كتب نبيل هيثم في “الجمهورية”:
يدرك “حزب الله” أنه لو قال “إنّ اللبن أبيض” سيأتي فريق من اللبنانيين ويقول له “لا.. اللبن أسود!”لطالما تمنّى “حزب الله” لو كان الخطاب الداخلي واحداً حول الشأن الوطني، والنظرة واحدة بينه وبين كل الآخرين حيال أصغر الأمور وأكبرها، والتشخيص واحداً لأيّ من الهموم التي يفترض أن تكون مشترَكة بين كل اللبنانيين.. ولكن ماذا ينفع التمنّي أمام المصرّين على صبغ اللبن باللون الأسود؟
سواءٌ كان هناك اتفاق مع “حزب الله” أو اختلاف معه حتى على أمور جوهرية سياسية وغير سياسية، ففي معركته التي يخوضها ضد الإرهابيين في جرود عرسال يرى الحزب ان مَن هُمْ أهداف للإرهابيين في كل بقعة من لبنان، لا يستطيعون أن يكونوا في موقع وسطي بين الإرهاب وبين مَن يحاول، لا بل يعمل على اجتثاثه، ورفع سيفه عن رقاب اللبنانيين، كل اللبنانيين.
ويرى الحزب ان شبابه إذا كانوا قد انطلقوا في عمليتهم العسكرية في الجرود برعاية ودُعاء الحاضنة الطبيعية لهم في مجتمعهم الشيعي، فإنّ
“علامةً مضيئةً سطعت في فضاء هذه المعركة، وتجلّت في ذلك الاحتضان الذي عبّر عنه المسيحي قبل المسلم، ولعلّ أبلغ التجلّيات وأرقاها عبّر عنها ابنُ دير الاحمر وابنُ القاع الجريحة بالدعوات الى التبرّع بالدم، مع سائر القرى الواقعة على خط النار مع إرهاب “داعش” و”النصرة”، وهي وقفة تستوجب بلا أدنى شك، أو تردّد للحظة، تقديرها والانحناء لها”.
“على أنّ تلك الصورة، بوقوف اللبنانيين بغالبيتهم خلف معركة حماية وجودهم، عكّرتها أصوات أصرّت على أن تسير بعكس السير، وتضع نفسها على هامش الواقع والوقائع، وترفض أن ترى الحقيقية، لأسباب واعتبارات عابرة للحدود” حسبمل يقول مسؤول حزبي كبير.
ويضيف انه “من الصعب التصديق في معركة ضد إرهاب قاتل لكل اللبنانيين، أنّ وزيراً في الحكومة اللبنانية يقول “لا يوجد انتصار في جرود عرسال واذا انتصر “حزب الله” في الجرود فعلى مَن ينتصر”؟ وحزبه يتبعه ببيان هجومي عنيف على الحزب وعمليّته في الجرود!
ويقول المسؤول: لنسلّم جدلاً أنّ أيّ جواب يصدر من “حزب الله” على هذا السؤال، سيكون محلّ تشكيك من قبل أصحاب هذا السؤال، ولكن فلنُحِلْ مَن يسأل على ذوي الشهداء العسكريين الذين ذبحهم إرهابيو “داعش” و”النصرة”، وعلى القاع وذوي شهدائها، وعلى الضاحية الجنوبية وبيروت والجنوب والبقاع وكل شهدائها وجرحاها الذين سقطوا بالأحزمة الناسفة والعبوات والمفخخات المصدَّرة اليهم من تلك الجرود، لا بل على بلدة عرسال نفسها، التي استأسد عليها الإرهابيون واستمروا في القبض على خناق تلك البلدة المخطوفة. وحتى الأمس القريب كانوا ما يزالون يحاولون انتزاعَها من وطنها وتغيير هويّتها. من هنا فقط، يأتي الجواب.
هي بلا شك لحظة تحوّلية، خلاصتها أنّ لبنان ما قبل معركة الجرود غير لبنان ما بعد المعركة. والصورة التي ستظهر في قابل الأيام، ستعكس أنّ هذا البلد خرج من دائرة الخطر الإرهابي الذي كان يهدّده من الجرود.
ويتابع المسؤول الحزبي: صحيح أنّ هناك قوى سياسية معترضة وتصرخ في وجه عملية “حزب الله”، منها تصرخ لا لسبب واضح، ومنها انطلاقاً من خشية تتملّكها، من أن يكون “حزب الله” مُبيِّتاً لتتمّةٍ لمعركة الجرود يستثمر فيها “انتصار الجرود” في الداخل اللبناني وفرض وقائع سياسيّة جديدة.
