كتب عماد مرمل في صحيفة “الديار”:
يبدو رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط مصمما على المضي حتى النهاية في خيار «التقاعد السياسي»، ولو بطريقة متدرجة، مطلقا العديد من الاشارات والايماءات التي تعكس تعبه وقرفه في آن واحد.
وعندما يسأله بعض زواره على سبيل المثال عما إذا كان يريد زيارة واشنطن بعد رحلته الاخيرة الى موسكو، يرد: لقد اصبحت مرهقا، وأصبحت لا أطيق السفرات الطويلة… «بصراحة، لقد ضاق خلقي…»
ويراهن جنبلاط على ان يستكمل ابنه تيمور شيئا فشيئا الجهوزية السياسية والحزبية التي يتطلبها «انتقال السلطة» بشكل كامل اليه، لافتا الانتباه الى انه يمهد الطريق امام تيمور في كل المجالات، «وآخرها رحلتي الى موسكو التي كان مشاركا فيها، مع التشديد علي انني كنت مختلفا عن والدي، وابني سيختلف عني، وكل ما أتمناه ان تكون ظروفه أفضل».
يبدأ الحوار مع جنبلاط من سؤاله حول رأيه في معركة تحرير جرود عرسال، فيقول ان الجرود مدرجة أصلا ضمن خطة حزب الله وحساباته، معتبرا انه إذا جرى إبعاد جبهة النصرة وتنظيم داعش عن منطقة الحدود اللبنانية وتم تأمين الامن لأهل عرسال وللنازحين فهذا أمر أساسي.
ويضيف: يبدو ان كل الوساطات لم تنفع في اجلائهم الى مناطق أخرى، ولا بد هنا من ان أحيي الشهيد أحمد الفليطي، وبالتالي اتخذ حزب الله القرار بالقتال، وأهم شيئ الآن تحقيق الحماية لعرسال وللبنان ومخيمات النزوح.
ويؤكد جنبلاط انه يخالف الآراء العنصرية التي تطالب بعودة النازحين بأي ثمن، معربا عن تأييده للموقف المهم للرئيس ميشال عون الذي دعا الى عدم بث الاحقاد بين الشعبين اللبناني والسوري.
ويشدد جنبلاط على ان النازحين يعودون عندما تتوافر ظروف الحل السياسي وشروط سلامتهم.
وعن تعليقه على قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب بوقف برنامج المساعدات للمعارضة السورية، يشير جنبلاط الى ان الولايات المتحدة لم تدعم اساسا المعارضة بجدية، ويتابع: صحيح انها دعمتها عام 2013 ببعض السلاح لكن لم يدخل قط السلاح النوعي والاساسي المضاد للطائرات، ولاحقا حصلت الصفقة على سوريا بين الرئيسين ترامب وبوتين.
وفي إشارة لا تخلو من الدلالات، يلفت جنبلاط الانتباه الى ان بعض الدول العربية «التزمت» سوريا، وأدخلت اليها العناصر التخريبية على حساب الشعب السوري.
وحول رأيه في النزاع بين قطر والدول العربية المحاصرة لها، يؤكد جنبلاط انه يؤيد وساطة امير الكويت العاقل والحكيم، مشيرا الى ان مجلس التعاون الخليجي هو آخر ما تبقى من التضامن العربي، وإذا سقط قد تلحق به منظمة أوبيك النفطية.
وتعليقا على ما تتعرض له القدس المحتلة وسط صمت رسمي عربي، يلاحظ جنبلاط انه تحت شعار اعطاء الاولوية لمكافحة الارهاب، جرى التخلي عن القدس ونست الانظمة العربية فلسطين، لكن الشعب العربي لن ينساها.
وعن زيارته الاخيرة الى موسكو، يؤكد جنبلاط ان عمر صداقة الحزب التقدمي الاشتراكي مع روسيا او الاتحاد السوفياتي تعود الى عقود من الزمن، وعام 1967 زرتها للمرة الاولى برفقة والدي لمناسبة الثورة البولشفية.
