كتب علي الحسيني في صحيفة “المستقبل”:
منذ أسْر العسكريين اللبنانيين في عرسال وما تبعه من احتلال لبعض المساحات الحدودية، وما رافقه من عمليات قتْل وأسْر وإرسال سيارات مُفخّخة إلى الداخل اللبناني وإعلان تواجد علني للجماعات المُسلحة في جرود عرسال والقاع ورأس بعلبك، راح الجيش يبني تحضيراته العسكرية واللوجستية ويُعزّز أمكنة إنتشاره عند الحدود ضمن الإمكانيات المُتاحة نسبيّاً وتثبيت مواقع له بعد خسارته بعضها خلال معارك كان خاضها مع تلك الجماعات، ليُصبح اليوم على ما هو عليه من جهوزية تامّة تُمكّنه من خوض اي مواجهة تُفرض عليه وحماية المدنيين والبلدات المُهددة بأمنها، بالإضافة إلى تحصين أماكن وجوده وجعلها عصية على الانهيار تحت أي من الظروف.
بعد ثلاث سنوات تقريباً من بداية الإحتكاكات والمواجهات العسكرية بين الجيش والجماعات الإرهابية في الجرود، وصل الجيش إلى مرحلة يُمكن تسميتها بحسب مصادر عسكرية بـ«الأهم»و«الأنجح»في تاريخ العمل العسكري والأمني واللوجستي للمؤسّسة العسكرية. ومن هذه الجهوزية الكاملة المبنيّة بشكل أساسي على مواجهة وصد أي محاولة لإختراق مساحات الامن التي فرضتها ألوية الجيش المُنتشرة في الجرود، يُمكن التأكيد أن كل ما يُحكى عن إنجازات وإنتصارات في مواجهة المُسلحين هناك، يعود الفضل فيها إلى الجيش الذي صمد وخاض المعارك الضروس طيلة الفترة الماضية والتي خسر خلالها خيرة من ضبّاطه وعناصره.
وإذا كان ثمة سؤال حول مدى جهوزية الجيش لخوض معركة في وجه الإرهاب اليوم، في جردَي القاع ورأس بعلبك؟. الإجابة عن هذا السؤال تُفنّدها الإستعدادات العسكرية والتدابير الإحترازية المتسارعة التي يتخذها الجيش عند جبهة»القاع – رأس بعلبك«في ظل عمليات استهداف متواصلة لمحاولات الإرهابيين النفاذ إلى الداخل اللبناني ونجاحه في شل حركتهم في الليل والنهار. ومن هذا الإرتياح الكامل بدأ الحديث عن معركة وشيكة يُمكن أن يخوضها الجيش خلال الفترة القليلة المُقبلة لتحرير هذه الجبهة من وجود المسلحين بشكل كامل وإعادة الوضع إلى ما كان عليه سابقاً، قبل إندلاع الأزمة السورية.
المعلومات المؤكدة تُشير إلى جهوزية الجيش لأي طارئ يُمكن أن يحصل خلال الأيام المُقبلة وعلى رأسها فتح معركة لدحر الجماعات المسلحة من الأراضي التي تحتلها عند الحدود. لكن وسط هذا الإحتمال الوارد بين لحظة وأخرى، يظهر بشكل واضح أن لدى الجيش خطّة واضحة تقتضي التعامل بحكمة مع كل المستجدات خصوصاً إذا كانت تتعلّق بالمدنيين وحمايتهم من دون إغفال الخصوصيّات التي يبني عليها جدول معاركه على النحو الذي يراه هو مناسباً ويخدم مصالحه الوطنية وتغليبها على أي مصالح أخرى. ولذلك تُشير مصادر عسكرية إلى أن الجيش يتريّث نوعاً ما في هذه المعركة ريثما تنتهي المفاوضات الحاصلة على صعيد إفراغ جرود عرسال من الوجود الإرهابي والتي قد تترافق مع عملية عودة العديد من النازحين السوريين إلى بلادهم، وهذا أمر سوف يُريح الجيش إلى حد كبير ويؤمّن ظهره بشكل كامل، ليكون مُستعدّاً لمعركة يُمكن أن تُفتح مع تنظيم «داعش» في جرود القاع ورأس بعلبك، وذلك في حال رفض هؤلاء الإنسحاب باتجاه الأراضي السورية بشكل سلمي.
