كتبت رلى إبراهيم في صحيفة “الأخبار”:
ورقة النوايا بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية ليست على ما يرام. بواخر الكهرباء وانتخابات نقابة المهندسين والتعيينات وترشيحات «النكاية» تشهد على ذلك. أما جديد هذه التفاصيل التي تتحوّل إلى نكسات، فإنزال لافتات وصور ترحّب بحضور رئيس الجمهورية ميشال، عون يوم الأحد، الى كنيسة سيدة التلة في دير القمر، تمهيداً لإفشال الزيارة، وفقاً لعونيي الشوف، «بتخطيط وإخراج من النائب القواتي جورج عدوان».
منذ مدة لم يعد بالإمكان دفن بذور الخلافات بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية التي تأخذ بالتوسّع يوماً بعد يوم. وفعلياً، لا يكاد ينزل أسبوع بسلام على تفاهم «أوعا خيّك» بين الحزبين من دون أن ينتهي بنكسة جديدة تضاف الى قائمة النكسات الطويلة.
هذه المرة، وصلت البوسطة الى الشوف حيث من المقرر أن يشارك رئيس الجمهورية ميشال عون في قداس بمناسبة عيد سيدة التلة في دير القمر يوم الأحد المقبل. ترتيبات القداس والدعوات تولاها الوزير السابق ناجي البستاني الذي أوصل الدعوة الى بعبدا والى البطريرك بشارة الراعي، فيما كان من الطبيعي أن تدبّ الحماسة في عروق تيار الشوف فور تأكيد عون حضوره، فيهرع شبابه الى تعليق اللافتات والصور من الناعمة الى دير القمر ترحيباً بالرئيس الذي انتظروه ثلاثين عاماً. لكن جاء من ينغّص عليهم فرحتهم ليل أول من أمس، إذ استفاق تيار دير القمر على لافتاته والصور الكبيرة ملقاة أرضاً، كذلك تم نزع أقواس النصر التي نصبها البستاني. ويجزم شباب التيار بأن شرطة البلدية عمدت ليلاً الى حرمانهم بهجة الاحتفال بالحدث الكبير، رغبة في إفشال الزيارة ربما. «والبلدية هنا ليست إلا الأداة، فيما المخطط ليس سوى النائب القواتي جورج عدوان»، على ما يقولون؛ فرئيس المجلس البلدي في دير القمر ملحم مستو محسوب عليه، و«لا يحرّك قشة من دون الرجوع اليه». وزاد الطين بلة قرار القوات والاشتراكي تنظيم احتفال لمناسبة الذكرى الـ16 لـ«مصالحة الجبل»، يوم الأحد أيضاً، تزامناً مع زيارة الرئيس عون، مع علمهم المسبق بأن قداساً سيقام في التاريخ نفسه بحضور الرئيس في كنيسة سيدة التلة، يليه حفل غداء في المطرانية.
مرشح التيار الوطني الحر عن المقعد الكاثوليكي في الشوف غسان عطاالله يرى في ما يحصل «فخاً منصوباً للرئيس بغية سحب الرهجة من الزيارة وإظهاره أمام الشوفيين كمن يعارض المصالحة ويقاطعها، فيما الواقع أن الرجلين وزّعا الدعوات على الجميع قبيل توجيه دعوة الى قصر بعبدا عوضاً عن التنسيق معه من الأساس، لا سيما أنهما يعلمان جيداً بحضوره الى سيدة التلة في هذا التاريخ. والعتب هنا ليس على (النائب وليد) جنبلاط بقدر عتب أولاد الشوف على نائبهم جورج عدوان الذي أعطوه توكيلهم وثقتهم، فتبيّن أنه يحارب زيارة رئيس الجمهورية ويضغط على البلدية لإزالة اليافطات والصور، منكراً حقّ الشوفيين في التنفس بعد 40 عاماً من الإقصاء». ولكن ما الغرض من وراء إفشال الزيارة؟ يجيب عطاالله بأن «معاشرة عدوان للإقطاع جعلته شبيهاً بهم، فلم يعد قادراً على تحمّل الرهجة والمجد اللذين سيرافقان حلول عون ضيفاً على الشوف». ولكن، يجزم عطاالله بأن «كل الضغوط والنكايات لن تنفع، فالتيار لم يعد مكسر عصا».
