المعركة في جرود عرسال والقلمون الشمالي ومحيطهما من الجانبين اللبناني والسوري على قاب قوسين أو أدنى وقد تبدأ في أيّ وقت . فهناك “توافُق إقليمي ودولي وشِبه محلّي لبناني” على شنِّ هذه الحرب ضمن “التفاهمات الجديدة في كلّ سوريا”.
فماذا يعني هذا الكلام وما يوحي به:
يقول تقرير ديبلوماسي واستخباري إنّ ما تشهده جرود عرسال منذ ساعات قد اختمر في عدد من المراكز القيادية المتحكّمة بالملف السوري من كلّ الجهات على وقعِ التفاهمات الأميركية – الروسية التي رَسمت آفاقا جديدة للمخارج المحتملة للانتقال بالوضع من مكان إلى آخر.
وفق استراتيجية جديدة رُسمت لِما يمكن تسميتُه باللغة العسكرية والسياسية على حدّ سواء بـ”المقاطعات السورية الجديدة” التي حوّلتها “بلوكات أمنية وإدارية متعدّدة” تتوزّع فيها مواقع النفوذ الإقليمية والدولية الجديدة.
وعليه، ولرَسمِ هذه المواقع يمكن التطلّع إلى اتفاقات وقفِ النار التي بدأت المرحلة التجريبية منها في الجنوب السوري، وتحديداً في المناطق الحدودية الممتدّة من أطراف الجولان السوري المحتل شرقاً وامتداداً على طول الحدود الأردنية وصولاً الى مثلّث الحدود الأردنية ـ العراقية ـ السورية حيث المواقع الأميركية المُحدثة عند معبر التنف الحدودي وبعمقٍ يمتدّ إلى 70 كيلومتراً في بعض المناطق وما بين 30 و40 كيلومتراً، حسب التضاريس الجغرافية على طول هذه المنطقة الممتدّة على مسافة حدودية يزيد طولها على 440 كيلومتراً تقريباً.
وفي التقرير التفصيلي الذي تَناوَل خريطة التفاهمات الجديدة التي رُسمت على هامش قمّة العشرين التي عقِدت في هامبورغ في ألمانيا التي أطلقت إشارةً واضحة لبدءِ تنفيذ التفاهم الأميركي ـ الروسي الجديد تزامُناً مع ما أنجَزه الخبراء المجتمعون في قاعدة «الموك» الأردنية التي انضمَّ إليها ضبّاط روس الى جانب الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين والأردنيين لرسمِ الخطوط العريضة للمرحلة التجريبية الأولى في المنطقة الممتدّة من الجنوب السوري الى دمشق وصولاً إلى الحدود اللبنانية ـ السورية.
ووصَف التقرير الذي تناوَل هذه المرحلة التدابيرَ المقرّرة في النصف الجنوبي من الأراضي السورية الممتدّة على طول الحدود الأردنية ـ الإسرائيلية والسورية ـ اللبنانية بما فيها العاصمة دمشق وأريافها بما تشكّله من اختبار للنيّات الإقليمية والدولية ومدى التزامها بما يمكن «هندستُه» من ترتيبات هي في قمّة التعقيد حتى الساعة.
وقال التقرير إنّ ما تشهده عرسال وتلال القلمون من ضمن ما رُسم في الخطة الجديدة تمهيداً للإعلان عن توسيع الخطة الجنوبية لتشملَ وسط سوريا وجنوبَها وشرقَها قبل التفرّغِ لشمالها وشرقِ البلاد على طول الحدود السورية مع تركيا والعراق التي تعيش نوعاً من وقفِ نارٍ غيرِ معلَن تجري ترجمتُه بتغييب ما يَجري على الأرض من عمليات عسكرية في الرقّة ودير الزور وإدلب والصحراء السورية القريبة من الأراضي العراقية والتي لن تشهد أيَّ تغييرات دراماتيكية في المرحلة الراهنة.
ومِن ضمنِ التفاهمات التي تمَّ التوصّل إليها يمكن النظر الى ما يجري من تصفيات داخلية بين المنظمات السورية المعارضة في ريف دمشق الشرقي واليرموك وصولاً الى منطقتي درعا والقنيطرة لترسيم التفاهمات الجديدة ووصولاً إلى ما يجري في تلال القلمون وعرسال المنطقة التي اعتُبرت النقطة الأضعف في المعادلات الداخلية السورية الجديدة.
ولذلك فقد تَقرَّر تنفيذ هذه العملية بسرعة مضبوطة وفقَ التعهّدات الروسية التي تُراقب المنطقة بدقّة من غرفة عمليات «حميميم» بالتنسيق مع النظام السوري وحلفائه المحلّيين الذين يخوضون المواجهات في المنطقة.
فالمتغيّرات الميدانية ستفرض آليّةً جديدة للحلّ وفق منطق العصا والجزرة المستخدَم منذ أيام على وقعِ الغارات الجوّية التي شنّها الطيران السوري قبل بدء العمليات العسكرية على الأرض والتي لن تطولَ في حال أسرَعت المنظمات المسلّحة بقبولها الحلولَ والمخارج المقترحة برعاية دولية وضمانات روسية وأميركية لنقلِ عناصرها بأيّ وسيلة إلى الشمال السوري وتدبير المخارج لرعاية المخيّمات الواقعة خارج نطاق سيطرة الجيش اللبناني في منطقةٍ باتت تفصل بين الأراضي اللبنانية التي يُمسك بها الجيش والأراضي السورية التي وفّرت ملجأً ومصدراً لرزق المسلّحين ومأكلهم ومشربهم في الجانب السوري من الحدود وبعض المناطق اللبنانية الخارجة عن سلطة الشرعية.
وبناءً على ما تقدَّم، تؤكّد المعلومات المتوافرة أنّ ما يجري في عرسال وتلال القلمون مرسومٌ بدقّة متناهية ليكونَ منجَزاً في أيام إنْ لم يكن ذلك ممكناً في الساعات المقبلة وفي توقيت يسبق زيارةَ الحريري لواشنطن في 24 من الجاري بدليل صحّة التوقّعات بانهيارات سريعة للمجموعات المسلّحة التي ستَنقاد في الساعات المقبلة إلى تفاهمات تؤدّي إلى إخراجهم من المنطقة وفقَ الشروط الروسية وليس وفق الآليات التي اقترحوها في مفاوضات الأيام الماضية.
وإلى أن تنقشع الرؤية بعد تراجُعِ دخان القصفِ الجوّي والبرّي الذي لفَّ المنطقة، ستَظهر المخارج السياسية المقترَحة وفق توزيعِ مواقع القوى والخريطة الجديدة المعَدّة للمنطقة، وما على اللبنانيين سوى التفرّجِ على ما يجري لأنّه لن يكون له أيّ انعكاسات داخلية سياسية أو عسكرية وأمنية.
فالساحة اللبنانية التي تَحكمها معادلات مختلفة خارج هذه الدائرة وفي هذه المرحلة بالذات بانتظار ما ستؤدّي إليه العملية بوجهيها العسكري والسياسي، فالمسألة لا تحتاج إلى أيام عندما تسبق المخارج السياسية الخططَ العسكرية التي نُفّذت لمصلحتها.