ومبعث الخشية الزائدة لدى هؤلاء هو أداء الحزب في المعركة وكيف وضع ثقله البشري والناري فيها، والإصرار الشديد من قبله على الاقتحام والتضحية لتحصيل الإنجاز بطريقة سريعة ومُبهرة وقد كان له ذلك. ومنهم مَن يسأل: هل هذا كله يقدّمه الحزب هكذا مجاناً لوجه الله؟
كل هذه الخشية تعبّر، في رأي “حزب الله”، عن سطحيّة في مقاربة المعركة وأهدافها، وعن مبالغة غير واقعية في طرح فرضيات غير موجودة، وعن سوء قراءة للنتائج التي ستنتهي اليها المعركة بعد تنظيف الجرود. وتبعاً لذلك يتلخّص موقف “حزب الله” بالآتي:
-حدود المعركة وكل نتائجها مُرَسّمة داخل الجرود وليس في أيّ نطاق خارجها، وبالتالي المعركة تنتهي هنا. طبعاً هذا لا يعني إيقاف الجهد الأمني الذي سيستمرّ في مكافحة الخلايا الإرهابية النائمة في أكثر من مكان في الداخل اللبناني.
– هدف المعركة، تأمين القرى الحدودية الشيعية والسنّية والمسيحية، وإقفال المعابر غير الشرعية، ووقف “مصانع” العبوات الناسفة والسيارات المفخّخة، ومنع إدخال السلاح والمسلّحين الإرهابيين والإنتحاريين والسيارات المفخّخة الى الداخل اللبناني. ولقد سبق للحزب، قبل معركة الجرود، أن نفّذ سلسسلة عمليات أمنية نوعيّة غير معلنة، في عمق الجرود وخارجها، فجّر خلالها مستودعات ومخازن أسلحة وذخائر للمجموعات الإرهابية، ولاحق رؤوساً إرهابية كبيرة وخطيرة ممّن كانوا يعدّون الانتحاريين ويرسلون السيارات المفخّخة، الى داخل مناطقهم وقام بتصفيتهم من دون الإعلان عن ذلك.
– لن يثمّر “حزب الله” انتصارَه في الجرود في السياسة المحلّية. “ولو أننا أردنا التثمير لكنّا ثمّرنا انتصار العام 2000 بعد فرض الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني، وكذلك بعد عدوان تموز 2006، وايضاً بعد 7 أيار 2008 ويشهد على ذلك وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم آنذاك ووزير الخارجية التركي آنذاك أحمد داوود أوغلو.
وأيضاً في مراحل تشكيل الحكومات وقبولنا بوزارات ثانوية، وأيضاً بعد انتخاب رئيس الجمهورية ميشال عون ودورنا في هذا الانتخاب، وأيضاً كنا استثمرنا في كلّ شيء ولما تمكّن أحد، حتى لا نقول تجرّأ أحد ما على تجاوزنا لا في تعيينات إدارية ولا تشكيلات ديبلوماسية ولا في أيّ أمر آخر”.
– لا نيّة لـ”حزب الله” على الإطلاق لأن يفرض إرادته قهراً على اللبنانيين “لأننا انتصرنا في جرود عرسال، بالتالي فإنّ اتهامنا بأننا سننقلب من الجرود الى الاستثمار السياسي في الداخل، هو اتهام باطل وبلا أيّ قيمة أو معنى، فجرود عرسال منطقة لبنانية يحتلها إرهاب مجرم يهدّد كل اللبنانيين، ومَن يعتبر نفسه غيرَ مهدّد، فليعلن عن نفسه ويجاهر بذلك علناً ولا يستحي”.
– كل هذه الأصوات هي في نظرنا بلا أيّ صدى، أمام تلك الصورة التي عبّرت عن شبه إجماع داخلي إسلامي ومسيحي خلف عملية الجرود، وأمام الصورة التكاملية بين “حزب الله” والجيش اللبناني، لناحية الدور الذي يقوم به الحزب فيها، والدور الذي يؤدّيه الجيش في تلك المنطقة وعلى الحدود.
– تحقيق الانتصار أمرٌ مهمٌ جداً بلا أدنى شك، و”حزب الله” لا ينظر اليه من زاوية ترجمته أو استثماره في الداخل، بل من زاوية كيف تقرأه إسرائيل.. “فقط راقبوا ما يقوله الإسرائيليون عن أداء الحزب في معركة الجرود، وغيرها من المحطات القتالية التي خاضها ويخوضها من الجنوب بدايةً وصولاً الى سوريا. فهنا فقط هو بيت القصيد وليس في الداخل ومكاسبه السياسية والمصلحية والقنابل الصوتية التي يلقيها البعض بلا طائل”!