كتب علي الحسيني في صحيفة “المستقبل”:
منذ اللحظة التي انطلقت فيها الحافلات التي كانت تقل مسلحي «جبهة النصرة» باتجاه معبر السعن في ريف حماه، ضمن عملية التبادل بين «حزب الله» و»النصرة» التي انتهت أوّل من أمس، كانت مدفعية الجيش توجّه ضربات مُحكمة استهدفت من خلالها عناصر تنظيم «داعش» المنتشرة في قسم كبير من جرود القاع ورأس بعبلك. الأمر الذي يؤكد مرة جديدة، أن قرارات الجيش، خصوصاً تلك المتعلقة بالإرهاب، لا تخضع لا لتسويات ميدانية، ولا لقرارات خارجية أو جانبية، إنما وحدها الاعتبارات الوطنية والسيادية، هي التي تُملي عليه الأخذ بعين الاعتبار طبيعة الظروف الصعبة التي تمر فيها البلاد، أو المستجدات التي تطرأ على حين غرّة.
بعد الإنتهاء من وجود المسلحين في جرود عرسال، بدأ الحديث يدور في الخفاء والعلن، حول معركة قريبة قد يفتحها الجيش بين ساعة وأخرى ضد تنظيم «داعش» في جرود القاع ورأس بعلبك خصوصاً وأن الرهانات السابقة حول حدوث هذه المعركة، كانت تعوّل على تخلّص الجيش من «شوكة النصرة» التي كانت مزروعة في ظهره في جرود عرسال والتي منعته في الكثير من الأحيان، من التفرّغ لقتال «داعش» أو حتى من فتح جبهة عريضة ضد كل الجماعات الإرهابية المتواجدة ضمن الجرود اللبنانية. لكن الإشارات الواضحة أقله حتّى هذا الوقت، لا تشي بحصول معركة خلال 72 ساعة كما يُردّد البعض خصوصاً وأنه لم يتم الإنتهاء بعد من إفراغ جرود عرسال من جميع المسلحين، إذ ما زالت عناصر «سرايا أهل الشام» تتواجد في وادي حميد، بانتظار اتمام الصفقة مع «حزب الله» والتي من المحتمل أن تمتد لأيام إضافية.
على خلاف ما يعتقده البعض أو يُشيعه بأن معركة جرود القاع ورأس بعبلك التي يتحضر لها الجيش لمواجهة «داعش»، سوف تكون أسهل بكثير من تلك التي حصلت في جرود عرسال، فإن المعركة هناك سوف تكون أعنف وسوف تتخذ طابعاً شرساً خصوصاً بعد إنسداد أفق إنسحاب عناصر التنظيم باتجاه الأراضي السورية بعد سيطرة النظام السوري و»حزب الله» على البادية السورية واغلاق جميع المعابر التي كان يستمد عناصر «داعش» في جرود القاع ورأس بعلبك من خلالها، الدعم العسكري والتموين الغذائي. ولذلك تعتقد مصادر عسكرية أن المواجهة لو وقعت فعلاً، فلن تكون سهلة على الإطلاق بحيث لن يكون أمام العناصر الإرهابية إلا خياران لا ثالث لهما: إمّا المواجهة في أرض المعركة وهذا الأمر مصيره محسوم لصالح الجيش، أو تنفيذ عمليات إنتحارية ضد مواقع للجيش إن من خلال سيارات مفخخة أو أحزمة ناسفة.
وتشير المصادر نفسها إلى أن ما يُعطي المواجهة في جرود القاع ورأس بعلبك بُعداً قاسياً ويُنذر بوضع صعب، هو أنه ليس لعناصر «داعش» مخيمات ولا أهال يُمكن أن يخافوا عليهم أو أن يُقدموا بسببهم بعض التنازلات على غرار ما حصل في جرود عرسال، حيث انتهت العملية العسكرية بمفاوضات أفضت إلى خروج «النصرة» مع آلاف المدنيين. وهذا الأمر لا يُمكن أن يحصل في جرود القاع ورأس بعلبك إلا في حالة وحيدة وهي أن يطلب الإرهابيون تسليم أنفسهم للجيش تحت الضربات التي سوف يوجهها الجيش لهم، والتي من المتوقع أن تنتج عنها خسائر في صفوف «داعش» تفوق حجم النتائج والتوقعات المُرتقبة.
