يحتاج التعاطي مع معركة جرود عرسال إلى قليلٍ من المنطقيّة والعقلانيّة، لا إلى استنفار بلغ بالأمس أسفل الدّرك على مواقع التواصل الإجتماعي، يمرّ لبنان هذه الأيام بأقسى انقساماته العموديّة، فيما اختار فريق من خارج الانقساميْن أن يختبىء خلف صورة الجيش اللبناني مع أنّ مهمّة الجيش واضحة وهي حماية منطقة عرسال من تسلّل الإرهابيين الفارين باتجاه البلدة، ظنّاً من هؤلاء أنّ هذا أهون الشرور.
المعركة كانت متوقعة، وفي الحقيقة لا يستطيع أحد أن يقول أنّه يتمّ تخيير اللبنانيين بين إرهابيْن، إرهاب داعش والنصرة وإرهاب حزب الله، هذه ليست الصورة الحقيقيّة، ومن غير المقبول اعتبار الذين يسقطون من شباب حزب الله «فطايس»، هذا كلام أقل ما يقال فيه إنّه لا يقيم حرمة للموت ولا قيمة لأمهات وذوي الضحايا من هؤلاء الشباب، ومن المؤسف أنّ هذه التعبيرات استخدمت بعد «فرعنة» غير مسبوقة من جمهور حزب الله وإعلامه بلغ ذروته بالأمس مع مقالة لأحد «السكارى» بمعارك الحزب طالب فيها بملاحقة وقتل كلّ من قرّر هو تصنيفهم في خانة العداء للمقاومة!!
قد يقول قارىء ما أنني حتى هذا السطر لم أقل رأيي في معركة جرود عرسال، حسناً، منذ بدأت الكتابة في هذا الهامش لم أكذب على القارىء، ومعركة جرود عرسال هي معركة لمصلحة لبنان أولاً لأنّها ستطهر الوديان والسهول والمغاور التي تحوّلت أوكاراً لذوي الأحزمة الناسفة، ورأيي في هذه المعركة أنّ حزب الله يخوضها من الجانب السوري، لا هو اعتدى على سلطة الدولة وسيادتها المنوطين بالجيش وحده، وهذه المعركة ضروريّة وحاسمة، لأنّها ستبعد شبح النصرة وداعش عن جرود عرسال وتنهي خطرهما على عرسال البلدة ومخيمات اللاجئين فيها، هذا من جهة، ومن جهة ثانية أين هي مصلحتنا كلبنانيين في تورّط الجيش اللبناني في خوض معركة جرود عرسال واضعاً المدنيين في ظهره ليضغطوا عليه بهم، وفي الأساس حزب الله اختار من تلقاء نفسه وبرضى جمهوره أن يذهب إلى الحرب السوريّة، وتنظيف أوكار الإرهاب هو حماية للبقاع اللبناني كلّه وبكلّ طوائفه، ولا شيء يستعدي هذا التصعيد الشعبوي الذي فقد أدنى حدود الحياء في الخلاف واختيار مفرداته!
لا أحد يعرف كم ستستمرّ المعركة، ولكن كلّما ضاق الخناق على الإرهابيّين سيفرّون في اتجاه الأراضي الواقعة تحت سيطرة الجيش اللبناني، فلندعو الله أن يُجنّب لبنان إراقة الدماء، هذه معركة كان لا بُدّ من خوضها فلنأمل أن يسحق حزب الله هؤلاء الإرهابيّين الذين تسببوا بمئات القتلى والجرحى والمخطوفين من أبناء المؤسسات العسكرية والأمنيّة، على أمل أن يكون العسكريين المخطوفين على يد داعش لا يزالون على قيد الحياة وأن يعثر عليهم حزب الله ما بين مغاور الجرود سالمين، وهنا علينا أن نسأل الذين يصبّون جام غضبهم على الحزب أين المشكلة فيما لو عثر حزب الله على عسكريينا المخطوفين؟؟ المهم أن يعودوا لأهلهم سالمين لعل هؤلاء يرتاحون وهم يقاربون عامهم الرابع على اختطاف فلذات أكبادهم.
أمّا الذين يكبّرون حجر التوظيفات الإقليميّة لدور حزب الله تحت مسمّيات «محور المقاومة» أو «الامرة للمقاومة» فـ»روحوا انضبّوا» في اللحظة التي ستنتهي فيها معركة جرود عرسال تنتظر حزب الله وحلفاءه «كوارث» من العقوبات والضغوطات الإقتصادية، وشئنا أم أبينا علينا كلبنانيّين أن نفكّر في الطريقة التي سنعبر بها أزمة هذه العقوبات بأقل خسائر ممكنة لأنّها ستنعكس علينا جميعاً، ورحم الله من قال «عدوٌّ عاقل خير من صديق أحمق»، خلال الأيام الماضية ما كان أكثر الحمقى وما أقلّ العاقلين!