نجح رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري في زيارته للولايات المتحدة، لأنه اعتمد في لقاءاته وتصريحاته ومواقفه لغة علمية دقيقة وواضحة ومنطلقة من حقائق لبنان الراهنة والدائمة، المبدئية والمستجدة.
لبنان الرسالة الى المنطقة والعالم هو أيضاً لبنان الرصيد الثمين للمنطقة والعالم.. والبُعد الأخلاقي والقيمي والعاطفي الكامن في الشعار الذي أطلقه بابا الفاتيكان الراحل يوحنا بولس الثاني، أكمله الرئيس الحريري بالبعد العملي الراهن والمباشر. حيث الوطن النموذج للعيش الواحد والاعتدال في زمن العصبيات المستنفرة والتطرف، يشكل مثالاً يحتذى لتأكيد نجاعة السعي الى السلام والاستقرار في موازاة الحرب على الإرهاب، وعلى الضدّ من ثقافة الانغلاق والانطواء على الذات واعتبار التمايز، مذهبياً أو طائفياً أو عرقياً، أمراً حتمياً ولا يُردّ.
قيل سابقاً إن حرب لبنان كانت في أحد وجوهها عملية تحطيم لفكرة التعايش المناقضة لمفهوم الفلسفة عند الإسرائيليين. ولتبرير رفضهم للتسوية التي تعطي حل الدولتين، وتقدم للشعب الفلسطيني بعضاً من حقوقه التاريخية في أرضه، لكن لبنان بقي واستمر وتغلّب في فكرته وروحه وواقعه على الإلغاء والإمحاء. وبقي، برغم مثالب التجربة وجروحها، أقوى من محاولات شطبه أو بلعه أو إلغاء كيانه.
واليوم أيضاً، يقوم هذا المثال اللبناني بالجملة والتفصيل، مثالاً لقدرة هذه المنطقة وشعوبها على التعايش والإبداع وقبول الاختلاف وتنظيمه، ونفي الصورة المضادة التي يحاول الإرهاب وجماعاته، وأنظمة العسف والإكراه والاستبداد، ترسيخها والاستفادة منها وبناء حيثيات نفوذ على أساساتها.
لبنان الرسالة والرصيد هو في ذاته حرب على الإرهاب. وهذه أكثر جذرية وتأثيراً من معارك استهدافه عسكرياً وأمنياً في هذه المنطقة أو تلك.. والمحافظة على هذا المثال والنموذج أمر يخصّ اللبنانيين بداية، لكنه يخص كل المعنيين بثقافة الاعتدال والسلام والتنمية والرحابة في المنطقة والعالم.
نجح الرئيس الحريري في إيصال الرسالة الى الأميركيين، لأن اللبنانيين أساساً نجحوا في امتحان الحفاظ على تجربتهم برغم كل شيء آخر، وفي إعادة إحياء دولتهم ومؤسساتهم الجامعة والمشتركة، وفي ترسيخ وحدتهم الوطنية، وفي وضع مقاربة موحّدة لكيفية جبه التحديّات الكبيرة الماثلة أمامهم، وخصوصاً منها المتأتية من تداعيات نكبة النزوح ومتطلباتها.
دعم لبنان في هذه المحنة، حق له ولأهله ودولته، وواجب أكيد على المجتمع الدولي.