كتبت روعة الرفاعي في “اللواء”:
منذ سنوات وأزمة «النازحين السوريين» تُرخي بظلالها على كافة الأوضاع الحياتية في مجتمعاتنا، وإنْ كان الحديث عن سلبياتها في السابق لم يكن ليتجاوز حدود الاجتماعات الضيّقة، إلا أنّ القضية اليوم باتت تطفو على السطح جرّاء ما يتعرّض له المواطن اللبناني من تجاوزات ومنافسات «غير مشروعة» لم يعد بالإمكان السكوت عنها، وهذا بالفعل ما ترجمته التحرّكات السابقة التي قام بها أصحاب «تجمّع محلات الخليوي» ونقابة «الحلاقين في منطقة الشمال»، الذين يعانون مأساة كبيرة لجهة الفوضى اللاحقة بتجارتهم ومهنتهم، الأمر الذي أثار الكثير من ردود الفعل سواء في صفوف المؤيّدين أو المعارضين لهذه «الفورة الشعبية».
هذا الواقع استدعى تدخّلات سريعة من قِبل عدد من المشايخ الذين أكدوا أنّ «للنازح السوري» الحق في العمل بغية تأمين لقمة عيشه، في الوقت الذي أبدى فيه وزير العمل محمد عبد اللطيف كبارة استعداده التام للوقوف إلى جانب التجّار الذين قصدوه في مكتبه بحيث أوعز إلى دائرة العمل والتفتيش في سراي طرابلس بملاحقة المخالفات وإبرام محاضر الضبط بحق العمال الأجانب، مؤكداً ضرورة تنظيم سوق العمل في ظل الفوضى الحاصلة في صفوف «العمالة السورية».
ملخّص القضية أنّ أهالي منطقة أبي سمراء استفاقوا على اليافطات التي رفعها أصحاب محلات بيع الأجهزة الخليوية، والتي حملت الشعارات التالية «نناشد الدولة اللبنانية ووزير العمل محمد كبارة … قد أصبحنا لاجئين في بلدنا» وغيرها من اليافطات التي أنذرت بالأسوأ ما لم تتدخّل الدولة اللبنانية وتحديداً وزير العمل محمد كبارة لحل قضيتهم التي تتلخّص بالتجار السوريين من أصحاب الأموال الذين يقومون باستيراد البضائع بالجملة من أجهزة خليوية وإكسسوارات ليبيعونها بأقل من تكلفتها الحقيقية، الأمر الذي لا يمكن تفسيره إلا من زاوية «تبييض الأموال» تماماً كما هو حاصل ضمن محلات «وان دولار» المنتشرة في كل مكان وتعود ملكيتها لمواطنين سوريين.
أصحاب المحلات الخليوية
تجاه هذا الواقع المرير يعلّق أصحاب محلات الهواتف الخليوية بأنّهم باتوا «لاجئين في وطنهم»، وإذا ما أرادوا السفر لأي بلد عربي أو أجنبي عليهم تأمين الفيزا، وإجازات العمل قبل التفكير بالموضوع في الوقت الذي يتمتع فيه المواطن السوري وكبار التجّار بالفوضى السائدة تحت مسميات «اللجوء» والتي تتيح لهم العبث بلقمة عيشنا، فإلى متى يمكننا الانتظار؟؟؟ وهل إقفال محلاتنا يرضيهم كما يرضي القيمين على هذا الوطن؟؟؟
محال الخليوي
36 مواطناً من أصحاب المحلات في منطقة أبي سمراء يتنافسون مع 66 محلاً لبيع الأجهزة الخليوية تعود ملكيتها لمواطنين سوريين، كانوا قد رفعوا اليافطات في وقت سابق وربما ينفّذون تحركات تصعيدية إذا لم تتم الاستجابة لمطالبهم.
إيهاب ريفي صاحب محل لبيع الأجهزة الخليوية قال: «أوضاعنا الاقتصادية سيئة للغاية بسبب الفوضى اللاحقة بمصلحتنا، بالأمس رفعنا اليافطات التي لا نريد أن يفهم من خلالها اننا ضد اخواننا السوريين، بل اننا ضد التجار الذين يشترون البضائع بالجملة من قبل مصادر خاصة لا نعرف عنها شيئاً ومن ثم يبيعونها بأسعار أقل من الكلفة».