ويضيف: يجب الاقرار بان موسكو ساعدتني في السلاح والتدريب خلال فترة الحرب كما قدمت لنا المنح الدراسية. نعم، حصل بعض التوتر بيننا بفعل الازمة السورية، لكننا تجاوزناه، وعندما التقيت مؤخرا وزير الخارجية سيرغي لافروف قلت له انني أعترف بانني اسأت له بالشخصي، فأجابني: did you? (هل فعلت؟)، اي انه أخذ الامر بالمزاح.
وعندما سئل جنبلاط عن حقيقة تمسكه ببقاء موقع السفير اللبناني لدى روسيا بحوزة الدروز، يجيب: قيل لي ان الروس يريدون سفيرا من الروم الارثوذكس، وقد تبين ان هذه المسألة غير صحيحة وهي من اختراع وزير الخارجية جبران باسيل وبعض الذين يمثلون الكنيسة اللبنانية الارثوذكسية في موسكو.
ويؤكد جنبلاط ان التعيينات الدبلوماسة تمت على اساس المحاصصة المعتادة، وقد لحق الظلم بكارولين زيادة وكارلا جزار لانهما يحملان لون 14 آذار، من دون ان يعني ذلك انني معترض على الاسماء النسائية في التعيينات، خصوصا سحر بعاصيري.
وبالنسبة الى زيارة الرئيس سعد الحريري الى واشنطن، يعتبر جنبلاط انها ضرورية في هذا التوقيت، لاسيما انني سمعت بان الاميركيين قد يعيدون النظر بعد بضعة اشهر بالمساعدات العسكرية للجيش اللبناني، وهذه ستكون ضربة قوية للجيش، مشددا على وجوب استمرار المساعدات الاميركية للمؤسسة العسكرية.
وحين يُسأل جنبلاط عما إذا كانت علاقته مع الحريري قد تحسنت، يجيب باقتضاب شديد: كلو يُعالج…
اما العلاقة مع الرئيس نبيه بري، فيجزم جنبلاط بانها كانت ولا تزال ممتازة، من دون ان تفسد سلسلة الرتب والرواتب في الود قضية.
وبالنسبة الى اسباب برودته حيال قانون الانتخاب الجديد، يرى جنبلاط ان هذا القانون فريد من نوعه في العالم، مشيرا الى انه يضرب النسبية ويشوهها، ويعيدنا بفعل الصوت التفضيلي الى القانون الارثوذكسي، لان كل طائفة ستمنح هذا الصوت للمنتمي اليها، ومبديا اعتقاده بانه ستكون لدينا كثرة مرشحين…
وحول مصير مطلب تأسيس مجلس الشيوخ، ينفي جنبلاط ان يكون هو قد طرح إنشاء هذا المجلس الآن، موضحا ان استحداثه مرتبط وفق اتفاق الطائف بالغاء الطائفية السياسية وانتخاب اول مجلس نيابي متحرر من القيد الطائفي، ملاحظا ان هذه المسألة كادت تصبح مادة سجال بين المسيحيين والدروز، ونحن لا نريدها ان تكون مادة خلافية.
وفي ما خص سلسلة الرتب والرواتب، يعرب جنبلاط عن عدم ثقته في القدرة على استيفاء كل الضرائب والرسوم المعتمدة لتمويل السلسلة، في ظل الهدر الهائل والفساد المستشري، معتبرا انه كان يجب التركيز على معالجة هذا الهدر والفساد والخوض في اصلاح اداري حقيقي.
ويتوقف جنبلاط عند الغرامات المقررة على مخالفات الاملاك العامة البحرية، لافتا الانتباه الى ان المصالح المرتبطة بهذا الملف أقوى بكثير من الدولة، من سوليدير حتى طرابلس، ومتسائلا بالتالي عن امكانية استيفاء هذه الغرامات عمليا، علما انني استغرب من حيث المبدأ كيف انه تقرر تغريم اصحاب المخالفات مرة واحدة فقط.
وبالنسبة الى مشكلة النفايات في الجبل، يلمح جنبلاط الى ان أحد الوزراء يمنع إزالة النفايات من الشوف وعاليه.