كتب علي الحسيني في صحيفة “المستقبل”:
التحضيرات العسكرية واللوجستية لإعلان ساعة الصفر لمعركة الجرود والتي تزامنت مع مواعيد متقلّبة ومتأرجحة على خط المفاوضات التي وصلت إلى طريق مسدود، انطلقت عند الساعة الخامسة من فجر أمس من الجهتين السوريّة واللبنانية، وسط مخاوف متعددة من أهالي بلدة عرسال الذين يخشون تطوّر الأمور وذهابها باتجاه الأسوأ. وأمام هذا الواقع الصعب، سمح الجيش اللبناني للنازحين من نساء وأطفال ومسنّين مقيمين في مخيمات وادي حميد بالخروج منها والدخول الى بلدة عرسال.
الخامسة فجراً اشتعلت جبهات الجرود بقصف مدفعي استمر حتّى التاسعة صباحاً، مهّد به «حزب الله» لدخول مقاتليه من الجهة اللبنانية وتحديداً من جنوب جرود عرسال باتجاه عمق المساحات التي تتواجد فيها «جبهة النصرة»، وقد تزامن هذا التحرك، مع تصعيد مماثل لجيش النظام من بلدة فليطا السورية، وهو الامر الذي اعتُبر أنه ساعة الصفر لإنطلاق معركة الجرود. وبحسب مصادر مواكبة لتطوّر المعركة، فقد أكدت أن القصف اشتد منذ ساعات الفجر حتى الواحدة ظهراً، لتعاود بعد الظهر ولكن بشكل متقطع. وبحسب المصادر نفسها، أنه في تلك الأثناء حصلت مفاوضات بين الحزب ومجموعة من «النصرة» بشأن إنسحابها، لكنها لم تصل إلى نتيجة ملموسة خصوصاً وأن الطرفين سقط لهما العديد من القتلى والجرحى.
في بداية قصفه المدفعي والصاروخي، استهدف «حزب الله» تجمّعات ونقاط انتشار وتحصينات ومواقع «النصرة» في «ضهر الهوى» وموقع «القنزح» ومرتفعات «عقاب» ووادي «الخيل» و»شعبة النحلة» في جرود عرسال. بعدها بقليل أشار الإعلام الحربي التابع للحزب، إلى أن الهجوم إنطلق من محورين باتجاهات متعددة لكل محور، الأول من بلدة فليطة السورية باتجاه مواقع «جبهة النصرة» في جردها في القلمون الغربي والثاني من جرود السلسلة الشرقية للبنان الواقعة جنوب جرد عرسال (مسيطر عليه منذ 2015 ) باتجاه مرتفعات وتحصينات ارهابيي «النصرة» شمال وشرق جرد عرسال. لكن المستغرب بحسب البعض، هو أن أي إحتكاك عسكري على الأرض بين الحزب أو النظام مع تنظيم «داعش»، لم يحصل على الإطلاق أقله خلال الساعات الأولى. لكن ردود عدد من المحللين السياسيين المؤيدين للحزب، جاءت على النحو الآتي: «المعركة ما زالت في بدايتها».
وحده الغبار الذي يتصاعد مع أصوات المدافع، يدل على أن معركة حقيقية تندلع خلف الجرود. أهالي عرسال اتخذوا كل الإحتياطات اللازمة. المعركة برأيهم قد تطول وقد تمتد إلى بلدتهم في حال خرجت عن سيطرة الأفرقاء المتقاتلة. رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري يؤكد لـ»المستقبل» أن الأوضاع لغاية الآن، ما زالت تحت السيطرة واللافت هو غياب أي تحرّك أو أي مظاهر خارجة عن المألوف، للنازحين السوريين في مخيمات البلدة، وهذا ما كُنا نعهده منهم وما كُنّا نراهن عليه قبل بداية المعركة»، مشدداً «مرّة أخرى وليست أخيرة، على أن الرهان بالنسبة إلى أمننا وأماننا هو على الجيش فقط وعلى شرعية وجوده وعلى كل خيار يتخذه يراه أنه الأنسب لبلدة عرسال. واليوم لدينا تطمينات من الجيش أكثر من السابق، بأنه لن يسمح على الإطلاق، بتحول البلدة إلى كبش محرقة أو نقطة استنزاف، ولا إلى وكر للإرهاب مهما كلّف الأمر».