وتابع ريفي: «كنّا نعتاش من وراء هذه المصلحة واليوم أوضاعنا متدهورة ولم تعد لدينا بضائع بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية، وإنْ لم نقم بهذه التحرّكات فمصيرنا الاقفال دون أدنى شك، وهنا نسأل ماذا سيكون مصير البعض حينما يقفل باب رزقه بسبب «المواطن السوري»، الذي حرمه من لقمة عيشه؟؟؟ نناشد الدولة الالتفات الينا قبل تفاقم الأزمة حتى لا يكون هناك أي ردة فعل سلبية من قبلنا أو من قبل اخواننا السوريين».
صالونات الحلاقة
وفي الوقت عينه عقد أصحاب صالونات الحلاقة في منطقة أبي سمراء وعلى رأسهم رئيس النقابة فتحي الهندي، وهم يعانون من «المنافسة ذاتها»، اجتماعاً طارئاً في وقت سابق بحث خلاله قضيتهم بعدما بات من المستحيل حسب رأيهم السكوت عن الواقع المزري الذي يتخبّطون به جراء اتخاذ عدد كبير من اللاجئين السوريين هذه المهنة كمصدر رزق لهم من دون التقيد بأي ضوابط سبق ووضعتها النقابة لجهة الالتزام بالوقت المحدد لافتتاح صالونات الحلاقة فضلاً عن التسعيرة.
والملفت في هذه القضية، أن المواطن السوري الذي كان يعيش حياة منتظمة في بلده لجهة الدوام (اغلاق المحلات في فترات معينة بعد الظهر فضلاً عن الدوام الرسمي المحدد ليلاً)، نجده اليوم لا يكترث بالأمر حينما يبدأ عمله منذ ساعات الصباح الأولى ولا يقفل أبوابه الا في ساعات متأخرة ليلاً، على أن يتناوب في هذا العمل مع شركاء له، وكأنه في سباق مع «الزمن» أو هو يسعى ليس لتأمين لقمة العيش والتي تضمنها له المنظمات الكافلة، وإنّما للتعويض عن الخسائر والنقص الذي يعيشه خارج بلده، ما اضطر أصحاب الصالونات لإظهار حالة من «الاستنفار التام» خوفاً من خسارتهم لزبائنهم الأمر الذي لم يعتادوا عليه سابقاً !!!
الصمت لم يعد حلاً كما قال أصحاب الصالونات، بيد أنّهم لا يسعون من تحرّكاتهم الى الوقوف في وجه لقمة عيش المواطن السوري، وإنما هم ينشدون التنظيم في المهنة وعن الموضوع تحدث امام جامع الايمان الشيخ بسام أيوب فقال: «كلفنا من قبل نقابة الحلاقين أن ننطق حكماً شرعياً في اللغط الحاصل في مجتمعاتنا، اننا أهل حقيقيون للنازحين السوريين وأحبابنا، بل أصحح وأقول إن النقابة تقول بالفم الملآن إننا أمة واحدة لا فرق بين عربي أو أعجمي الا بالتقوى، النقابة ليست ضد المواطن السوري ولا هي تمانع وجوده، انما هي تطلب الانضباط وفق ضوابط النقابة بحيث لا يكون هناك لا ضرر ولا ضرار».
من جهته النقيب الهندي قال: «منذ سنوات ونحن نعاني الفوضى والمشاكل لجهة انتشار محلات الحلاقة بطريقة عشوائية، لجأنا الى الوزير محمد كبارة ابن هذه المدينة وبدا متفهماً لقضيتنا وطالبنا بإحصاء عدد المحلات وأعداد السوريين فيها، ونلفت الى اننا لم نطالبه بتحرير محاضر ضبط بحقهم وإنما التنظيم من خلال قوننة أوضاعهم لجهة تأمين اجازة العمل ومن ثم الحصول على اذن النقابة بافتتاح المحل ضمن الأنظمة المتبعة بأن يكون العمل لغاية الساعة التاسعة ليلاً ويوم الأحد لغاية الساعة الثانية ظهراً، اضافة الى تحديد التسعيرة».
وتابع النقيب الهندي: «النقابة معنية بمتابعة الموضوع مع الوزارات المعنية وعنيت بها وزارتي العمل والاقتصاد، وبالفعل الوزير كبارة وعدنا بتوجيه الانذارات لأصحاب المحلات لاسيما في مناطق عكار والكورة والضنية حيث لا يمكننا كنقابة المتابعة، ونحن طلبنا منه الايعاز للمحافظ بمتابعة القضية مع بلديات الأقضية والقرى».