Site icon IMLebanon

السلسلة اقرت بصورة عشوائية وستقود الى الانفجار

كتب جورج عبيد في صحيفة “الديار”:

ماهيّة سلسلة الرتب والرواتب لا يجب أن تتوضّح من بابها التقنيّ أي الماليّ والاقتصاديّ، بل بمأربها السياسيّ وضررها الاجتماعيّ. من حقّ القطاعات أن تتمتّع بها فهي حقّ مكتسب لجميعهم وهي تخصّ حياتهم الشخصيّة والأسريّة، وتخصّ حياتهم المهنيّة أيضًا، فهي ثمر لكفاح وإنتاج. غير أنّ نظامها وانتظامها في هذه اللحظة يندرج في إطار صراع الخصوصيّات السياسيّة بمكاسب تجنى هنا وثمّة، وتحتسب لطرف دون الآخر من زاوية حصر الاحتساب بالأرباح والخسائر.

مصادر سياسيّة قرأت هذا الأمر بأنّ إقرار السلسلة بصورة عشوائيّة بلا تبصّر ولا تمعّن ومن دون أيّ إحساس نقديّ واستنباط فعليّ لتأثيراتها بمؤثراتها قد يقود البلد إلى انفجار اجتماعيّ في لحظة يتهيّأ البلد فيها لانفراج سياسيّ وأمنيّ. وبظنّ كبير، تخشى تلك المصادر بأن تكون تلك السلسلة كمحرقة لهذا العهد وسيّده بآفاقها السياسيّة المحصورة بعملية إحصاء للأرباح والخسائر. وقد فهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، برؤيته العمليّة والعمليّة العميقة المثلبة الكامنة خلف تلك السلسلة، وأشار الى أنّه كان يفضّل إقرار الموازنة العامّة قبل السلسلة وليس العكس، ذلك أنّ الموازنة بإقرارها العمليّ المتوازن تقود إلى مصادر تمويل السلسلة البالغة 11 مليار ليرة لبنانيّة.

في هذه الرؤية يشير خبراء اقتصاديون وماليون بأنّ رئيس الجمهورية على حقّ بهذه الإشارة. وقد عقّبوا متسائلين: كيف يمكن بناء عمارة شاهقة بلا أعمدة ولا حجر زاوية؟ هذه مسألة بالغة الحساسية والدقّة، ففي الحقيقة، لقد ارتكب المجلس النيابيّ خطأ فادحًا بمزجه بين المصالح السياسيّة لهذا الإقرار وعدم التمييز بين المصالح وبين الحقيقة العلميّة والاقتصاديّة. وتجدر الإشارة في معرض هذا الكلام، بأنّ رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان قد أضاء بلا مواربة على تداعيات إقرار تلك السلسلة خلوًّا من موازنة.، وقد بدأت تأثيراتها تظهر تباعًا، فما هي تلك التأثيرات الخطيرة بثقلها الكبير على حياة الناس وعلى سلّم الأولويّات؟

بحسب ما هو ظاهر تختصر التأثيرات على النحو التالي:

1- إرتفاع الأقساط المدرسيّة: علت أصوات عدد كبير من اللبنانيين خلال هذا الأسبوع محذّرة من استغلال المدارس الخاصّة لهذا الإقرار غير المدروس والمتوازن، من أجل رفع الأقساط. حتى أن والدًا لتلميذ في الصف الثاني إعدادي، خرج عن صمته وعن تواريه في هذه المسألة وصرّح بأنه يدفع قسطًا عن ابنه في مدرسة خاصّة يبلغ تسعة ملايين وخمسمئة ألف ليرة لبنانيّة، ويخشى بأنّه حين ترتفع الأسعار أن يبلغ قسط ولده حدود 13 مليون ليرة لبنانية. السؤال المطروح على الجميع، ماذا عن عائلة مؤلفة من أربعة أولاد، من أين سيأتي الوالد بهذه المبالغ الطائلة سواء كان موظفًا في الدولة أو سواها؟ هل يبيع منزله من أحل تعليم أولاده؟ هذا سؤال موجع وعبثيّ مطروح بشدّة على المسؤولين، بدءًا من وزير التربية مروان حماده وصولاً إلى المدارس المسيحيّة في لبنان على مختلف مذاهبها. لقد تكثّف التوجّه إلى تلك المدارس بصورة خاصّة، من دون أن يعني هذا الأمر بأن بقية المدارس سواء كانت إسلامية أو علمانية معصومة عن هذه المساءلة. تكثيف الأسئلة إلى تلك المدارس لا يعبّر عن خشية من المبادرة إلى رفع الأقساط فقط، بل هو قلق وجوديّ ترسّخ في أذهان كثيرين من الناس، من تشرّد متعمّد يمارَس بحقّ الناس وبصورة خاصّة بحقّ المسيحيين. التداعيات الأولى من إرتفاع الأقساط ستكون على المسيحيين، وقد بدأت القناعة تترسّخ بأنّ المسيحيين لم يعودوا مهددين بسبب التنظيمات الداعشيّة بل مهدّدون بسبب الإكليروس نفسه، بسبب المؤسسات التربوية والاستشفائيّة وقد غابت عنها الرسالة المسيحية منذ أن تحولت إلى مؤسسات ريعية خالية من بنود الإرشاد الرسوليّ الخاصّ بلبنان الصادر عن البابا القديس يوحنّا بولس الثاني، والإرشاد الرسوليّ من أجل مسيحيي الشرق الصادر عن البابا بينيدكتوس السادس عشر. أوساط متابعة قالت في هذا المجال بأنّ أي زيادة للإقساط بهذه الصورة الوحشيّة إمعان في تهجير المسيحيين وخيانة عظمى للمسيح يسوع نفسه. هذه أخطر ممارسة بحقّ المسيحيين واللبنانيين. المحبّة المجانية التي تكلم عليها اللاهوتيّ المعاصر هي فحوى الرسالة المسيحيّة، ومن دونها ليس من رسالة ووجود على الإطلاق.

