بدأ الجيش اللبناني تحضيراته لخوض معركة طرد مسلحي تنظيم «داعش» المتمركزين شمال عرسال في جرود بلدتي القاع ورأس بعلبك بإرسال تعزيزات بالمشاة والآليات إليها أمس، كما أكد مصدر عسكري لصحيفة «الحياة»، على وقع مفاوضات تجرى لانسحاب هؤلاء من المنطقة، وكذلك من تبقى من مسلحي «النصرة».
وقال المصدر العسكري في الجيش اللبناني لـ «الحياة»، إن الجيش سيتولى المعركة العسكرية في مواجهة مسلحي «داعش» إلا أن توقيت بدء المعركة مسألة أخرى، كاشفاً أن تعزيزات وحداته المتجهة نحو بلدة القاع في البقاع الشمالي تأتي في هذا الإطار. ورداً على سؤال عما إذا كانت الخطة اقتضت تولي «حزب الله» إنهاء سيطرة «النصرة» على جرود عرسال على أن يتولى الجيش المعركة ضد «داعش»، قال المصدر العسكري: «ليس هناك تقاسم للمعركة. أما الظروف السياسية التي أدت إلى قيام الحزب بعمليته ضد «النصرة» فنحن لا علاقة لنا بها. إلا أن الجيش عندما يخوض معركة لا يتشارك فيها مع أحد، بل يقوم بها وحده».
ولم يخف المصدر أن «حزب الله» يفاوض «النصرة» للانسحاب مما تبقى لها من مواقع، ومع «داعش» في الوقت ذاته عبر الشيخ مصطفى الحجيري من عرسال. وقال: «لم تصلنا معلومات واضحة حول ما آلت إليه هذه المفاوضات (حتى بعد ظهر أمس)، والسؤال هو إلى أين يريدون الانسحاب؟ إلى الداخل السوري أم إلى المخيمات التي هي تحت سيطرة الجيش الذي لا يستطيع أن يقبل بوجود مسلحين فيها؟». وأعرب المصدر عن اعتقاده بأن ليس من مصلحة «داعش» الانسحاب إلى المخيمات.
وتقاطعت معلومات «الإعلام الحربي» التابع لـ «حزب الله» وتقارير إعلامية من البقاع الشمالي وجرود عرسال مع المعطيات لدى المصدر العسكري عن أن «حزب الله» تمكن من تقليص مناطق سيطرة «النصرة» بنسبة 90 في المئة في اليوم السادس من المعركة التي خاضها ضدها من الأراضي السورية واللبنانية، وأن المسلحين باتوا محصورين في مواقع محدودة أبرزها وادي شميس ووادي الدم التي هي من أهم التلال في الجرود. وقال المصدر العسكري لـ «الحياة» إن مسؤول «النصرة» أبو مالك التلي بات موجوداً في هذه المنطقة. وذكرت معلومات إعلامية أن التلي سعى في المفاوضات إلى مقايضة 3 أسرى لـ «حزب الله» موجودين في حوزته منذ عامي 2015 و2016، بالسماح له ولمقاتليه مع عائلاتهم بالانسحاب عبر ممر في اتجاه الداخل السوري (إدلب أو جرابلس).
وكشفت مصادر رسمية لـ«الحياة» أن الحزب سيسلم المناطق الحدودية التي استعادها من «النصرة» إلى الجيش اللبناني فور انتهائه من تطهيرها.
وتفيد تقارير عدة بان المنطقة التي يسيطر عليها إرهابيو «داعش» تفوق مساحتها تلك التي كانت فيها «النصرة» (90 كيلومتراً مربعاً)، إلا أن عدد مقاتليها أقل. وقال المصدر العسكري أن لا أرقام دقيقة عن عدد هؤلاء.
وكشفت مصادر عسكرية وأمنية وسياسية لصحيفة “الأخبار” إنّ موضوع تحرير الجزء الشمالي من جرود عرسال وجرود رأس بعلبك والقاع كان مدار بحث بين الرئيس ميشال عون وقائد الجيش جوزف عون. وتُشير المصادر إلى أنّ المعنيين في الجيش، بدأوا التحضير كما لو أنّ المعركة ستحصل حتماً. باشرت القيادة وضع خطط الهجوم، ودراسة الاحتياجات اللوجستية، فضلاً عن البدء باستقدام تعزيزات إلى المنطقة. وفي هذا الإطار، نُقل أحد أفواج التدخل من الشمال إلى منطقة رأس بعلبك والقاع، لتعزيز القوات الموجودة أصلاً، بانتظار قرار القيادة.
وتلفت المصادر إلى أنّ قرار شنّ المعركة لتحرير الجرود من «داعش» سيحظى بموافقة جميع القوى السياسية. ومن ناحية قانونية ودستورية، لا تحتاج خطوة كهذه إلى قرار من مجلس الوزراء. ومن الصعب أن «يتجرأ» فريق سياسي ما على معارضة معركة تحرير الجرود، ولا سيما بعد أن أطلق حزب الله عملية تحرير جرود عرسال من «النصرة»، فبات من كان يُعارض هذا الأمر مُحرجاً، أمام اللبنانيين وما يُسمّى «المجتمع الدولي».
وبالتالي، باتت القوى المعارضة سابقاً لتحرير الجرود «أسيرة» ما يُقرّره الرئيس عون والعماد عون. ولا يقدر هؤلاء السياسيون على رفع ورقة حماية المدنيين، لكون المنطقة التي يحتلها «داعش» بعيدة عن مخيمات النازحين وعن بلدة عرسال والقرى المجاورة، وبذلك، تنتفي القدرة على «التنقير» على الجيش. ولفتت المصادر إلى ما قاله رئيس الحكومة سعد الحريري من واشنطن، أنّه كان يُفضل لو خاض الجيش اللبناني وليس حزب الله معركة تحرير جرود عرسال. واعتبرت أنّ كلام الحريري يندرج في إطار التحضير لعملية ينفذها الجيش. في السياق نفسه، أتى كلام الوزير جبران باسيل، الذي قال: «تذكروا كم طالبنا في الحكومة السابقة أن يقوم الجيش بتحرير الجرود الشرقية. أتى العهد واستلمت القيادة وحان الأوان الذي لا تبقى فيه أرض محتلّة».
وتجدر الإشارة إلى أن العملية التي من المفترض أن يشنها الجيش ضدّ «داعش»، لا بُدّ وأن يواكبها تنسيق بين حزب الله والجيش السوري، خاصة أنّ المساحة التي يُسيطر عليها «داعش» مقسومة بالتساوي بين الأراضي اللبنانية والسورية.
وعلى الرغم من أنّ كلّ الدلائل تشير إلى أنّ ساعة تحرير الجزء الشمالي من جرود عرسال، وجرود القاع ورأس بعلبك، قد دنت، إلا أنّ ذلك لا يلغي احتمال نجاح المفاوضات مع «داعش»، في انسحاب مقاتليه باتجاه محافظة دير الزور السورية.