أعربت مصادر سياسية لبنانية عن اعتقادها بأنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب أسمع رئيس الوزراء سعد الحريري، عندما استقبله بحفاوة بالغة في البيت الأبيض، الثلاثاء الماضي كلّ ما يحب سماعه.
وتوقفت المصادر، بحسب صحيفة “العرب” اللندنية، خصوصا عند تأكيد ترامب للحريري أن “حزب الله يشكل تهديدا للبنان والمنطقة”. وذهب أحد السياسيين اللبنانيين إلى القول إنّ “كلام ترامب بمثابة موسيقى لأذني سعد الحريري”.
لكن الأوساط اللبنانية التي تتابع عن كثب السياسة التي تتبعها إدارة ترامب تساءلت هل من ترجمة على أرض الواقع لكلام الرئيس الأميركي أمام رئيس مجلس الوزراء اللبناني الذي يعرف تماما ما الذي يمثله حزب الله والدور الذي يلعبه كأداة إيرانية بامتياز، خصوصا داخل الأراضي السورية.
وقالت هذه الأوساط إن اللبنانيين الذين يتفهمون جيدا ماذا يعني كلام ترامب يتساءلون هل من خطوات عملية لدعم هذا الكلام؟
وقال وزير لبناني إنّ “الكلام شيء والأفعال شيء آخر”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “كلام ترامب يظل كلاما إذا لم يتحول إلى أفعال”.
وأشار في هذا المجال إلى مكانين تستطيع فيهما الولايات المتحدة إظهار جدّيتها في التصدي لإيران، هما الداخل السوري نفسه، ومنع إيران من إقامة موطئ قدم في الأراضي السورية. والمكان الثاني هو الحدود العراقية-السورية.
وأوضح في هذا المجال أن أي إضعاف لحزب الله لا يكون إلّا عن طريق منع إيصال الإمدادات الإيرانية إلى الداخل السوري، عن طريق الحدود العراقية-السورية.
وأبدت أوساط لبنانية تخوفها من ألا يرافق الكلام الكبير الصادر عن ترامب أيّ أفعال أميركية تؤدي إلى إضعاف حقيقي لحزب الله وإعادته إلى حجمه الطبيعي كحزب لبناني ممثل في مجلس النواب والحكومة.
وقالت إن اكتفاء ترامب بتصعيد لفظي مع إيران وحزب الله يمكن أن تكون له نتائج سلبية على الوضع اللبناني، خصوصا في غياب أي أعمال عسكرية أميركية داخل سوريا نفسها، وفي ظل غياب آخر لأي مؤسسة لبنانية قادرة على لعب دور في مواجهة حزب الله الذي يمتلك آلة عسكرية كبيرة باتت قادرة على خوض حروب خارج الأراضي اللبنانية.
وتفيد مصادر لبنانية قريبة من أروقة البيت الأبيض أن الرئيس ترامب أراد من خلال هجومه على حزب الله أمام ضيفه سعد الحريري الرد بعد أكثر من ست سنوات على “اقتراف” الحزب الانقلاب على الحريري أثناء اجتماعه قبل ست سنوات مع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
واعتبرت هذه المصادر أن ترامب أراد من خلال موقفه العنيف ضد الحزب رد الاعتبار للحريري وللرئاسة الأميركية اللذين تلقيا هذه الطعنة قبل سنوات، والتأكيد على دعم واشنطن لرئيس الحكومة اللبنانية وما يمثله في ذاكرة الأميركيين وما يمثله كذلك من اصطفاف داخل العالم العربي.
وحذرّت نيكي هيلي مندوبة واشنطن الدائمة لدى الأمم المتحدة، خلال إفادة أمام مجلس الأمن من مخاطر التهديد الذي يُشكله حزب الله للشعب اللبناني، مشيرة إلى أن الحزب يعد لحرب جديدة ضد إسرائيل.