المعركة في حال وقعت بين الجيش وبين «داعش» ضمن المناطق المذكورة، سوف يُكتب فيها النصر المؤكد للجيش، ومع هذا فقد آثر أن يمنح وقتاً إضافيّاً لأي عملية تفاوض يُمكن أن تحقن دماء أبناء المؤسّسة العسكرية وتجنيب المدنيين أي استهداف. أمّا الذين يتحدثون عن توقيت المعركة الذي يفرضه الجيش اليوم وتوجيه أسئلة من قبيل لماذا اليوم وليس من قبل، فتُجيب مصادر عسكرية أن ما حصل في جرود عرسال من دحر لـ«جبهة النصرة» والذي ساهم فيه الجيش بنسبة تفوق بكثير ما حُكي عنه في الإعلام، ساهم إلى حد بعيد في حماية ظهر الجيش ومكّنه من تثبيت وجوده ومواقعه في هذه النقطة من دون أي قلق أو توجّس من احتمال حصول عمليات التفاف على مواقعه.
وفي حال فُتحت المعركة مع «داعش» في جرود القاع ورأس بعلبك، فانها ستكون سهلة نوعاً ما بالنسبة إلى الجيش، خصوصا في ظل عدم وجود مخيمات للنازحين كتلك الموجودة في عرسال، وهذا من شأنه أن يمنحه حريّة التحرّك والتحكّم بساعة الصفر. وأيضاً من دون إغفال العامل الأبرز وهو عدم توحيد الصفوف بين «النصرة» و«داعش» وهو أمر كان ليُشكّل عامل ضغط على الجيش خصوصاً وأن مساحة الجرود واسعة جدّاً بحيث تغيب إمكانية الضبط الكامل وحصر المساحات التي يُمكن أن تكون نقاط إشتباك. وفي السياق تعود المصادر العسكرية لتؤكد عبر «المستقبل»، أن عناصر «داعش» في جرود القاع ورأس بعلبك، ما عادوا يحتملون الحصار الخانق الذي بدأ يُفرض عليهم اليوم، وهم فعلاً بدأوا يتحركون بشكل عشوائي بين الحين والآخر، الأمر الذي يُسهّل على الجيش استهدافهم وضرب تحركاتهم مع تسجيل إصابات مباشرة ومُحكمة في صفوقهم.
أي عملية يُمكن أن يبدأها الجيش أو تُفرض عليه سواء بعد يومين أو أكثر، تتطلب مواكبة سياسية من الحكومة التي ستكون معنية بمواجهة هذا الاستحقاق سياسياً في الداخل والخارج، وهذا ما أكده رئيس الحكومة سعد الحريري من واشنطن عندما قال:«كنت افضّل أن يقوم الجيش اللبناني بمعركة جرود عرسال»، وهذا الكلام يُعطي اهمية بالغة للدور الذي يُمكن أن يقوم به الجيش خلال الأيام المُقبلة في مواجهة تنظيم «داعش» في جرود القاع ورأس بعلبك، في حال سقطت جميع التوقعات أو الاحتمالات التي تنحو باتجاه حصول مفاوضات مُشابهة لتلك التي تجري اليوم مع المُسلحين المتواجدين في جرود عرسال. والملاحظ أيضاً في عمل الحكومة ودعمها المُطلق للمؤسسة العسكرية ومنحها الثقة الكاملة في أي قرار تراه مناسباً، أنها لم تألُ جهداً في تقديم كافة أنواع الدعم للجيش، سواء المعنوي أو المادي المتمثل بتوفير الهبات العسكرية التي تُقدمها مجموعة من الدول.
أي قراءة في مشهدية أي معركة حسم يُمكن أن يُنفذها الجيش قريباً ضد الجماعات الإرهابية، من الطبيعي أن يكون توقيتها مرتبطا أيضاً بالظروف السياسية والمفاوضات التي تسير على أكثر من خط. لكن هذا يُقابله، استنفار عالي المستوى لضبّاط وعناصر الجيش. فوهة المدافع والبنادق موجهة على الدوام باتجاه الجرود. مناظير ليلية مُتطوّرة تُمكّنه من مراقبة تحركات الإرهابيين. والأهم أن مسألة تحرير ذلك القسم من لبنان، هي مسألة لبنانية بحتة لا تخضع لا إلى ظروف ولا إلى تسويات أو إملاءات خارجية. يبقى الأهم، أن الجيش هناك، هو الذي يفرض إيقاعه وهو الذي يُحدد مسرح عملياته العسكرية وعلى قاعدة «الأمر لي».