مقابل النظرة العونية لما يحصل، وجهة نظر أخرى يمثلها رئيس البلدية ملحم مستو. يرد الأخير تلقائياً على سؤال «الأخبار» له عن اتهامات التيار بالقول إن كل ما يقال «كذب ونفاق. وأنا لست ابن مبارح بالعمل الرسمي والاداري ولا أحتاج لشهادة حسن سلوك من أحد، ولا أنا من النوع الذي يرتكب الحماقات والهفوات». وبالمناسبة «علاقتي ممتازة بالتيار الوطني الحر ومسؤوليه». حسناً، ولكن هل حقاً أصدرتم أوامر بنزع اليافطات وهل تقدم التيار بطلب لتعليقها في المقام الأول؟ يرد الريس بحزم: «رئيس البلدية هو المكلف بإدارة شؤون البلدية، وهو الذي يسمح بتعليق اليافطات وإقامة المهرجانات. في الفترة الاخيرة كنت خارج البلاد، وعلى حدّ علمي لم أوقّع على» طلب للسماح برفع اللافتات والصور وأقواس النصر. إلا أن مستو لم يوضح ما إذا كان وصل إلى مكتبه طلب للسماح برفع اللافتات والصور أو لا. جلّ ما يشدد عليه أن «القانون يعلو ولا يعلى عليه، مهما كان الموضوع»، فيما يشير عونيّو دير القمر إلى أنهم طلبوا إذناً من البلدية، فأتاهم الرد بأن المجلس البلدي اتخذ قراراً بمنع رفع أي لافتات وصور في البلدة. هكذا، بدأ التوتر يسيطر على أحياء الدير مع اقتراب موعد الزيارة. ووفقاً للعونين، أصل المشكلة هو النائب جورج عدوان.
ينفي نائب الشوف لـ«الأخبار» أن يكون قد تواصل مع رئيس البلدية أو على علم أصلاً بما حصل؛ فهو من جهة يكنّ كل الاحترام والتقدير لشخص الرئيس عون والمنصب الذي يشغله، ومن جهة أخرى كان قد توجه الى بعبدا قبيل ثلاثة أسابيع حيث تطرق والرئيس الى مناسبة عيد سيدة التلة، فنفى عون أن يكون مشاركاً في القداس. لذلك، «من المعيب على البعض اعتبار ذكرى المصالحة مسعى لإفشال الزيارة، لأني كنت قد اتفقت والرئيس يومها على تنظيم زيارة رسمية الى الشوف في ما بعد، كوني المعنيّ الأول بها». وأصلاً توقيت المناسبتين «مختلف، فالقداس سيقام الساعة الحادية عشرة يليه حفل غداء في المطرانية، أما الذكرى فتبدأ نحو الساعة الثالثة والنصف في قصر الأمير أمين في بيت الدين، حيث استغللنا وجود البطريرك الراعي في الشوف ونظّمنا الذكرى في هذا الوقت». وعكس ما يشيعه العونيون، فقد تقرر تنظيم هذه المناسبة «منذ مدّة وليس قبل 5 أيام كما يدّعون». يهمّ عدوان هنا الإشارة الى علاقته الجيدة جداً بالتيار الوطني الحر، والى أن الأب مارسيل أبي خليل عمد قبل نحو 10 أيام الى متابعة ترتيبات القداس الإلهي في سيدة التلة، فكان أن وجّه دعوة إلى الرئيس عون مجدداً، فأكد الرئيس حضوره. وفور تبلغ المطران مارون العمار بذلك، وجّه إلى عون دعوة لحضور احتفال المصالحة، فاعتذر الرئيس، وفقاً لعدوان.
المصادر العونية تفسّر الاعتذار بأنه ردّ فعل طبيعي نتيجة تنظيم الاحتفال برعاية عدوان وجنبلاط، من دون التنسيق مع الرئيس عون، وعدم دعوة الرئيس أولاً، حيث تم توزيع دعوات قبيل توجيه دعوة الى بعبدا. أما في ما خصّ إيعاز التيار إلى شبابه ومسؤوليه بمقاطعة ذكرى «المصالحة»، فتشير المصادر الى أنه «لم تتم دعوة هيئة التيار أصلاً، فيما حفل الغداء الذي كان يفترض أن يعقب القداس هدفه إحراج الرئيس، إذ سيقام في مطرانية الموارنة المقابلة لبيت الدين. فإذا حضره ولم يتوجّه الى قصر الأمير أمين، فسيستغل الأمر على أنه رسالة ما، علماً بأن القوات والاشتراكي لا يحييان هذه الذكرى بنحو دائم سنوياً، بل وفقاً لأهواء بيك المختارة، واليوم قبيل الانتخابات النيابية كان لا بد له من إعادة استذكارها». ويضيف عيونيّون في الشوف: «في الأصل، نحن لم نقاتل أحداً في الجبل حتى نتصالح معه. فنحن متصالحون مع أهلنا من كل الطوائف، ولا داعي تالياً لذكرى مصالحة».