وقالت أوساط مراقبة في بيروت إن ما صدر عن ترامب يعد مباشرا وواضحا ويبعث برسائل واضحة إلى الحزب وإيران من جهة، وإلى إسرائيل مطمئنا من جهة ثانية، وإلى الحكومة اللبنانية من جهة ثالثة.
واعتبرت هذه الأوساط أن إطلاق هذه التصريحات في حضور رئيس الوزراء اللبناني يوحي بأنها حصيلة مداولات اتفق بشأنها الرجلان، ما قد يحرج الحريري أمام شركائه المتحالفين مع الحزب داخل الحكومة اللبنانية.
إلا أن الحريري، وفي معرض التعليق على مسألة العقوبات الأميركية ضد حزب الله، قال “نعتقد أنه ليس من الضروري طرح مسودات قوانين إضافية (…) ولكن إذا كانوا يرغبون في إصدار مثل هذه المسودات فنحن بحاجة لحماية لبنان من أي صياغة خاطئة في مشروع القانون”.
وتقول مصادر مواكبة لزيارة الحريري والوفد المرافق له إلى واشنطن، إن تصريحات ترامب جاءت لتفرّغ إنجازات حزب الله في جرود عرسال من أي مضمون ممكن استثماره في أي عملية تعويم للحزب على المستوى الدولي ومن أي أسباب ترعى إخراج الحزب من لوائح الإرهاب في الولايات المتحدة.
وأضافت المصادر أن ترامب تقصّد وضع الحزب داخل نفس التصنيف الذي تعامل به واشنطن داعش والقاعدة، وذكّر بمواقفه القديمة من أنه “لست معجبا بالأسد. أعتقد بالتأكيد أن ما فعله لهذا البلد وللإنسانية فظيع″، بما ينفي أي تحوّل في موقف واشنطن بإمكان حزب الله وإيران التعويل عليه.
ولاحظ مراقبون لبنانيون أن الرئيس الأميركي استخدم لغة لطالما يستخدمها خصوم حزب الله في لبنان من حيث اعتبارهم أن أجندة الحزب، حتى ما يعتبره دفاعا عن لبنان، ليست لبنانية بل تخضع بالكامل للأجندات الإيرانية.
وحذر ترامب من أن حزب الله “يحاول تصوير نفسه على أنه مدافع عن المصالح اللبنانية لكن من الواضح أن مصالحه الحقيقية (هي) مصالح راعيته إيران”.
وقدم مشرعون أميركيون تشريعا الأسبوع الماضي يهدف إلى زيادة العقوبات المفروضة على حزب الله من خلال زيادة تقييد قدرته على جمع الأموال والتجنيد وزيادة الضغط على البنوك التي تتعامل معه.
وردا على سؤال حول رأيه بخصوص عقوبات يحاول الكونغرس الأميركي فرضها ضد حزب الله، قال “سأعلن عن موقفي خلال الـ24 ساعة المقبلة”.
غير أن مصادر دبلوماسية غربية في بيروت لفتت إلى أن الرئيس الأميركي أدلى بمواقف تعكس حرصا أميركياً على رعاية لبنان وفق القيّم التي عبر عنها ما أطلق عليه “ثورة الأرز″ إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، متسائلة عن مدى مصداقية الإدارة الأميركية في دعم التوجه لدعم الدولة اللبنانية على حساب دويلة حزب الله.
واعتبرت هذه المصادر أن قرار الأميركيين مواصلة دعم الجيش اللبناني رغم اللبس الذي يشوب علاقته بحزب الله، يعكس إدراك واشنطن لضرورات تقوية الجيش كما إدراكها للطبيعة العرضية لعلاقة الجيش بالحزب.
وأشاد الرئيس الأميركي بتصدي الجيش اللبناني لتنظيم “داعش” ومنعه “من الحصول على موطئ قدم داخل بلاده”.
وأكد وقوف الجيش الأميركي إلى جانب نظيره اللبناني “في معركته هذه (ضد داعش)، وسنحرص على جعل الجيش اللبناني هو المدافع الوحيد الذي تحتاجه لبنان، فهو قوة قتالية فعالة جدا”.