كتبت ناجية الحصري في صحيفة “الحياة”:
انطلقت في العاشرة صباح أمس، المرحلة الأولى من تنفيذ اتفاق وقف النار الذي يرعاه الأمن العام اللبناني بين «حزب الله» و«جبهة النصرة» في جرود عرسال على الحدود بين لبنان وسورية. ورجح رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري في اتصال مع «الحياة»، أن تتحرك القافلة الأولى من الحافلات التي تقل مسلحي «النصرة» وعائلاتهم في اتجاه إدلب اعتباراً من فجر اليوم. ولن ينقل المسلحون جثث رفاق لهم سلمها «حزب الله»، في إطار تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق، إلى إدلب وإنما سيتم دفنها في مقبرة النازحين السوريين في عرسال.
وكانت عملية بدء تنفيذ صفقة التبادل بين «حزب الله» و «النصرة» برعاية الأمن العام اللبناني» بدأت بإعلان الإعلام الحربي المركزي للحزب «تسليم 9 جثث للنصرة مقابل 5 للحزب قضى منهم 3 في معارك جرود عرسال». وبدأ «تجميع جثث قتلى النصرة ضمن توابيت خشبية وعددها 9 في مقر قيادة اللواء التاسع في الجيش اللبناني في اللبوة بعدما نقلتها إليه سيارات إسعاف تابعة لـ «الهيئة الصحية الإسلامية».
وكانت سيارات الصليب الأحمر انتظرت الدخول إلى وادي حميد الذي يقع خارج نطاق سيطرة الجيش اللبناني في جرود عرسال لنقل جثث 5 عناصر لـ «حزب الله» ليواكبها الأمن العام اللبناني إلى مقر قيادة اللواء التاسع في الجيش في اللبوة لتتسلمها «الهيئة الصحية» التابعة للحزب. وتعود الجثث إلى 3 مقاتلين سقطوا في لغم خلال هجوم الحزب في الجرود الأسبوع الماضي ورفات مقاتلين قتلا قبل سنتين.
وترافقت العملية مع دعوة وجهتها بلدية اللبوة للأهالي إلى التجمع في الشوارع للقاء جثامين الحزب الخمسة.
وذكرت الوكالة الوطنية للإعلام أن «جثث مقاتلي النصرة نقلت من ثكنة اللواء التاسع إلى مستشفى البتول في الهرمل، وتقرر وضعها في برادات المستشفى بعد الكشف الطبي عليها وستبقى في البرادات حتى إتمام صفقة التبادل». ورد الإعلام الحربي سبب التأخير في تسليم جثث مقاتلي الحزب إلى «العملية اللوجيستية حيث ينتظر التأكد من هوية جثتي مقاتلين من حزب الله» عبر فحص الحمض النووي. وفي الخامسة والنصف عصراً وبعد التأكد من الرفات اعادت سيارات الهيئة الصحية جثث «النصرة» الى اللبوة ولينقلهم الصليب الاحمر من هناك الى عرسال بحسب الاتفاق. وكانت سيارات اسعاف تابعة للصليب الاحمر اللبناني دخلت الى وادي حميد لنقل جثث حزب الله في التوقيت نفسه.
وعلمت «الحياة» أن سيارة تابعة للأمن العام اللبناني كانت دخلت إلى وادي حميد من دون الصليب الأحمر وعادت أدراجها إلى عرسال قرابة الثالثة بعد الظهر.
وقالت مصادر مواكبة لتنفيذ الاتفاق أن عدد جثامين مسلحي «النصرة» يتراوح ما بين 30 و32 جثة وأنه تم نقل٩ منها من اللبوة في التبادل مع «حزب الله» بجثامين مقاتليه وأن الأخرى ستنقل على مراحل.
مغادرة القوافل
وإذا سارت عملية التبادل في مرحلتها الأولى كما كان مخططاً لها، فإن مسلحي «النصرة» سيكونون اول المغادرين في قوافل مع عائلاتهم.
وأوضحت معلومات تسربت عبر الإعلام أنهم سيغادرون بأسلحتهم الخفيفة، مع عائلاتهم، تباعاً إلى إدلب على أن يتم إطلاق أسير من «حزب الله» لدى «النصرة» مقابل كل دفعة تغادر إلى الداخل السوري.
ووصل عدد الراغبين بالخروج من مخيمات النزوح السوري في عرسال وجرودها إلى عشرة آلاف و700 من المسلحين والمدنيين السوريين، بحسب «الوكالة الوطنية»، التي لفتت إلى أن «النصرة رفعت إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية والهيئات الدولية قوائم بـ7800 اسم ممن يرغبون بالخروج إلى إدلب، فيما رفعت «سرايا أهل الشام» أسماء ثلاثة آلاف من مسلحيها وعناصرها ممن يرغبون بالانسحاب إلى بلدة الرحيبة السورية في القلمون الشرقي. وستتم عملية تطبيق الانسحاب خلال الساعات الـ24 المقبلة».
وقال الحجيري لـ «الحياة»، إن الباصات الخضر التي ستقل المسلحين «ستأتي من الجانب السوري وتحديداً من بلدة فليطا السورية وصولاً إلى رأس وادي الخيل في الجرود اللبنانية حيث يتجمع المسلحون وعائلاتهم الموجودون في وادي حميد للعودة من الطريق نفسها إلى إدلب».
إلا أن مصادر اتحاد الجمعيات الإغاثية قالت لـ «الحياة»، «إن عدد هؤلاء عاد وانخفض الى 6500 اسم مسجلين على قوائم النصرة».