وفي ما يتعلّق بالمعلومات التي تحدثت عن تأجيل قائد الجيش العماد جوزيف عون زيارته للولايات المتحدة الاميركية، بسبب اقتراب إعلان ساعة الصفر للبدء بمعركة جرود القاع ورأس بعلبك، نفت مصادر عسكرية هذا الامر بشكل قاطع، مؤكدة انه حتّى الساعة، فان الزيارة سوف تبدأ في موعدها المحدد والمقررة في 12 آب الحالي، وهي تأتي في إطار الدعم المتواصل للمؤسسة العسكرية. وفي السياق نفسه، نفت المصادر حصول أي تعاون عسكري بين الجيشين اللبناني والسوري في ما يتعلّق بطبيعة المعركة، وأن كل ما يُحكى من هذا القبيل، هو مجرد تكهنات خصوصاً وأن قيادة الجيش قد أعدّت خططها العسكرية بشكل يتناسب مع طبيعة المعركة ومع قدرات الجيش خصوصاً لجهة استخدام السلاح المناسب، والأهم الاعتماد على القوّة الذاتية وعلى معنويات الضبّاط والعناصر والجاهزية التي هي في حالة تصاعد دائم.
اليوم وبعد مرور ثلاث سنوات تقريباً على بداية الإحتكاكات والمواجهات العسكرية مع الجماعات الإرهابية في الجرود، يُمكن الجزم، بأن الجيش وصل إلى مرحلة يُمكن تسميتها بحسب مصادر عسكرية بـ»الأهم» و»الأنجح» في تاريخ العمل العسكري والأمني واللوجستي للمؤسّسة العسكرية في لبنان. ومن هذه الجاهزية الكاملة المبنيّة بشكل أساسي على مواجهة وصد أي محاولة لإختراق مساحات الامن التي فرضتها ألوية الجيش المُنتشرة في الجرود، يُمكن التأكيد أن كل ما يُحكى عن إنجازات وإنتصارات في مواجهة المُسلحين هناك، يعود الفضل فيها إلى الجيش الذي صمد وخاض المعارك الضروس طيلة الفترة الماضية والتي خسر خلالها خيرة ضبّاطه وعناصره.
وبكل تأكيد، فإن هذه المرحلة الهامة التي يُحكى عنها، لم تكن لتوصل الجيش إلى هذا المستوى من الجاهزية، لولا الدعم السياسي اللامتناهي الذي يتلقاه بشكل مستمر، من رئاسة الجمهورية والحكومة مجتمعة سواء من خلال المواجهات الميدانية، أو عبر الإنجازات الأمنية التي تُثبت في كل يوم، مدى أهميتها خصوصاً لجهة تجييرها لصالح العمليات العسكرية إن عبر المواجهات أو عمليات التفاوض. ولا بد من القول، بأن الإستعدادات العسكرية والتدابير الإحترازية المتسارعة التي يتخذها الجيش عند «جبهة القاع – رأس بعلبك» في ظل عمليات استهداف متواصلة لمحاولات الإرهابيين النفاذ إلى الداخل اللبناني ونجاحه في شل حركتهم في الليل والنهار، ما هي إلا إجابة واضحة للتساؤلات التي تُطرح حول مدى جهوزية الجيش لخوض هذه المعركة.
معركة في حال وقعت ضمن المناطق المذكورة، سوف يُكتب فيها النصر المؤكد للجيش، ومع هذا فقد آثر أن يمنح وقتاً إضافيّاً لأي عملية تفاوض يُمكن أن تحقن دماء أبناء المؤسّسة العسكرية وتجنيب المدنيين أي استهداف. وفي هذا السياق، تكشف المعلومات أن المفاوضات القائمة لتسليم عناصر «داعش» أنفسهم أو انسحابهم باتجاه عمق الأراضي السورية، هي خجولة جداً كونها ليست مباشرة ويغيب فيها وجود نيّة حقيقية لدى الإرهابيين بالتفاوض ولا حتّى بتقديم معلومات ولو بسيطة، حول مصير العسكريين المخطوفين لديهم.