وفي هذا السياق، وتأكيداً منه على عدم جعل عرسال محطة لكل من تسوّل له نفسه، أخذها وأهلها رهينة، فقد أجرى الجيش لحظة اشتداد المعركة أمس، تدابير مشددة داخل عرسال وعلى حدودها وقد لاقى هذا الامر، إرتياحاً من الأهالي وتجاوباً. وقد ترافقت هذه التدابير، مع إجراءات احترازية اتخذها الصليب الأحمر اللبناني تحسّباً لاحتمال حصول أي طارئ. وفي السياق عينه، أكد العديد من أهالي عرسال خلال إتصالات مع «المستقبل»، أن المعركة ما زالت محصورة في الجرود وأنه لم تسقط أي قذيفة داخل حدود البلدة. لكن هذا لا يعني أن الأوضاع مريحة ومُطمئنة خصوصاً وأن المعركة في الأيام المقبلة، قد تشهد تصاعداً في عمليات القصف وعمليات الكرّ والفرّ بين المتقاتلين، وقد تكون البلدة نقطة استهداف من قبل أي فريق يصعب عليه دخولها في ظل الحماية المُطلقة التي يؤمنها الجيش.
الإعلام الحربي التابع لـ «حزب الله»، أخذ على عاتقه نقل مشاهد متعددة لعناصر الحزب أثناء المعركة، وقد ظهر مقاتلو الحزب في أكثر من مكان، وهم يدخلون مواقع تابعة «النصرة» مع صور لعناصر قتلى من الأخيرة على الأرض. يسأل عنصر من الحزب أحد جرحى لـ «النصرة»: موجوع؟ يُجيبه العنصر بـ»نعم»، ليرد عليه باستهزاء «هلأ بترتاح» ثم يُكمل طريقه مع مجموعة من المقاتلين قبل أن يجد جريحاً آخر ممدداً على الأرض، فيقول له «بعد شوي بتعيش الله بعِينك» وذلك قبل أن يعود قائد المجموعة ويوجه كلامه لعناصر الحزب قائلاً: «يا أخوان نحنا أعطيناهم فرصة من قبل، لكنهم لم يستجيبوا. والأهم أنه علينا الإنتباه من التشريكات التي يُمكن أن يكونوا وضعوها في بعض الأمكنة». وقبل أن ينقطع الشريط المصوّر بثوان، يُصادف عناصر الحزب وهم من مجموعة «المقداد»، جريحاً من «النصرة»، يسأله أحدهم: شو بعدك عايش؟ فيرد عليه «نعم»، من أين أنت؟ من حماه.. ايه الله يعطيك العافية والله يسرلك أمرك، مهمتك أُنجزت على أكمل وجه».
ومن الملاحظ أن «حزب الله» الذي خاض منذ أيّام معركة تعويم النظام السوري سياسيّاً من خلال دعواته الحكومة اللبنانية إلى التواصل مع هذا النظام بهدف حل مسألة النازحين السوريين في لبنان، هو اليوم يسعى إلى تعويمه عسكريّاً وتحسين صورته أمام المجتمع الدولي، وذلك عبر خوضه معركة الجرود بالنيابة عنه وإظهاره في صورة الداعي لإستئصال الإرهاب ومكافحته، علماً أن هذه الجماعات الإرهابية هي إبنة هذا النظام ووليدته، نمت وكبرت وتسلحت تحت كنفه. لكن لهذا الدور تكلفة دفعها الحزب من دماء عناصره عُرف منهم حتى الساعة: حسين سليم من الغبيري، أيمن شمص من البقاع، حسن علي حمود من بلدة الطيبة.
وفي سياق خسائر «حزب الله» أيضاً، فقد نقلت مجموعة مواقع أنه سقط للحزب مجموعة كاملة أثناء تعرضها لكمين في منطقة «الزمراني» في الجرود تضم: أبو عبد الله جعفر وهو قائد عسكري، محمد إبراهيم ابو حمدان، علي كمال حيدر، حسين جعفر، ناجي مشيك، بشير الحج حسن، شحادة حوري، سامر علاو، حسن زعيتر الملقب بـ»الحاج كرار»، علي أمهز، احمد حسين أشعل والشقيقان علي حسين سباط ومحمد حسين سباط.