كتب أنطوان فرح في “الجمهورية”: تكتسب الزيارة التي يقوم بها رئيس الحكومة اللبنانية الى الولايات المتحدة الأميركية أهمية استثنائية، لجهة الاستحقاقات الداهمة التي تطوّق الوضع الاقتصادي، وفي ظل الرهان على القدرة على تغيير اتجاهات قانون العقوبات الذي يبدو بمثابة ضربة قاضية لما تبقّى من اقتصاد.
في تطورات متعددة الاتجاهات، تتم زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري الى الولايات المتحدة في ظل ثلاثة اشارات لها مدلولاتها في توقيتها.
الاشارة الاولى تمثلت في بدء معركة تحرير الجرود المتداخلة في حدودها بين لبنان وسوريا.
الاشارة الثانية ظهرت في التصريح الذي أدلت به السفيرة الاميركية في الامم المتحدة، والذي دعت فيه المجتمع الدولي الى العمل لتجريد حزب الله من سلاحه.
الاشارة الثالثة جاءت من خلال تحريك مشروع قانون العقوبات ضد حزب الله، والذي يعتبر بمثابة امتداد للقانون القائم، ويهدف الى توسعة دائرة من تطاولهم العقوبات الى من يثبت تعاونه او تعاطيه مالياً مع حزب الله.
هذه التطورات الثلاثة لا تبدو بمثابة أوراق رابحة في يد رئيس الحكومة الذي اصطحب وفدا كبيرا، مع التركيز على الجانب الاقتصادي لجهة مناقشة قانون العقوبات المقترح، ومخاطره على الوضع الاقتصادي في لبنان، في حال إقراره بصيغته المقترحة.
وهي صيغة متشددة، وفضفاضة، يمكن ان تؤدي الى امرين:
اولا – توتير الاجواء الداخلية في لبنان، وشل عمل بعض المؤسسات، على اعتبار ان العقوبات قد تطاول الاشخاص والبلديات، وحتى الوزارات والمسؤولين السياسيين. وهذا الوضع سيؤدي الى حذر في كل الاوساط، كما انه سيضع المصارف مجددا في مواجهة حزب الله، والضغوطات التي يمكن ان تُمارس.
ثانيا – تعقيد العلاقات بين المصارف اللبنانية من جهة والمصارف المراسلة من جهة أخرى. وسبق للمصارف ان عملت بجهد كبير في المواجهة السابقة من اجل الحفاظ على هذه العلاقات الحيوية، والتي من دونها يفقد القطاع المصرفي اللبناني قدرته على التواصل مع الاسواق العالمية، ويكون ذلك بمثابة انهيار لهذا القطاع.
انطلاقا من هذا الواقع باتت مهمة الحريري اكثر تعقيدا، وهو تبلّغ رسالة أميركية مفادها ان واشنطن في ظل ادارة دونالد ترامب، باتت تعطي الاولوية لمواجهة ايران وادواتها في المنطقة، وعلى رأسها حزب الله.
في هذه الاجواء، سيكتشف حاكم مصرف لبنان أيضا، والذي يُعوّل عليه في معالجة ملف العقوبات وحماية المصارف اللبنانية من تداعيات قانون العقوبات، ان الاجواء اليوم تختلف تماما عن أجواء الامس، عندما نجح الحاكم بمساعدة المصارف اللبنانية، واللوبي اللبناني في الولايات المتحدة، في تلطيف القانون في صيغته الاولى، وفي دفع الادارة السابقة الى التراخي في تطبيقه.
هل تعني هذه الاجواء أن مهمة الوفد اللبناني، على الأقل لجهة قانون العقوبات المالية، محكومة بالفشل؟
في الشكل، وبمجرد أن تتم الزيارة، ويلتقي الحريري الرئيس الاميركي،(اللقاء مقرّر غدا الثلثاء) فهذه اشارة الى ان واشنطن لا تزال مهتمة بلبنان. وهي بالتالي، حريصة على استمرار الاستقرار النسبي القائم في البلد، الأمني والاقتصادي.
في المضمون، سيكون الرهان على قدرة الوفد اللبناني، على إقناع الادارة الاميركية، بأن القانون المقترح سيؤذي لبنان وقد يؤدي الى انهياره مالياً، من دون أن يوصل الى النتيجة المتوخاة منه لجهة التضييق على حزب الله لدفعه الى «الانصياع». وفي هذه الحالة، قد توافق واشنطن على اعادة درس مندرجات هذا القانون، ما دامت لا تريد انهيار البلد.
ومن البديهي، ان الادارة الأميركية تمتلك بدورها حججاً سوف تعرضها امام الوفد اللبناني لكي تُظهر ان القانون، سيساعد اللبنانيين الرافضين لاستمرار وضعية حزب الله كما هي اليوم، على تغيير هذه الوضعية.
وبانتظار النتيجة في صراع النظريات والحجج، لا شك في أن مرحلة الانتظار ستكون ثقيلة على اللبنانيين، الذين يخشون على اقتصادهم من الانهيار من دون «جميلة» قانون العقوبات الجديد، وفي حال تم إقرار هذا القانون بصيغته المقترحة، سيصبح الامل في الصمود هذه المرة ضرباً من الخيال.