2- إرتفاع المواد الاستهلاكيّة والغذائيّة: غيلان المحلات التجارية بانتظار تلك السلسلة لابتلاع كلّ الزيادات من جيوب المواطنين. وهنا ينظر المواطنون إلى دور فعّال لوزارة الاقتصاد وهو حتى الآن لا يزال غائبًا على الرغم من محاولات خجولة للغاية. لماذا لا تفعل لجنة رقابة الأسعار، وتقوم الوزارة بمداهمات سريعة للمتاجر والمحلات التجاريّة على مختلف أنواعها من أجل حماية الناس من هذه الغيلان المتربصة بهم.

3- إرتفاع كلفة الطبابة في لبنان، فما ينطبق على المدارس يتطبق بدوره على المستشفيات. نحن أمام معضلة حقيقيّة مع تحوّل المؤسسات الدينية من استشفائية وتربوية إلى مؤسسات تجارية تنتمي إلى الرأسمالية المتوحّشة. فقبل إقرار السلسلة كان ثمّة أناس يموتون على أبواب المستشفيات فكيف وبعد إقرارها بهذه الطريقة العشوائيّة؟ ومعها أيضًا سيتمّ ارتفاع سعر الدواء وبخاصّة الأدوية للأمراض المستعصية.

4- زيادة الضريبة على القيمة المضافة:TVA وما يليها من ضرائب اخرى.

كل هذه التأثيرات والمخاوف تدلّ على الخلل البليغ في النظام الاقتصاديّ، فهو نظام مختلّ ومجوّف ومعطوب وقابل للانفجار بسبب تلازم هذه المعضلات وماهيها مع نظام الفساد المستكين والمستريح في لبنان بصورة عامّة.

وتلفت بعض المراجع الاقتصادية والمالية إلى أن ثمّة حاجّة ماسّة للإصلاح، ترتكز الحاجة على البدء بمجموعة إصلاحات منها السياسية والإدارية، حتى الآن لم تظهر أية دراسة فعلية من قبل الحكومة تعكف على هذا التطهير الضروري للفساد بإصلاحات واضحة، وقد أشارت بعض الأوساط الإدارية بأنّ رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون قد نوى على تأليف لجنة من خيرة الإداريين في لبنان لدراسة واقع الإدارة في لبنان، وينتظر من فخامته أن يقدم على تلك الدارسة، وفي المقابل ينتظر أن يقوم بردّ هذه السلسلة إلى المجلس النيابيّ من أجل دراستها بصورة عادلة وعدم جعلها سببًا لانفجار الأوضاع الاجتماعية في لبنان، مع إصدار الموازنة العامة.

لكن قبل ذلك يفترض القيام بإصلاح النظام الاقتصادي ليصبح أكثر توازنًا مع واقع لبنان الاجتماعيّ. إقرار الزيادات والسلسلات ليس لصالح المواطنين، بل لصالح التجار ورجال الأعمال والمال، سيؤول كل ذلك إلى سحق الطبقة الوسطى ومحقها بالكلية. الخطورة أن لبنان يتعامل معه كمزرعة وليس كوطن واللبنانيون رعايا وليسوا مواطنين.

كلّ ضريبة لا تؤمن الكهرباء والماء والطعام والتعليم والاستشفاء والطرقات… و… هي حرب على اللبنانيين وتجويف للبنان ومكوناته من الوجود الكامل.