وهذا الطريق هو نفسه الذي فر منه النازحون السوريون عام 2012 من قرى القلمون والقصير تحديداً على وقع اقتحامها من «حزب الله» ولجأوا إلى عرسال في مخيمات استضافتهم منذ ذلك الحين.
وسيغادر اليوم أيضاً، بحسب اتحاد الجمعيات الإغاثية، 350 مسلح من «سرايا أهل الشام» (الجيش الحر سابقاً) وهؤلاء لا علاقة لمغادرتهم ببنود اتفاق وقف إطلاق النار كونهم كانوا امتنعوا عن مقاتلة «حزب الله» وعلى علاقة جيدة معه ومع الجيش اللبناني الذي لا يصنفهم على أنهم إرهابيون كتنظيمي «النصرة» و «داعش». وسينسحبون مع أسلحتهم وآلياتهم إلى بلدة الرحيبة في القلمون الشرقي السوري، وبذلك يبقون قريبين نسبياً من قراهم في القلمون الغربي.
وكان الإعلام الحربي لـ «حزب الله» أعلن أن مقاتليه «عثروا على ملالة تعود للجيش اللبناني من نوع M113 كان مسلحو النصرة استولوا عليها خلال معركة عرسال عام 2014». ورفع مسلحو الحزب على الملالة لافتة كتب عليها «تحية للعقيد في الجيش اللبناني الذي استشهد في المعركة» في ذلك التاريخ.
نازحون عدلوا عن العودة
وكشف أحد مسؤولي مخيمات النزوح في عرسال أن عدد النازحين في مخيمات عرسال الذين أرادوا الانضمام إلى قوافل العائدين إلى إدلب وسجلوا أسماءهم في لوائح العودة وصل مجموعهم حتى مساء أول من أمس إلى 9 آلاف نازح، وجلهم من غير عائلات «النصرة» وإنما من المدنيين الذين لا ينتمون إلى أي فريق مسلح. إلا أن هذا العدد تراجع ليلاً ليستقر على 6400 مسجل وانسحب الباقون على وقع سجالات سادت المخيمات واجتماعات بين العائلات وتضارب في الآراء.
وقال هذا المسؤول إن بعض الناس اعتقد لوهلة أولى أنه يستطيع من إدلب المغادرة إلى تركيا وبالتالي إلى حياة أفضل، وبعض آخر أراد العودة على خلفية الحنين للبلد، إلا أن وجهة النظر الأخرى كانت تركز على الخشية من أن يحسب العائدون على قوائم «النصرة» وهم ليسوا منها وأنهم إذا ذهبوا إلى إدلب فلن يتمكنوا بعد ذلك من العودة إلى القلمون الغربي وكأن في الأمر عملية «ترانسفير»، كما أن الذهاب إلى إدلب يعني التعرض من جديد إلى التقاتل الداخلي الجاري بين الفصائل السورية فضلاً عن إمكان التعرض لقصف من القوى المنخرطة في ضرب «النصرة».
وأضاف هذا المسؤول: «إن الناس المترددين أجمعوا على أنهم لا يريدون أن يكونوا دروعاً بشرية لمسلحي النصرة أثناء انسحابهم، فقرروا البقاء في مخيمات عرسال».
وأشار مسؤول المخيم إلى أن اتفاق وقف النار وبنوده «أوجدت نوعاً من اللهفة والحماسة لدى النازحين للعودة، لكن بعد شرح الوضع الذي سيضعون أنفسهم فيه تراجع كثر ممن سجلوا اسماءهم للانتقال الى سورية وعادوا الى حياتهم الطبيعية في المخيمات».
وتحدث رئيس البلدية باسل الحجيري عن «هستيريا» سادت النازحين، خصوصاً الذين لا يملكون أوراقاً ثبوتية، فهم إذا غادروا المخيمات إلى إدلب فإنهم ذاهبون إلى المجهول وبعضهم إذا بقي في عرسال يخشى أن يصبح مطلوباً لدى الجيش اللبناني لأنه لا يملك الوثائق، خصوصاً أنهم حين دخلوا إلى الأراضي اللبنانية لم تكن لديهم وثائق، ولم يسمح لهم بالتجول خارج المخيمات حتى لا يعتقلوا من جانب السلطات اللبنانية والخوف هو من أن يعتقلوا الآن داخل المخيمات.
وشهدت عرسال خلال اليومين الماضيين عمليات بيع نازحين لأثاث غرفة أو حتى خيمة، وبيع برادات وغسالات وكل ما ثقل حمله.
وكان مسؤول المخيمات وعددها 110 مخيمات وجهوا رسالة إلى وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي خلال هجوم «حزب الله» علـــى عـرسال، يطلبون فيها «تسوية أوضاعهم لدى الأمن العام اللبناني، وتنــقية ملــفاتهم الأمنــية».
انتشار الجيش اللبناني
وفي انتظار الانتهاء من تنفيذ اتفاق وقف النار، لانتشار الجيش اللبناني في جرود عرسال التي انسحب منها مسلحو «النصرة» وقال «حزب الله» إن الجيش اللبناني سيستلمها، أكد رئيس بلدية عرسال لـ«الحياة» أن «حدود الجرود اللبنانية واضحة ويعرفها الجيش اللبناني جيداً». وقال إن البلدية والجيش اللبناني جالا على معالم الترسيم في العام 2005 وهذا الترسيم محدد بالسنتم الواحد، في إشارة إلى دقته.
ولفت إلى «أن الفرنسيين كانوا رسموا الحدود عام 1920 بواسطة مثلثات حديد مصبوبة في باطون ولا تزال على حالها في الجرود ومرتفعاتها».