كتب فؤاد أبو زيد في صحيفة “الديار”:
ابرز المواضيع التي شغلت اللبنانيين في الايام القليلة الماضية، وتستحوذ على اهتماماتها في هذه الفترة، هي تحرير بلدة عرسال وجرودها من قبضة جبهة النصرة الارهابية، والاخبار المتداولة عن استعدادات للجيش اللبناني، لتحرير جرود بلدتي القاع ورأس بعلبك من وطأة ورجس تنظيم داعش التكفيري الدموي، وكشف مصير جنودنا التسعة وتحريرهم احياء او شهداء، كما ان مصالحة مدينتي بشري وزغرتا لم تغب عن اهتمام اللبنانيين، وخصوصاً المسيحيين منهم، لما لهاتين المدينتين من تاريخ مشترك يعود الى حوالى 1600 سنة نضال ومقاومة في وجه كل من طمع في ارض لبنان، قديماً وحديثاً.
مما لا شك فيه ان وجود تنظيمات ارهابية على مرمى حجر من بلداتنا وقرانا القريبة من حدودنا مع سوريا، قد سمّم الحياة الطبيعية لمئات الوف اللبنانيين، وخلق بؤرة شر واجرام واعتداءات، طالت ليس فقط البلدات والقرى الحدودية، بل تجاوزتها الى الداخل اللبناني، تفجيرات حصدت عشرات الشهداء الابرياء ومئات الجرحى والمعوقين، وكان لا بدّ من استئصال هذا الورم الخبيث، وهذا ما حصل في جرود عرسال، وسوف يحصل في جرود القاع ورأس بعلبك على يد الجيش اللبناني، ولكن بتوقيت القيادتين السياسية والعسكرية، اللتين لهما وحدهما تحديد ساعة الصفر، وليس تصريحات السياسيين، والمقالات المشبوهة التي تدفع باتجاه معركة، قد لا يكون قد حان اوانها بعد، ولم تستكمل فيها عدة النصر المؤكد، ومن الوطنية الحقة، ترك المؤسسة العسكرية تقول كلمتها في اللحظة المناسبة.
* * * *
كما ان تفاهم معراب، اعاد الحياة الى طبيعتها، بين حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، بعد حرب مجنونة ليس هناك ما يبررها، وعداء استمر 28 سنة، تتشوّق الاكثرية الساحقة من اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً، باستثناء قلّة يغيظها اي تقارب بين اللبنانيين، ويغيظها اكثر اي تقارب او مصالحة وتفاهم بين المسيحيين، لأن هذه الفئة تعيش على الفرقة والخلافات والنزاعات على القاعدة المعروفة «فرّق تسد»، ان ترى سليمان فرنجية في بشري، وسمير جعجع في زغرتا، بعد ان يكونا قد وضعا نهاية لعداء استمر متقطّعا لمدة 39 سنة، بدأ مع احداث اهدن المؤلمة الموجعة التي لا يمكن لأحد ان يبررها، وما سبقها وما تبعها، وهي تركت جرحاً عميقاً حان وقت اندماله، وحان وقت عودة الروح الى الشمال المقاوم، والى الحياة الواحدة والفرح الواحد، والمعاناة الواحدة، بين بشري وزغرتا، وليت الروح تعود الى «الجبهة اللبنانية» التي كان الرئيس سليمان فرنجية، احد اعمدتها الاساسيين، على الرغم من الاختلاف في السياسة، لأن الدفاع عن لبنان، وعن المسيحيين، كان وما يزال هو القاسم المشترك بين البشرويين والزغرتاويين، وهذا الهدف هو الهدف الأساس الذي كانت تعتمده «الجبهة اللبنانية».
بعد تسلّمه قيادة القوات اللبنانية، قام ايلي حبيقة بزيارة مفاجئة الى الرئيس سليمان فرنجية في اهدن، وقد قرعت الاجراس ترحيباً به وبزيارته، علماً بأن المرحوم حبيقة كان على معرفة بقرار المكتب السياسي الكتائبي بعملية اهدن المشؤومة، خلافا لسمير جعجع الذي ابلغ بالقرار عند التنفيذ، واعتقد جازماً انه من ضمن اخطاء وخطايا هذا القرار تكليف جعجع ابن بشري المساهمة في تنفيذ القرار، نظراً لحساسية الجوار.
على اي حال، الجميع تعلموا من اخطائهم وخطاياهم، ونية الغفران ومدّ اليد متوفرة لصفحة جديدة من العلاقات، فهل نسمع اصوات قرع الاجراس يتجاوب صداها بين منطقتي بشري وزغرتا وكل الشمال عند الزيارات المتبادلة بين جعجع وفرنجية؟