كتب أسعد بشارة:
ما يحصل في الامتناع عن تحديد موعد الانتخابات الفرعية يشبه الهروب الكبير، وهو الهروب نفسه من تحمل المسؤوليات الوطنية، على طاولة مجلس الوزراء، لكن في موضوع الانتخابات الفرعية، الهروب هنا هو هروب وتجاوز لموعد دستوري، لا يدري احد ماذا سيكون المبرر الذي سيغطيه.
في بعض المعلومات ان وزير اداخلية نهاد المشنوق، يشرف على تحضيرات مبدئية لإجراء الانتخابات الفرعية في 24 أيلول، وان الموعد نفسه سيحدد لإجراء الانتخابات البلدية، للبلديات التي استثنيت من الانتخابات لاسباب مختلفة، لكن حتى الان ما من مؤشر على ان هذا التوجه سوف يحصل فعلاً.
ويبقى السؤال: ما هو مبرر واسباب التهرب من إجراء الانتخابات الفرعية، سواء في طرابلس او كسروان، ولماذا يتم تمييع الوقت، وهل هذا التمييع يهدف لمفاجأة الرأي العام بحيث يصبح تطيير الانتخابات أمراً واقعاً لا يمكن مواجهته؟
الارجح ان نوايا تطيير هذا الاستحقاق الدستوري، ستتحول الى خطوات عملية، وأول المصابين ستكون وزارة الداخلية التي يفترض ان تحقق انجازاً، عندما تجري انتخابات فيها الحد الادنى الانتخابات، لكن حسابات الوزير نهاد المشنوق، لا تسير مع حسابات عليا أكثر تعقيداً.
فالرئيس سعد الحريري يبدو انه يتفادى اختباراً اولياً في طرابلس يدرك انه لن يكون مؤاتياً لتيار المستقبل، خصوصاً اذا ما تمت مقارنة نتائج الانتخابات البلدية باستطلاعات رأي لم تنشر، وكلها تشير الى حصول معركة حقيقية، سيكون فيها المستقبل طرفاً من ثلاثة اطراف، وقد تتكرر فيها نتائج الانتخابات البلدية، او قد ترسم، توازنات مئوية في النتائج، تصلح لان تحدد منذ اليوم معالم انتخابات 2018، علماً ان هذه الانتخابات تجري على ايقاع زمني لم يتعد الاشهر على انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة، وتوزيع التعيينات، واستثمار قوة المشاركة في السلطة.
اما على الصعيد المسيحي، فإن اختلاط حابل التوازنات الجديدة التي اعقبت انتخاب الرئيس عون، بنابل التوازنات الداخلية في فريق رئيس الجمهورية، يشير الى تقاطع رغبات بالتأجيل، لتفادي معركة مبكرة، لا يريد أي من الاطراف الاساسية أن يخوضها، تماماً كما لا تريد بعض قوى المعارضة ان تختبرها، لعدم وجود جهوزية سياسية ووطنية ولوجستية.
في القراءة السياسية للانتخابات الفرعية التي باتت مؤجلة نظرياً، عناصر تصلح لتلمس معالم التسوية التي ادت الى انتخاب الرئيس عون. فالخشية من الاستحقاق الانتخابي، تعكس قلقاً من مسار التسوية، ومن عدم القدرة على ترجمة هذه التسوية على شكل مكاسب شعبية.
وفي حين يؤكد اكثر من مرجع دستوري وسياسي، على عدم وجود اية نافذة يمكن ان يستغلها من يريدون تطيير الفرعية، وعلى حتمية اجرائها، مهما كانت الخسائر المتوقعة، تطلق التكهنات حول الذريعة المعدة للتاجيل، وربما تكون الذريعة الامنية احد المنافذ، او ذريعة نفاد الوقت والمهل، وضرورة الاستعداد للانتخابات العامة، لكن كل هذه الذرائع، لن تنجح في حجب مشهد التهرب من اجراء الانتخابات، ولا مشهد اللاتماسك الذي برز بعد اشهر قليلة من التسوية الرئاسية، في ظل رغبة رئاسية بإجراء الانتخابات، ومعارضة من اهل البيت معطوفة على التقاء مصالح بين الرئيس الحريري والقوات اللبنانية، على تأجيل الاختبار حتى الربيع القادم، عل ذلك يسمح بالتقاط الانفاس، وبتفادي معركة ليست بتوقيتها المناسب، سواء على الساحتين السنية والمسيحية على حد سواء، علماً ان قرار عدم إجراء الانتخابات سيكون له مفعول نتائج الخسارة الانتخابية، كما ان هذا القرار لن يمر بهدوء، لأن تحضيرات بدأت لمواجهته بالموقف السياسي، وربما ابعد من ذلك.