نعلّق على هذا المقطع قائلين إنه لا توجد مواقع قيادية ومواقع غير قيادية في وزارة الخارجية، بل توجد إدارات تسهر على تطبيق القانون وتمارس صلاحيات منصوص عليها في القانون. وإذا سلمنا جدلا بوجود مواقع قيادية، فهذا يعني ضمنا وجود مواقع غير قيادية، وان استعمال هذه العبارة من قبل واضعي هذا البيان يجعل القارئ يعتقد بوجود قيادة حقيقية في وزارة الخارجية تخطط وتأمر كأنها قيادة عسكرية. في حين أن نظام وزارة الخارجية يخلو من أي إشارة الى وجود هذه القيادة المخططة والمبدعة، بل يكتفي بالنص على تولي وزارة الخارجية سياسة لبنان الخارجية من إعداد وتنسيق وتنفيذ ورعاية شؤون المغتربين. إن ذكر عبارة تسليم جيل الشباب مهام المواقع القيادية تدل ضمناً، او تلمّح الى أن جيل الشباب أفضل من جيل القدماء وهذا ينطوي على تعميم. والتعميم هو خطأ منهجي في علم المنطق والمنهجية، إذ ليس من الضرورة والمؤكد أن يكون الشباب أكثر كفاية من غيرهم، وما هو المعيار الذي تم اعتماده من أجل اعتماد هذا الخيار فقد يكون هذا المعيار صحيحا في نظر متخذي القرار ولا يكون صحيحا في نظر الغير. كما أن هذه العبارة المذكورة تسيء ضمنا، الى جميع من تولوا المديريات من الجيل القديم أي الذين تخطت أعمارهم الخمسين والستين. كما تنطوي أيضا على المسّ بكرامة جميع الديبلوماسيين الحاليين العائدين الى الادارة والذين تخطت أعمارهم الخمسين والستين. كما نضيف أنه لا يوجد مبدأ عام، إذ تبين الوقائع أنه قد يكون السفير والديبلوماسي الشاب ناجحا في عمله وقد لا يوفق فالنجاح في العمل يرتكز على ثلاثة عناصر وهي الموهبة والخبرة والاجتهاد. ونذكر في هذا السياق هذه المقولة الشهيرة للقاضي في المحكمة العليا الأميركية OliverWendell Holmes إذ قال: the young man knows
The rules, but the old man knows the exceptions
كما تذكرنا عبارة »المواقع القيادية« المذكورة بالمعزوفة التي يرددها السياسيون والمعروفة بالوزارات السيادية راجين ألا تنسحب الى مديريات وزارة الخارجية فتصبح مديريات سيادية ومديريات غير سادية فهذه قمة الهرطقة.
الملاحظة الثانية: لقد ورد في البيان المقطع التالي: »أن تعيين السفراء من خارج الملاك هو أمر طبيعي لأن نظام الوزارة أجاز تعيين ١٥ سفير من أصل ٦٩ من خارج الملاك حيث تم هذا الأمر في عدة مراكز لسبب عدم توافر العناصر المناسبة«. علماً أنه لا دليل على أن من يعين من خارج الملاك سيكون »عنصراً مناسباً« أكثر من غيره وقد يكون أسوأ.. كلمة حق تقال إن البيان المذكور كان سيكون »قياديا« من حيث المضمون و»مناسباً« من حيث الجوهر. لو تمت صياغة المقطعين المشار اليهما بطريقة ديبلوماسية ولكان البيان قد اكتسب رضى جميع الأفرقاء أي العناصر الشابة والعناصر الهرمة والرأي العام. ولكان أشاع الانسجام والوفاق بين الديبلوماسيين وشجعهم على التعاون المثمر بدلاً من زرع التفرقة والمساهمة في جفاف العلاقة بينهم، في وقت تحتاج فيه وزارة الخارجية الى كبارها وشبابها بهدف جعل وزارة الخارجية أكثر إشراقاً وإبداعاً وقد كتب هذه المقولة الشهيرة طاغور اجمل المعاني حيث قال: «Age Considers youth ventures».
يأمل الجميع ألا تتكرر زلّة العاقل هذه. وذلك خدمة للمصلحة العامة ولمصلحة وزارة الخارجية والمغتربين. ونحن نعلم ان العتاب أخف وطأة لكن فضّلنا التلويح بهذه الزلّة أمام الرأي العام يقينا منا أنها ستكون أكثر وقعا كما أشار الإمام علي بن أبي طالب: »تلويح زلّة العاقل له أمضي من عتابه«. فضلا عن أن هذه العبارة تسيء، إساءة كبيرة الى العديد من الديبلوماسيين وتصورهم غير كفوئين وتمسّ بكرامتهم أمام الرأي العام. وأخيراً نشير الى أن دور وزارة الخارجية والمغتربين هو إشاعة السلام والتقارب بين موظفيها لا الفتنة والتباعد. وعليه فإن التبرير بتعيين سفراء من خارج الملاك في التشكيلات الأخيرة فقد لوحظ أن ثمة عددا من السفراء المعينين، منهم لا يعرف العربية، ومنهم لا يعرف الفرنسية في إحدى المنظمات الدولية، وعدد منهم لا ينتمي الى النخبة المثقفة في المجتمع اللبناني. نتمنى لهذه »القيادة الشابة« أن تتحلّى بالحكمة، والحكمة هي ألا يسيء المرء استعمال السلطة الممنوحة له بموجب القانون لأنها ممنوعة أصلا من أجل الخدمة العامة ما تعني الحكمة أيضاً ألاّ يدع المسؤول أهواءه ومزاجه يسيطران على تصرفاته و«طوبى لأمرىء عرف حدّة موقف عنده».